المنشورات

جاءت رسالة من السلطان مشتملة على كراهية الوزير فخر الدولة والمطالبة بعزله

أنه جاءت رسالة من السلطان مشتملة على كراهية الوزير فخر الدولة والمطالبة بعزله، وأن لا ينفذ إلى خراسان رسول من دار الخلافة، وأن لا يكون فيها غلمان أتراك للخاص ولا للخدم والأتباع، ثم واصل سعد الدولة الكوهرائين إنفاذ أصحابه إلى باب الفردوس، والملازمة فيه لأجل الوزير، والمطالبة بعزله، وجرى من التهدد وامتناع الخليفة ما يطول شرحه، حتى قيل إنه ليس بوزير، وإنما عميد الدولة وزيرنا، وقد أنفذناه إليكم في مهماتنا، ولما خلا الديوان منه جلس فيه والده بحكم النيابة عنه، وكتبت كتب في هذا المعنى من الديوان، وأنفذت مع ركابي يعرف: «بالدكدك» مرتب لأمثالها، 98/ ب فخرج بها فأخذ منها أصحاب سعد الدولة ما أخذوا/ وضربوه، وتمم إلى أصبهان فشكا ما لقي، فلم يشك، وحضر سعد الدولة باب الفردوس وهو سكران وقال: إن سلم الوزير إلى وإلا دخلت أخذته، وإن كلمني في معناه إنسان قتلته. فلوطف فعاد من الغد وبات في جماعة في باب الفردوس، وضربت هناك الطوابل، وشدت فيها خيل الأتراك، ونقل الناس أموالهم من نهر معلى والحريم إلى باب المراتب والجانب الغربي، وأحضر الوزير قوما بسلاح فباتوا على باب الديوان، وحضر في بكرة فسأل الإذن في ملازمة بيته فأذن له، وخرج إلى سعد الدولة توقيع فيه:
لما عرف محمد بن محمد بن جهير ما عليه جلال الدولة ونظام الملك من المطالبة بصرفه سأل الإذن في ملازمة داره إلى أن نكاتبهما بحقيقة حاله، وما هو عليه من الولاء والمخالصة. فأذن له.
فأخذ سعد الدولة التوقيع وانصرف، وأقام الوزير في داره، وجعل ولديه أبا القاسم وأبا البركات ينظران في الأعمال، وأما الوزير عميد الدولة فإنه لما وصل إلى العسكر وجد من النظام التغير الشديد، فأعياه أن يطيبه، وندب نقيب النقباء للخروج إلى أصبهان والخطاب على اعتبار ما [1] قصد له الوزير عميد الدولة ليعود إلى مراعاة أمر الديوان، فإنه قد وقع الاستضرار ببعده، وليشرح ما جرى من سعد الدولة. فخرج في ليلة الأحد الحادي والعشرين من صفر، فأنفذ سعد الدولة من النهروان، وجرت في ذلك أمور حتى تمكن من السير، ثم ورد صاحب الوزير بكتابين من السلطان والنظام إلى سعد الدولة أنه انتهى إلينا أنك تعرضت بنواحي الديوان العزيز والوزير فخر الدولة، فأخذت منهما ما يجب/ أن تعيده، فلا تتعرض بما لم تؤمر به. 99/ أوأحضر سعد الدولة إلى باب الفردوس من غد، وسلمت الكتب إليه، وعوتب على ما كان منه من فظيع الفعل وقبيح القول، فقال: الله يعلم أن الذي أمرت به أضعاف ما فعلته، وأنا ماض إلى هناك، فإنني قد استدعيت سأوافق على ذلك بمشهد من عميد الدولة. ثم إن الوزير عميد الدولة تلطف بصبره وبوصله إلى أن استسل ما في نفس نظام الملك واستعاده إلى المألوف منه، فأنفذ فرسين بعدتهما وعشرين قطعة ثيابا للوزير فخر الدولة إظهارا لرجوع المودة إلى حالها المعهود، وقضى له كل حاجة، وزوجه بابنته، وقدم الوزير إلى بغداد وقد تغير قلب الخليفة له لأفعال الفقهاء الأعداء، وكتب إليه: قد أعدتك إلى والديك، ولا مراجعة لك بعد هذا إلى خدمتنا. فانكفأ مصاحبا فدخل إلى والده بباب العامة، وأغلق الديوان، وسمرت أبوابه التي تلي باب العامة.




مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید