المنشورات

قتل السلطان بركيارق خلقا من الباطنية

وفي هذه السنة: قتل السلطان بركيارق خلقا من الباطنية ممن تحقق مذهبه، ومن اتهم به، فبلغت عدتهم ثمانمائة ونيفا [3] ، ووقع التتبع لأموال من قتل منهم، فوجد لأحدهم سبعون بيتا من الزوالي المحفور، وكتب بذلك كتاب إلى الخليفة، فتقدم بالقبض على قوم يظن فيهم ذلك المذهب، ولم يتجاسر أحد أن يشفع في أحد لئلا يظن ميله إلى ذلك المذهب، وزاد تتبع العوام لكل من أرادوا، وصار كل من في نفسه شيء من إنسان يرميه بهذا المذهب، فيقصد [وينهب] [1] حتى حسم هذا الأمر فانحسم، وأول ما عرف من أحوال الباطنية في أيام [ملك شاه] [2] جلال الدولة، فإنّهم اجتمعوا فصلوا صلاة العيد في ساوة، ففطن بهم الشحنة، فأخذهم وحبسهم، ثم أطلقهم، ثم اغتالوا مؤذنا من أهل ساوة، فاجتهدوا أن يدخل معهم فلم يفعل، فخافوا أن ينم عليهم فاغتالوه فقتلوه، فبلغ الخبر إلى نظام الملك، وتقدم بأخذ من يتهم بقتله فقتل المتهم، وكان نجارا، فكانت أول فتكة لهم قتل نظام الملك/ وكانوا يقولون: قتلتم منا نجارا، 27/ أوقتلنا به نظام الملك، فاستفحل أمرهم بأصبهان لما مات ملك شاه، فآل الأمر إلى أنهم كانوا يسرقون الإنسان فيقتلونه ويلقونه في البئر، فكان الإنسان إذا دنا وقت العصر ولم يعد إلى منزله يئسوا منه، وفتش الناس المواضع، فوجدوا امرأة في دار الأزج فوق حصير، فأزالوها فوجدوا تحت الحصير أربعين قتيلا، فقتلوا المرأة، وأخربوا الدار والمحلة، وكان يجلس رجل ضرير على باب الزقاق الّذي فيه الدار، فإذا مرّ به إنسان سأله أن يقوده خطوات إلى الزقاق، فإذا حصل هناك جذبه من في الدار، [واستولوا عليه] [3] ، فجد المسلمون [4] في طلبهم بأصبهان، وقتلوا منهم خلقا كثيرا، وأول قلعة تملكتها الباطنية قلعة في ناحية يقال لها: الروذناذ من نواحي الديلم، وكانت هذه القلعة لقماج صاحب ملك شاه، وكان مستحفظها متهما بمذهب القوم، فأخذ ألفا ومائتي دينار وسلم إليهم القلعة في سنة ثلاث وثمانين في أيام ملك شاة، فكان متقدمها الحسن بن الصباح- وأصله من مرو- وكان كاتبا للأمير عبد الرزاق بن بهرام، إذ كان صبيا، ثم سار إلى مصر [5] ، وتلقى من دعاتهم المذهب، وعاد داعية للقوم، ورأسا فيهم، وحصلت له هذه القلعة، وكانت سيرته في دعائه أنه لا يدعو إلا غبيا، لا يفرق بين شماله ويمينه، ومن لا يعرف أمور الدنيا، ويطعمه الجوز والعسل والشونيز، حتى يتسبط دماغه، ثم يذكر له حينئذ ما تم على [أهل] [1] بيت المصطفي من الظلم والعدوان، حتى يستقر/ 27/ ب ذلك في نفسه، ثم يقول له: إذا كانت الأزارقة والخوارج سمحوا بنفوسهم في القتال مع بني أمية، فما سبب تخلفك بنفسك في نصرة أمامك؟ فيتركه بهذه المقالة طعمة للسباع. وكان ملك شاة قد أنفذ إلى هذا ابن الصباح يدعوه إلى الطاعة، ويتهدده إن خالف، ويأمره بالكف عن بث أصحابه لقتل العلماء والأمراء [2] ، فقال في جواب الرسالة والرسول حاضر: الجواب ما ترى، ثم قال لجماعة وقوف بين يديه: أريد أن أنفذكم إلى مولاكم في قضاء حاجة، فمن ينهض لها؟ فاشرأب كل واحد منهم لذلك، وظن رسول السلطان أنها رسالة يحملها إياهم، فأومأ إلى شاب منهم، فقال له: أقتل نفسك. فجذب سكينه وضرب بها غلصمته [فخر ميتا] [3] ، وقال لآخر: ارم نفسك من القلعة. فألقى نفسه فتمزق، ثم التفت إلى رسول السلطان فقال: أخبره أن عندي [من هؤلاء] [4] عشرين ألفا هذا حد طاعتهم لي، وهذا هو الجواب. فعاد الرسول إلى السلطان ملك شاه، فأخبره بما رأى، فعجب من ذلك وترك كلامهم، وصار بأيديهم قلاع كثيرة، فمنها قلعة على خمسة فراسخ من أصبهان، كان حافظها تركيا، فصادقه نجار باطني، وأهدى له جارية وفرسا ومركبا، فوثق به، واستنابه في حفظ المفاتيح، فاستدعى النجار ثلاثين رجلا من أصحاب ابن عطاش، وعمل دعوة، ودعا التركي 28/ أوأصحابه، وسقاهم الخمر، فلما سكروا دفع الثلاثين بالحبال إليه، وسلم/ إليهم القلعة، فقتلوا جماعة من أصحاب التركي، وسلم التركي وحده فهرب، وصارت القلعة بحكم ابن عطاش، وتمكنوا وقطعوا الطرقات ما بين فارس وخوزستان، فوافق الأمير جاولي سقاوو [5] جماعة من أصحابه حتى أظهروا الشغب عليه، وانصرفوا عنه، وأتوا إلى الباطنية وأشاعوا الموافقة لهم، ثم أظهر أن الأمراء بني برسق يقصدونه [6] ، وأنه على ترك البلاد عليهم، والانصراف عنهم، فحادت طائفة [1] من أصحابه عنه، فلما سار بلغ الباطنية حده، فحسن له أصحابه المنحازون إليهم أتباعه، والاستيلاء على أمواله، فساروا إليه بثلاثمائة من صناديدهم، فلما توسطوا الشعب عاد عليهم ومن معه من أصحابه [2] ، فقتلوهم، فلم يفلت إلا ثلاثة نفر تسلقوا في الجبال، فغنم خيلهم وأموالهم، وتهذبت الطرق بهلاكهم، وتبعهم بعض الأمراء، وقتل خلقا منهم ابن كوخ الصوفي، وكان قد أقام ببغداد بدرب زاخي في الرباط مدة، وكان يحج في كل سنة بثلاثمائة من الصوفية، وينفق عليهم الألوف من الدنانير، وقتل جماعة من القضاة اتهموا بهذا المذهب، وكان قد حصل بعسكر بركيارق جماعة، واستغووا خلقا من الأتراك، فوافقوهم في المذهب، فاستشعر أصحاب السلطان ولازموا لبس السلاح، ثم تتبعوا من يتهم، فقتلوا أكثر من مائة، وثم بلد يعرف بالصمير- هو سواد يقارب المشان- يعتقد أهله في ابن الشيباش [2] وأهل بيته، وكان له نارنجيات انكشفت لبعض أتابعه، ففارقه وبين للناس أمره، فكان مما أخبر به عنه أنه قال: أحضرنا يوما جديا مشويا ونحن جماعة من أصحابه، فلما أكلناه أمر برد عظامه إلى التنور فردت، وترك على التنور طبقا ثم رفعه بعد ساعة، فوجدنا جديا حيا يرعى حشيشا، ولم نر للنار أثرا، ولا للرماد خبرا، فتلطفت حتى عرفت هذه النارنجية، وذاك أنى وجدت ذلك التنور يفضى إلى سرداب، وبينهما طبق حديد يدور بلولب، فإذا أراد إزالة النار عنه فركه، فينزل إليه. ويترك مكانه طبقا آخر مثله. وستأتي أخبار ابن الشيباش فيما بعد [3] إن شاء الله تعالى.






مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید