المنشورات

خرج في يوم الخميس غرة صفر أبو الغنائم بن المحلبان إلى باب السلطان طغرلبك من الديوان العزيز بالإجابة إلى الوصلة

 وكان السبب أن الكتب وردت من السلطان إلى بغداد وواسط والبصرة بإدخال اليد في الإقطاع المفردة لوكلاء الدار العزيزة، والحواشي، والأصحاب، وإلى أصحاب الأطراف وغيرهم، بتعديد ما فعل من الجميل دفعة بعد دفعة، وما كان من المقابلة في الرد عما وقعت الرغبة فيه على أقبح حال، وخرج الكلام في ذلك إلى ما ينافى قانون الطاعة ومقتضى الخدمة، وقطعت المكاتبة إلى الديوان، ووصل الكتاب [1] إلى قاضي القضاة عنوانه: «إلى قاضي القضاة من شاهنشاه المعظم ملك المشرق والمغرب، محيي الإسلام، خليفة الإمام، يمين خليفة الله أمير المؤمنين» ، فكان في الكتاب أن قاضي القضاة يعلم أن تلك الوصلة لم 38/ ب تكن جفوة/ قصدناها حتى يستوجب قبح المكافأة على جميع ما قدمناه من المؤاثرات، وإن كنا لا نؤهل للإجابة، ولا نحض بالمساءة، وليس يخفي على العوام ما قدمناه من الاهتمام، وأوجبناه من الإنعام، وأظهرناه من التذلل والخضوع الذي ما كان لنا به عهد ظننا بأننا نتقرب إلى الله تعالى بذلك، فصارت كلها [وبالا علينا] [2] ولكنا واثقون بصنع الله تعالى أنه لا يضيع جميل أفعالنا ونرى سوء المغبّة لمن يضمر لنا [3] سوءا فينا، واقتضى الرأي استرداد جميع ما كان للديوان الخاص وقصر أيدي [1] وكلاء تلك الجهة عنها، ليقصروا على ما كان لهم يوم وردت راياتنا العراق، فيجب أن نشير عليهم بالتخلية عنها، وترك المراجعة فيها فإنّها [2] لا تفيد [3] غير الجدال والنزاع، وقد خاطبنا الشيخ الزكي أبا منصور بن يوسف بكتاب أشبعنا فيه القول، فيجب أن يتأمله ويعمل به، لئلا يتكرر الكلام، والسلام. وكتب في منتصف شعبان سنة ثلاث وخمسين.
ثم ما زالت المشورة على الخليفة بما في هذا الأمر قبل أن لا يتلافى، فعين على أبي الغنائم بن المحلبان في الخروج إلى السلطان واستسلال ما حصل في نفسه، فقال:
متى لم يقترن بخروجي إليه إجابته إلى غرضه من الوصلة كان قصدي زائدا في غيظه، وتوقف عن الخروج، ودافع واتسع الخرق بما قصد به الخليفة من الأذى، فأجاب حينئذ مكرها بعد أن يمنع ثلاث سنين، وكتب وكالة لعميد الملك في العقد، وأذن في الوصول لقاضي القضاة أبي عبد الله الدامغاني، وأبي منصور/ بن يوسف حتى شهدا بما سمعاه 39/ أمن الإجابة، وخرج أبو الغنائم، وورد بعد خروجه بخمسة أيام ركابية بكتب تتضمن رد الأقطاع إلى وكلاء الدار العزيزة، وكثر الاعتذار مما جره سوء المقدار من تلك الأسباب المكروهة، والتقدم بإنفاذ أبي نصر بن صاعد رسولا بخدمة وهدية ومشافهة بالتنصل مما جرى، وشاع هذا فطابت النفوس ووقعت البشائر في الدار العزيزة، وخلع منها على الركابية، وضربت الدبادب والبوقات بين أيديهم، وطيف بهم في البلد، وأعيد الإقطاع إلى أيدي الوكلاء.
وورد كتاب من عميد الملك إلى أبي منصور بن يوسف يخبره بأن تلك اللوثة زالت من غير مذكر، بل برأي رآه السلطان حسما لقالة [4] تظهر، أو عدو يشمت وكوتب أبو الغنائم بن المحلبان بالتوقف حيث وصل من الطريق إلى أن يصل أبو نصر بن صاعد ويصدر [5] في صحبته على ما يقتضيه جوابه، ورسم له طي ذلك وستره، فوصله الأمر وهو بشهرزور، فأقام متعللا بالأمطار والثلوج، وجرح ساقه، ثم أظهر أن مادة قد نزلت فمنعته من الركوب.






مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید