المنشورات

محمد بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن الوليد، أبو علي المعتزلي

من الدعاة، كان يدرس [4] علم الاعتزال، وعلم الفلسفة والمنطق، فاضطره أهل السنة إلى أن لزم بيته خمسين سنة لا يتجاسر أن يظهر، ولم يكن عنده من الحديث إلا حديث [5] واحد لم يرو غيره، سمعه من شيخه أبي الحسين بن البصري، ولم يرو أبو الحسين غيره، وهو قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «إِذَا لَمْ تَسْتَحْي فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ» [6] فكأنهما خوطبا بهذا الحديث لأنهما لم يستحييا من بدعتهما التي خالفا بها السنة، وعارضاها بها ومن فعل ذلك فما استحيا.
ولهذا الحديث قصة عجيبة: وهو أنه رواه القعنبي عن شعبة، ولم يسمع من شعبة غيره، وفي سبب ذلك قولان: أحدهما: أن القعنبي قدم البصرة ليسمع من شعبة ويكثر، فصادف مجلسه وقد انقضى، فمضى إلى منزله فوجد الباب مفتوحا وشعبة على 120/ أالبالوعة، فهجم فدخل من غير استئذان وقال: أنا غريب قصدت من بلد/ بعيد لتحدثني، فاستعظم شعبة ذلك وقال: دخلت منزلي بغير إذني، وتكلمني وأنا على مثل هذه الحال، اكتب: حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ، عَنْ رَبَعِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أنه قَالَ: «إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ» ، ثم قَالَ: والله لا حدثتك غيره ولا حدثت قوما أنت معهم.
والثاني: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ قَالَ: أَنْبَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَنَّاءُ قَالَ: أَخْبَرَنَا هِلَالُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الصَّبَّاحِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْكَشِّيُّ قَالَ: حدثني بَعْضُ الْقُضَاةِ عَنْ بَعْضِ وَلَدِ الْقَعْنَبِيِّ قَالَ: كَانَ أَبِي يَشْرَبُ النَّبِيذَ وَيَصْحَبُ الأَحْدَاثَ، فَقَعَدَ يَوْمًا يَنْتَظِرُهُمْ عَلَى الْبَابِ، فَمَرَّ شُعْبَةُ وَالنَّاسُ خَلْفَهُ يَهْرَعُونَ فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قِيلَ: شُعْبَةُ. قَالَ: وَأَيُّ شُعْبَةَ؟ قِيلَ: مُحَدِّثٌ. فَقَامَ إِلَيْهِ وَعَلَيْهِ إِزَارٌ أَحْمَرُ فَقَالَ لَهُ: حَدِّثْنِي. قَالَ لَهُ: مَا أَنْتَ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ. فَشَهَرَ سِكِّينَهُ فَقَالَ:
أَتُحَدِّثُنِي أَوْ أَجْرَحُكَ. فَقَالَ لَهُ: حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ، عَنْ رَبَعِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ» ، فرمى سكينه ورجع إلى منزله، فأهراق ما عنده، ومضى إلى المدينة فلزم مالك بن أنس، ثم رجع إلى البصرة وقد مات شعبة، فما سمع منه غير هذا الحديث.
وقال شيخنا ابن ناصر: كان ابن الوليد داعية إلى الاعتزال، لا تحل الرواية عنه.
قَالَ المصنف رحمه الله: قرأت بخط أبي الوفاء بن عقيل قَالَ: جرت مسألة بين 120/ ب أبي علي بن الوليد وأبي يوسف القزويني في إباحة الولدان في الجنة، أي في إمراجهم في جماعهم وإنشاء شهوتهم لذلك، قَالَ أبو علي بن الوليد: لا يمتنع أن يجعل من جملة لذاتهم ذلك لزوال المفسدة فيه في الجنة، لأنه إنما منع منه في الدنيا لما فيه من قطع النسل، وكونه محلا للأذى وليس في الجنة ذلك، ولذلك أمرجوا في شرب الخمر لما أمن من السكر وغائلته من العربدة والعداوة، وزوال العقل، فلما أمن ذلك من شربها لم يمنع من الالتذاذ بها. فقال أبو يوسف: إن الميل إلى الذكور عاهة، وهو قبيح في نفسه، إذ لم يخلق هذا المحل للوطء، ولهذا لم يبح في شريعة، بخلاف الخمر، وإنما خلق مخرجا للحدث، وإذا كان عاهة فالجنة منزهة عن العاهات. فقال أبو علي [1] : إن العاهة هي التلويث بالأذى، وإذا لم يكن أذى لم يكن إلا مجرد الالتذاذ، فلا عاهة.
قَالَ ابن عقيل: قول أبي يوسف كلام جاهل، إنما حرم بالشرع، وكما عادت الأجزاء كلها لاشتراكها في التكليف ينبغي ان تعاد القوى والشهوات، لانها تشارك الأجزاء في التكليف [2] ويتعصب بالمنع من قضاء أوطارها، والممتنع من هذا معالج طبعه بالكف، وفينبغي أن تقابل هذه المكابدة بالإباحة. ثم عاد وقال: لا وجه لتصوير اللواط، لأنه ما يثبت أن يخلق لأهل الجنة مخرج غائط، إذا لا غائط.
توفي ابن الوليد في ليلة الأحد ثالث ذي الحجة من هذه السنة [3] [وصلى عليه أبو طاهر الزينبي] [4] ودفن بالشونيزيه.





مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید