المنشورات

كان ثلاث ساعات من يوم الثلاثاء الحادي عشر من جمادى الأولى [2] وهو الثامن من آذار زلزلة عظيمة بالرملة وأعمالها، فذهب أكثرها وانهدم سورها

 وعم ذلك ببيت المقدس وتنيس، وانخسفت أيلة كلها، وانجفل البحر في وقت الزلزلة حتى انكشفت أرضه، ومشى الناس فيه، ثم عاد إلى حاله. وتغيرت إحدى زوايا الجامع بمصر، وتبع هذه الزلزلة في ساعتها زلزلتان.
وتوجه ملك الروم من قسطنطينية إلى الشام في ثلاثمائة ألف، ونزل على منبج ستة عشر يوما، وسار إليه المسلمون، فانهزم المسلمون وقتل جماعة منهم، وأحرق ما بين بلد الروم ومنبج من الضياع والقرى، وقتل رجالهم، وسبي نساءهم، وخاف أهل حلب خوفا شديدا، ثم انقطعت الميرة عن ملك الروم فهلك من معه جوعا فرجع.
وفي هذه السنة: فسدت أحوال ملك مصر وقوتل، فاحتاج فبعث [3] فأخذ ما في مشهد إبراهيم الخليل [عليه السلام] [4] ، وضاقت يد ابن أبي هاشم أمير مكة لانقطاع ما كان يصله من مصر وغيرها، فعمد إلى ثياب [1] الكعبة فقطع الذهب [2] الذي فيها [3] وسبكه، وإلى قبلتها وميزابها وحلق بابها، فكسره وضربه دنانير ودراهم، ثم عدل إلى مصادرات أهل مكة حتى رحلوا [4] عنها، وكذلك صنع أمير المدينة، فأخذ قناديل وآلات فضة كانت هناك فسبكها.
وفي يوم الاثنين [5] السادس والعشرين من جمادى الآخرة: جمع [الأمير] [6] العميد أبو نصر الوجوه فأحضر أبا القاسم بن الوزير فخر الدولة، والنقيبين، والأشراف، وقاضي القضاة، والشهود إلى المدرسة [النظامية] [7] وقرئت كتب وقفتها، ووقف كتب فيها ووقف ضياع وأملاك وسوق أبنيت عليها [8] ، وعلى [بابها عليه وعلى] [9] أولاد نظام الملك على شروط شرطت فيها.
/ وفي شهر رجب: وصل رسول السلطان للخدمة والدعاء وأجيب [10] بما أشرف 59/ أبه وأضحت توقيعا للديوان بعشرة آلاف دينار على الناظر ببغداد، وتوقيعا بإقطاع مبلغ ارتفاعه سبعة آلاف دينار كل سنة من واسط والبصرة.
وفي ذي القعدة: ورد من مصر والشام عدد كثير [من رجال] [11] ونساء هاربين من الجرف [12] والغلاء، وأخبروا أن مصر لم يبق بها كبير [13] أحد من الجوع والموت، وأن الناس أكل بعضهم بعضًا، وظهر علي رجل [1] قد ذبح عدة من الصبيان والنساء وطبخ لحومهم وباعها، وحفر حفيرة دفن فيها رءوسهم وأطرافهم، فقتل، وأكلت البهائم فلم يبق إلا ثلاثة أفراس لصاحب مصر بعد ألوف من الكراع، وماتت الفيلة، وبيع الكلب بخمسة دنانير، وأوقية زيت بقيراط، واللوز والسكر بوزن الدراهم، والبيضة بعشرة قراريط، والرواية الماء بدينار لغسل الثياب.
وخرج وزير صاحب مصر إلى السلطان، فنزل عن بغلته وما معه إلا غلام واحد لعدم ما يطعم الغلمان، فدخل وشغل الركابي عن البغلة لضعف قوته، فأخذها ثلاثة أنفس ومضوا بها، فذبحوها وأكلوها فأنهى ذلك إلى صاحب مصر، فتقدم بقتلهم وصلبهم فصلبوا، فلما كان من الغد وجدت عظامهم مرمية تحت خشبهم [2] وقد أكلهم الناس، وكانت البادية تجلب الطعام، فتبيع الحمل بثلاثمائة دينار خارج البلد، ولا يتجاسرون أن يدخلوا البلد، ومن اشترى منه فربما نهبه الناس منه، وبيع من ثياب 59/ ب صاحب مصر وآلاته ما اشترى منه في دار الخلافة، فوجدت فيه/ أشياء [كانت] [3] نهبت عند القبض على الطائع، وأشياء نهبت في نوبة البساسيري، وخرج من خزانة السلاح التي لصاحب [4] مصر أحد عشر ألف درع، وتجفاف، وعشرون ألف سيف محلى، وثمانون ألف قطعة بلور كبار، و [خمسة] [5] وسبعون ألف قطعة من الديباج القديم، وبيعت ثياب النساء، وسجف المهود، وبيع من ذلك طست وإبريق بلور باثنى عشر دينارا، وبيع من هذا الجنس وحده نحو ثمانين ألف قطعة، وبيع نحو خمس وسبعين ألف قطعة من الثياب الديباج، وبيعت عشر حبات وزنها عشرة مثاقيل بأربعمائة دينار، وباع رجل دارا بمصر كان ابتاعها [6] بتسعمائة دينار بسبعين دينارا، فاشترى بها دون الكارة من الدقيق.






مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید