المنشورات

محمد بن علي [بن محمد] بن الحسين بن عبد الملك بن عبد الوهاب بن حمويه، أبو عبد الله الدامغاني

ولد في ليلة الاثنين ثامن ربيع الآخر سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة بدامغان، وتفقه ببلده، ثم دخل إلى بغداد يوم الخميس سادس عشرين رمضان سنة تسع عشرة فتفقه 121/ أعلى أبي عبد الله الحسين بن علي الصيمري، وأبي الحسين أحمد بن محمد القدوري، وسمع منهما الحديث، وبرع في الفقه، وخص بالعقل الوافر والتواضع، فارتفع وشيوخه أحياء، وانتهت إليه الرئاسة في مذهب العراقيين، وكان فصيح العبارة،كثير النشوار في درسه، سهل الأخلاق، روى عنه شيوخنا، وعانى الفقر في طلب العلم، فربما استضوأ بسراج الحارس.
وحكى عنه أبو الوفاء ابن عقيل أنه قَالَ: كان لي من الحرص على الفقه في ابتداء أمري أني كنت أخذ المختصرات وأنزل إلى دجلة أطلب أفياء الدور [1] الشاطئية والمسنيات، فأنظر في الجزء وأعيده، ولا أقوم إلا وقد حفظته، وفأدّى بي السعي إلى مسناة الحريم الطاهري، فجلست في فيئها الثخين، وهوائها الرقيق، واستغرقني النظر، فإذا شيخ حسن الهيئة قد اطلع على، ثم جاءني بعد هنيهة فراش فقال: قم معي. فقمت معه حتى جاء بي إلى باب كبير وعليه جماعة حواش، فدخل بي إلى دار كبيرة وفيها دست مضروب ليس فيها أحد، فأدفاني منه فجلست، وإذا بذلك الشيخ الذي اطلع على قد خرج فاستدناني منه، وسألني عن بلدي فقلت: دامغان، وكان علي قميص خام وسخ وعليه آثار الحبر، فقال: ما مذهبك، وعلى من تقرأ؟ فقلت: حنفي، قدمت منذ سنين وأقرأ على الصميري، وابن القدوري. فقال: من أين مؤنتك؟ قلت: لا جهة لي أتمون 121/ ب منها. فقال: ما تقول في مسألة كذا وكذا [2] من الطلاق؟ وبسطني ثم قَالَ: تجيء كل خميس إلى ها هنا. فلما جئت أقوم أخذ قرطاسا وكتب شيئا [ودفعه إلى] [3] وقال:
تعرض هذا على من فيه اسمه وتأخذ [4] ما يعطيك. فأخذته ودعوت له، فأخرجت من باب آخر غير الذي دخلت منه، وإذا عليه رجل مستند إلى مخدة، فتقدمت [إليه فقلت] [5] : من صاحب هذه الدار؟ فقال: هذا ابن المقتدر باللَّه. فقال: فما معك؟
فقلت: شيء كتبه لي. فقال: بخطه، أين كان الكاتب؟ فقلت: على من هذا؟ فقال:
على رجل من أهل باب الأزج: عشر كارات دقيق سميد فائق، وكانت الكارة تساوي ثمانية دنانير، وكتب لك بعشرة دنانير. فسررت ومضيت إلى الرجل، فأخذ الخط ودهش، وقال: هذا خط مولانا الأمير.، فبادر فوزن الدنانير وقال: كيف تريد الدقيق؟
جملة أو تفاريق؟ فقلت: أريد كارتين منها، وثمن الباقي. ففعل فاشتريت كتبا فقهية بعشرين وكاغدا بدينارين.
وشهد عند أبي عبد الله بن ماكولا قاضي القضاة في يوم الأربعاء ثالث عشر ربيع الأول سنة إحدى وأربعين، فلما توفي ابن ماكولا قَالَ القائم بأمر الله لأبي منصور بن يوسف: قد كان هذا الرجل- يعني ابن ماكولا- قاضيا حسنا نزها، ولكنه كان خاليا من العلم، ونريد قاضيا عالما دينا. فنظر ابن يوسف إلى عميد الملك [1] الكندري هو المستولي على الدولة، وهو الوزير، وهو شديد التعصب لأصحاب الإمام [2] أبي حنيفة، فأراد التقرب إليه، فاستدعى أبا عبد الله الدامغانيّ فولى قاضي القضاة يوم الثلاثاء تاسع ذي القعدة سنة سبع وأربعين، وخلع عليه، وقرئ عهده، وقصد خدمة السلطان 122/ أطغرلبك في يوم الأربعاء عاشر ذي القعدة، فأعطاه دست ثياب وبغلة، واستمرت ولايته ثلاثين سنة، ونظر نيابة عن الوزارة مرتين: مرة للقائم بأمر الله، ومرة للمقتدي.
وكان يوصف بالأكل الكثير، فروى الأمير باتكين بن عبد الله الزعيمي قَالَ:
حضرت طبق الوزير فخر الدولة ابن جهير، وكان يحضره الأكابر، فحضر قاضي القضاة محمد بن على، فأحببت أن أنظر إلى أكله، فوقفت بإزائه، فأبهرني كثرة أكله حتى جاوز الحد، وكان من عادة الوزير أن ينادم الحاضرين على الطبق، ويشاغلهم حتى يأكلوا، ولا يرفع يده إلا بعد الكل، فلما فرغ الناس من الأكل قدمت إليهم أصحن الحلوى، وقدم بين يدي قاضي القضاة صحن فيه قطائف بسكر [وكانت الأصحن] [3] كبارا، يسع الصحن منها أكثر من [4] ثلاثين رطلا، فقال له الوزير يداعبه: هذا برسمك.
فقال: هلا أعلمتموني. ثم أكله حتى أتى على آخره.
مرض أبو عبد الله الدامغاني يوم الأربعاء سابع عشر رجب، وكان الناس يدخلون فيعودونه إلى آخر يوم الأربعاء الرابع والعشرين من رجب، فحجب عن الناس الخميس والجمعة أو توفي ليلة السبت الرابع والعشرين من رجب. وقد ناهز الثمانين. فنزع الفقهاء طيالستهم يوم موته، وصلى عليه ابنه أبو الحسن، ودفن بداره بنهر القلائين، ثم نقل إلى مشهد أبي حنيفة.






مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید