المنشورات

الأستاذ أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزآبادي الشيرازي

ولد سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة، وتفقه بفارس على أبي الفرج ابن البيضاوي، وبالبصرة على الجزري [1] ، وببغداد على أبي الطيب الطبري، وسمع أبا علي بن شاذان والبرقاني وغيرهما، وبنى له نظام الملك المدرسة بنهر المعلى، وصنّف «المهذب» «والتنبيه» و «النكت» في الخلاف، و «اللمع» و «التبصرة» و «المعونة» و «طبقات الفقهاء» وكانت له اليد البيضاء في النظم [2] .
أخبرنا محمد بن ناصر قَالَ: أنشدني أبو زكريا بن علي السلار العقيلي:
كفاني إذا عز الحوادث صارم ... ينيلني المأكول [3] بالأثر والأثر
يقد ويفري في اللقاء كأنه ... لسان أبي إسحاق في مجلس النظر
وكثر أتباعه ومالوا إليه، وانتشرت تصانيفه لحسن نيته وقصده، وكان طلق الوجه، دائم البشر، مليح المحاورة، يحكى الحكايات الحسنة، وينشد الأشعار المليحة، وذلك أنه حضر عند يحيى بن علي بن يوسف بن القاسم بن يعقوب الصوفي برباطه بغزنة يعزيه عن ابن شيخه المطهر بن أبي سعيد بن أبي الخير، وكان قد غرق في الماء بالنهروان فأنشد.
/ غريق كأن الموت رق لأخذه ... فلان له في صورة الماء جانبه 111/ أ
أبي الله أن أنساه دهري فإنه ... توفاه في الماء الذي أنا شاربه
وكان يعيد الدرس في بدايته مائة مرة.
قَالَ [المصنف رحمه الله: قَالَ] [4] شيخنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي: قَالَ أبو إسحاق الشيرازي: كنت أشتهي وقت طلبي العلم الثريد بماء الباقلاء فلا يتيسر لي سنين [5] ، فما صح لي لاشتغالي بالدرس وأخذي السبق بالغدوات والعشيات، وكان يقول بترك التكلف حتى إنه حضر يوما الديوان فناظر مع أبي نصر ابن القشيري فأحس في كمه بثقل فقال له: يا سيدي [1] ، ما هذا؟ فقال: قرصني الملاح.
وكان قشف العيش متورعا، ورأى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام [2] فقال له: «يا شيخ» فكان يفتخر بهذا ويقول: سَمَّانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيخا [3] .
وحكى أبو سعد بن السمعاني عن جماعة من أشياخه: أنه لما قدم أبو إسحاق الشيرازي رسولا إلى نيسابور تلقاه الناس، وحمل إمام الحرمين أبو المعالي الجويني غاشيته، ومشى بين يديه [كالخدم] [4] وقال: أنا افتخر بهذا.
أنشدنا أبو نصر أحمد بن محمد الطوسي [5] قَالَ: أنشدنا أبو إسحاق لنفسه:
سألت الناس عن خل وفي ... فقالوا ما إلى هذا سبيل
تمسك إن ظفرت بود حر ... فإن الحر في الدنيا قليل
وأنبأنا أبو نصر قَالَ: صحبت الشيخ أبا إسحاق الشيرازي في طريق فأنشدني:
إذا طال الطريق عليك يوما ... فليس دواؤه إلا الرفيق
111/ ب/ تحدثه وتشكو ما تلاقي ... ويقرب بالحديث لك الطريق
وسئل يوما ما التأويل فقال: حمل الكلام علي أخفي محتمله.
توفي ليلة الأحد [6] الحادي والعشرين من جمادى الآخرة [7] من هذه السنة في دار المظفر ابن رئيس الرؤساء بدار الخلافة من الجانب الشرقي، وغسله أبو الوفاء بن عقيل [8] ، وصلى عليه بباب الفردوس لأجل نظام الملك، وأول من صلى عليه المقتدي بأمر الله، وتقدم في الصلاة عليه [1] أبو الفتح المظفر ابن رئيس الرؤساء وهو حينئذ نائب بالديوان، ثم حمل إلى جامع القصر فصلى عليه، ودفن بباب أبرز، وقبره ظاهر.
والعجب أنه لم يقدر له الحج، قَالَ بعض أصحابه: لم يكن له شيء يحج به، ولو شاء [2] لحملوه على الأحداق. قَالَ: وكذلك أبو عبد الله الدامغاني لم يقدر له الحج، إلا أن ذاك كان يمكنه ولم يفعل.
وحدثني أبو يعلى بن الفراء قَالَ: رأيت أبا إسحاق الشيرازي في المنام فقلت له:
أليس قد مت؟ فقال: لا والله ما مت، ثم ابرأ إلى الله من المدرسة وما فيها. قلت: أليس قد دفنت في التربة التي تعرف ببيت فلان؟ فقال: لا والله ما مت.







مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید