المنشورات

خروج السلطان ملك شاه إلى ناحية الكوفة للصيد

وخرج السلطان ملك شاه في رابع المحرم إلى ناحية الكوفة للصيد فاصطاد هو وعسكره ألوفا حتى بني من حوافرها منارة كبيرة عند الرباط الذي أمر ببنائه بالسبيعي بقرب الرحبة في طريق مكة، وهي باقية إلى الآن، وتسمى: منارة القرون، وقيل إنه كان فيها أربعة آلاف رأس.
وخرج نظام الملك إلى المشهد بالكوفة والحائر فزارهما.
وفي يوم السبت سابع عشر المحرم: بعث المقتدي ظفر الخادم فاستدعى السلطان ملك شاه [1] ، فأنفذ إليه الطيار، فلما وصل السلطان إلى باب الغربة قدم إليه مركوب الخليفة بمركب جديد صيني وسرج من لبد أسود، فركبه ووصل إلى الخليفة فأمره بالجلوس فامتنع، فأمره ثانيا وأقسم عليه حتى جلس، وتقدم بإضافة الخلع عليه، ولم يزل نظام الملك يأتي بأمير أمير إلى تجاه السدة فيقول للأمير بالفارسية: هذا أمير المؤمنين، ثم يقول للخليفة: هذا العبد الخادم/ فلان بن فلان ولايته كذا، وعسكره 129/ ب كذا، وذلك الأمير يُقَبِّل الأرض، وكانوا أكثر من أربعين أميرًا، وكان في جملة الأمراء آيتكين خال السلطان، فلما حضر استقبل القبلة، وصلي بإزاء الخليفة ركعتين، واستلم الحيطان، ومسح بيده وجسمه، وعاد السلطان وعلية الخلع والتاج والطوقان، وكمشتكين الجامدار يرفع ذيله عن يمينه، وسعد الدولة يرفعه عن شماله، فمثل بين يدي السدة وقبَّل الأرض دفعات، فقلده سيفين فقال الوزير أبو شجاع: يا جلال الدولة، هذا سيدنا ومولانا أمير المؤمنين الذي اصطفاه الله بعز الإمامة، واسترعاه الأمة، فقد أوقع الوديعة عندك موقعها، وقلدك سيفين لتكون قويا علي أعداء الله. فسأل تقبيل يد الخليفة فلم يجبه، فسأل تقبيل خاتمه فأعطاه إياه فقبله ووضعه علي عينه، وحضر الناس بأجمعهم فشاهدوا الخليفة والسلطان، ثم انكفأ وحمل بين يديه ثلاثة ألوية، وثلاث أفراس في السفن، وأربعة علي الطريق، واستقبل من داره بالدبادب والرايات، ونثرت الدراهم والدنانير، وأنفذ إليه الخليفة سريرا مذهبا ومخادًا.
وفي يوم الاثنين ثاني عشر محرم: جاء نظام الملك إلى دار ابنة مؤيد الملك، فبات بها وجاء من الغد إلى المدرسة، ولم يكن رآها نهارا، وجلس بها وقرئ عليه فيها الحديث، وأملى أيضا الحديث، وبات بدار ولده، وعاد إلى الزاهر من الغد.
130/ أوأنفذ السلطان في ثامن عشر المحرم إلى الخليفة صندوقين/ فيهما مال وعمل للأمراء سماطا، ثم اجتاز السلطان في الحريم ولم يكن رآه، وخرج إلى الحلبة، ثم عاد بعد أيام فجاز فيه، فنثرت عليه الدراهم والدنانير وأثواب الديباج وغلق البلد لذلك، ثم عبر في هذا اليوم إلى الجانب الغربي، فدخل العطارين والقطيعتين، ومضي إلى الشونيزي والتوثة، ونزل دجلة.
قَالَ المصنف: وقرأت بخط ابن عقيل قَالَ: دخل نظام الملك بغداد أواخر سنة ثمانين، فلم يدرك رجلا يومئ إليه من أهل العلم.
وفي يوم الأحد خامس عشرين محرم: أمر الناس بتعليق وتزيين البلد لأجل زفاف خاتون بنت ملك شاه إلى المقتدي، وكان الزفاف في مستهل صفر، ونقل الجهاز على مائة وثلاثين جملا، وبين يديه البوقات والطبول والخدم في نحو ثلاثة آلاف فارس، ونثر عليه بغداد، ثم نقل بعد ذلك شيء آخر على أربعة وسبعين بغلا، وكان على ستة منها الخزانة وهي اثنا عشر صندوقا من فضة، وبين يديها ثلاثة وثلاثون فرسا، والخدم والأمراء بين يدي ذلك.
فلما كانت عشية الجمعة سلخ محرم ركب الوزير أبو شجاع إلى خاتون زوجة السلطان فقال: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها 4: 58 [1] وقد أذن في نقل الوديعة إلى الدار العزيزة. فقالت: السمع والطاعة للمراسم الشريفة [2] ، فجاء نظام الملك وأبو سعد المستوفي والأمراء وكل واحد معه الأمناء الكثيرة [3] ، ثم جاءت خاتون الخليفة من وراء ذلك كل في محفة مرصعة بالجوهر وقد أحاط عجفتها مائتا جارية من خواصها 130/ ب بالمراكب العجيبة، فوصلت إلى الخليفة فأهديت إليه تلك الليلة.
فلما كان يوم السبت مستهل صفر صبيحة البناء أحضر الخليفة عسكر السلطان على سماط استعمل فيه أربعون ألفا منّا سكرا، وخرج السلطان ليلة الزفاف إلى الصيد على عادة الملوك فغاب ثلاثة أيام.





مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید