المنشورات

محمد بن المظفر بن بكران الحموي الشامي:

ولد سنة أربعمائة، وحج في سنة سبع عشرة وأربعمائة، وتفقه ببلده بعد حجه، ثم قدم إلى بغداد فتفقه على أبي الطيب الطبري، وسمع من أبي القاسم بن بشران، وغيره، وشهد عند قاضى القضاة أبى عبد الله الدامغاني في ربيع الأول سنة اثنتين وخمسين [2] ، وزكاة القاضي أبو يعلى بن الفراء، وأبو الحسن [3] بن السمناني، وناب عنه في القضاء بربع المدينة. حدثنا عنه أشياخنا، وكان حسن الطريقة، خشن الأخلاق وفيه حدة، وكان ثقة عفيفا نزها لا يقبل من سلطان عطية ولا من صديق هدية، ولازم مسجدا بقطيعة [أم] [4] الربيع، يؤم أهله، ويدرس ويقرأ عليه الحديث زائدا على خمس وخمسين سنة، ولما مات أبو عبد الله الدامغاني أشار به الوزير أبو شجاع على المقتدي فقلده قضاء القضاة في رمضان سنة ثمان وسبعين، وخلع عليه، وقرئ عهده ولم يرتزق على القضاء شيئا، ولم يغير ملبسه ومأكله وأحواله قبل القضاء، وكان يتولى القضاء بنفسه، ولا يستنيب أحدا ولا يحابي مخلوقا، فلما أقام الحق نفرت عنه قلوب المبطلين، ولفقوا له معايب لم يلصق به منها شيء، وكان غاية تأثيرها أنه سخط عليه الخليفة، ومنع الشهود من إتيان مجلسه، وأشاع عزله فقال: لم يطر على فسق استحق به العزل. فبقي كذلك سنتين وشهورا، وأذن لأبي عبد الله محمد بن عبيد الله الدامغاني في سماع البينة، فنفذ من العسكر بأن الخبر قد وصل إلينا أن الديوان قد استغنى عن ابن بكران، ونحن بنا حاجة إليه، فيسرح إلينا، فوقع الامساك عنه، ثم صلح رأي الخليفة فيه، وأذن للشهود في العود إلى مجلسه، فاستقامت أموره، وحمل إليه يهودي جحد مسلما ثيابا ادعاها عليه، فأمر ببطحه وضربه فعوقب فأقر، فعاقبه الوزير أبو شجاع على ذلك، واغتنم أعداؤه الفرصة في ذلك، فصنف أبو بكر الشاشي كتابا في الرد عليه 14/ سماه: «الرد على من حكم بالفراسة [1] / وحققها بالضرب والعقوبة» وقد ذكر أن الذي فعله له وجه ومستند من كلام الشافعي.
قال المصنف: نقلت من خط أبي الوفاء بن عقيل قال: أخذ قوم يعيبون على الشامي ويقولون: كان يقضي بالفراسة ويواقعه، قال: فضرب كرديا حتى أقر بمال أخذه غصبا وكان ضربه بجريدة من نخلة داره، فقلت: أعرف دينه وأمانته، ما كان ذلك بالفراسة، لكن بأمارات، واذا تأملتم الشرع وجدتم أنه يجوز التعويل على مثلها، فإنه إذا رأى صاحب كلالجات ورعونة يقال إنه رجم سطحا لإجل طائر، فكسر جرة، وكان عنده خبر أنه يلعب بالطيور، فقال: بل هذا الشيخ رجم. وقد ذهب مالك إلى التوصل إلى الإقرار بما يراه الحاكم على ما حكاه بعض الفقهاء، وذلك يستند إلى قوله: «إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ من قُبُلٍ» 12: 26 [2] ومن حكمنا بعقد الأزج، وكثرة الخشب، ومعاقد القمط، وما يصلح للمرأة وما يصلح للرجل، والدباغ والعطار إذا تخاصما في جلد، وهل اللوث في القسامة إلى نحو هذا. 
وحمل يوما إلى دار السلطان ليحكم في حادثة، فشهد عنده المشطب بن محمد بن أسامة الفرغاني الإمام، وكان فقيها من فحول المناظرين، فرد شهادته [فقال:
ما أدري لأي علة رد شهادتي [1] ؟] فقال الشامي: قولوا له كنت أظن أنك عالم فاسق، والآن أنت جاهل فاسق، أما تعلم أنك تفسق باستعمال الذهب؟ وكان يلبس خاتم الذهب والحرير، وادعى عنده بعض الأتراك على رجل شيئا فقال: ألك بينة؟ قال:
نعم. قال: من؟ قال: فلان والمشطب. فقال: لا أقبل شهادته لانه يلبس الحرير. فقال التركي: السلطان ملك شاه ووزيره نظام الملك يلبسان الحرير! فقال الشامي: ولو شهدا عندي في باقة بقل ما قبلت شهادتهما.
توفي الشامي يوم الثلاثاء عاشر شعبان هذه السنة، ودفن بتربة له عند قبر أبي العباس بن سريج على باب قطيعة الفقهاء من الكرخ.





مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید