المنشورات

خلافة المسترشد باللَّه

واسمه الفضل، ويكنى أبا منصور، ومولده ليلة الأربعاء [1] رابع ربيع الأول سنة 64/ أأربع وثمانين وأربعمائة، وقيل: خمس وثمانين، وقيل: ست وثمانين، وسمع الحديث من مؤدبه أبى البركات أحمد بن عبد الوهاب السيبي، ومن أبى القاسم على بن بيان وحدث، قرأ عليه أبو الفرج محمد بن عمر ابن الأهوازي وهو سائر في موكبه إلى الحلبة فسمع ذلك جماعة وقرئ عنهم [وروى] عنه وزيره على بن طراد وأبو على بن الملقب، وكان شجاعا بعيد الهمة، وكانت بيعته بكرة الخميس الرابع والعشرين من ربيع الآخر سنة اثنتي عشرة وخمسمائة، فبايعه إخوته وعمومته والفقهاء والقضاة وأرباب الدوله، وكان قاضى القضاة أبو الحسن على بن محمد الدامغاني هو المتولى لأخذ البيعة، لأنه كان ينوب في الوزارة.
قال المصنف: ونقلته من خط أبى الوفاء بن عقيل، قال: لما ولى المسترشد باللَّه تلقاني ثلاثة من المستخدمين يقول كل واحد منهم، قد طلبك أمير المؤمنين، فلما صرت بالحضرة قال لي قاضي القضاة وهو قائم بين يديه: طلبك [1] مولانا أمير المؤمنين ثلاث مرات، فقلت: ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس، ثم مددت يدى فبسط لي يده الشريفة فصافحت بعد السلام وبايعت، فقلت: أبايع سيدنا ومولانا أمير المؤمنين المسترشد باللَّه على كتاب الله وسنة رسوله وسنة الخلفاء الراشدين ما أطاق واستطاع، وعلى الطاعة منى، وقبلت يدى وتركتها على عيني زيادة على ما فعلت في بيعة 64/ ب المستظهر تعظيما له/ وحده من بين سائر الخلفاء فيما نشأ عليه من الخير والخصال المحمودة [2] ، وتميزه بطريقة جده القادر، فبعثوا إلى مبرة عشرة دنانير، وكان رسمي في البيعة خمسين دينارا.
وبرز تابوت المستظهر يوم بيعة المسترشد بين الصلاتين فصلى عليه المسترشد، وكبر أربع تكبيرات، وجلس قاضي القضاة للعزاء بباب الفردوس ثلاثة أيام، ونزل الأمير أبو الحسن بن المستظهر عند تشاغلهم بالمستظهر من التاج في الليل وأخذ معه رجلا هاشميا من الحماة الذين يبيتون تحت التاج، فمضى إلى الحلة إلى دبيس صدقة فبقي عنده مدة فأكرمه، وأفرد له دار الذهب على أن يدخل عليه [3] كل يوم مرة ويقبل الأرض ويستعرض حوائجه، وبعث المسترشد نقيب النقباء أبا القاسم على بن طراد ليأخذ البيعة على دبيس، ويستعيد أخاه، فأعطى [دبيس] [4] البيعة، وقال: هذا عندي ضيف ولا يمكنني إكراهه على الخروج، فدخل النقيب على الأمير أبي الحسن وأدى رسالة الخليفة إليه ومعها خط الخليفة بالأمان على ما يجب وخاتمه ليعود فلم يجب فرجع ووزر أبو شجاع [1] محمد بن أبي منصور بن [أبي] [2] شجاع، وكان عمره عشرين سنة صانعه لأبيه لأنه كان وزيرا للسلطان محمود، واستنيب له أبو القاسم على بن طراد، فكتب إلى الوزير أبو محمد الحريري صاحب المقامات:
هنيئا لك الفخر فافخر هنيا ... كما قد رزقت مكانا عليا
رقيت كآبائك [3] الأكرمين ... لدست الوزارة كفؤا رضيا
تقلدت أعباءها يافعا ... كما أوتي الحكم يحيى صبيا
/ وفي جمادي الآخرة: قبض على صاحب المخزن أبي طاهر ابن الخرزي، 65/ أوعلى ابن كمونة، وابن غيلان القاضي، وجماعة، وأرجف بأن هؤلاء كتبوا إلى الأمير أبي الحسن [يأمرونه] [4] بأن لا يطيع.
وتوفي ولد المسترشد الأكبر فدفن في الدار مع المستظهر، ثم توفي ولد له آخر [بالجدري] [5] فبكى عليه المسترشد حتى أغمي عليه.
وطولب ابن حمويه بمال فباع في يوم ثلاثة آلاف قطعة ثياب غير الأثاث والقماش، وأخرج ابن بكري من الحبس وقرر عليه ثلاثة آلاف دينار وخمسمائة، وتقدم ببيع أملاكه ليوفي، وأضيفت دار سيف الدولة إلى الجامع، وكتب دبيس ابن مزيد فتوى في رجل اشترى دارا فغصبها منه رجل [6] وجعلها مسجدا، هل يصح له ذلك أم يجب إعادتها إلى مكانها [7] ؟ فكتب قاضي القضاة وجماعة من الفقهاء: يجب ردها إلى مالكها وينقض وقفها، فرفع ذلك إلى المسترشد وطالب بداره التي أضيفت إلى الجامع، فأظهر بها كتابا مثبتا في ديوان الحكم أنه اشتراها أبوه من وكيل المستظهر بخمسة عشر ألف دينار وانفق عليها ثمانية عشر ألف دينار.
وفي رجب: خلع المسترشد على دبيس جبه وفرجيه وعمامه وطوقا وفرسا ومركبا وسيفا ومنطقة ولواء، وحمل الخلع نقيب النقباء وابن السيبي ونجاح، وكان يوما مشهودا.
وفي رابع ذي القعدة: خلع المسترشد على نظر، ولقبه أمير الحرمين، وأعطى حقيبتين ولوائين وسبعة أحمال كوسات، وسار للحج.
65/ ب وفي ذي الحجة/ صرف أبو جعفر ابن الدامغاني عن حجبة الباب، وجلس أبو غالب ابن المعوج ثم خرج أبو الفرج بن طلحة [1] ، فجلس بباب النوبي وجلس ابن المعوج نائبه.






مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید