المنشورات

محمد بن الفضل بن محمد، أبو الفتوح/ الأسفراييني ويعرف بابن 15/ ب المعتمد

ولد سنة اربع وسبعين بأسفرايين، دخل بغداد فأقام بها مدة يتكلم بمذهب الأشعري ويبالغ في التعصب، وكانت الفتن قائمة في أيامه واللعنات في الأسواق، وكان بينه وبين الغزنوي معارضات حسد، فكان كل منهم يذكر الآخر على المنبر بالقبيح، فلما قتل المسترشد [وولي الراشد ثم] [1] خرج من بغداد [خرج] [2] أبو الفتوح مع الراشد إلى الموصل، فلما توفي الراشد سئل في حقه المقتفي فأذن له في العود إلى بغداد، فدخل وتكلم، واتفق أن جاء الحسن بن أبي بكر النيسابوري إلى بغداد فوعظ وذم الأشعرية وساعده الخدم ووجد الغزنوي فرصة فكلم السلطان مسعودا في حق أبي الفتوح، فأمر بإخراجه من البلد، وبلغني أن السلطان قال للحسن النيسابوري: تقلد دم أبي الفتوح حتى أقتله، فقال: لا أتقلد، فوكل بأبي الفتوح يوم الجمعة ويوم السبت وأخرج يوم الأحد ووقف له عند السور خمسة عشر تركيا، وجاء منهم واحد أو اثنان إليه، فقال: تقوم للمناظرة فخرج غير متأهب ولا مزود لسفر، وذلك في شعبان فلما خرج من رباطه تبعه خلق كثير فلما وصلوا إلى السور ضربوا الأتراك فرجعوا، وكان قد سلم إلى قيماز الحرامي فتبعه جماعة ليحمل إلى همذان ثم سلم إلى عباس فبعثه إلى أسفراين واشترط عليه متى خرج من بلده أهلك، فأخذ بلجام فرسه وسير به ناحية النهروان وحده وخرج أهله وأولاده فمضوا إلى رباط حموه، وهو أبو القاسم شيخ، فخرج هو وأبو منصور ابن البزار ويوسف الدمشقي وأبو النجيب إلى السلطان يسألون فيه، فلم يلتفت إليهم، ونودي في البلد لا يذكر أحد مذهبا ولا يثير فتنة، فانخزلت الأشاعرة وحمل أبو 16/ أالفتوح إلى ناحية خراسان، فلما وصل إلى نيسابور [3] توفي بها في ذي الحجة من هذه السنة فدفن هناك.
ووصل الخبر بموته فقعدوا في رباطه للعزاء به، فحضر الغزنوي عزاءه وقد كان يذكر كل واحد الآخر على المنبر بالقبائح، فكلمه قوم من العامة بكلام فظيع وهو ساكت، وقالوا: إنما حضرت شماتة به وهو ساكت، فقام رجل فقيه فأنشد:
خلا لك يا عدو الجو فاصفر ... ونجس في صعودك كل عود
كذاك الثعلبان يجول كبرا ... ولكن عند فقدان الأسود
فبكى الغزنوي. وقال [لي] [1] علي بن المبارك لما عاد الغزنوي إلى رباطه قلت له: أنت كنت تذكر هذا الرجل بما لا يحسن، وكنت مهاجرًا له [2] ، فكيف حضرت عزاه وأظهرت الحزن عليه حتى قال الناس ما قالوا؟ فقال: أنا إنما بكيت على نفسي، كان يقال فلان وفلان، فعدم النظير مقرب للرحيل، وأنشدني:
ذهب المبرد وانقضت أيامه ... وسينقضي بعد المبرد ثعلب
بيت من الآداب أصبح نصفه ... خربا وباقي النصف منه سيخرب
فتزودوا من ثعلب فبمثل ما ... شرب المبرد عن قليل يشرب
أوصيكم أن تكتبوا أنفاسه ... إن كانت الأنفاس مما يكتب




مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید