المنشورات

صدقة بن الحسين بن الحسن أبو الفرج الحداد

ولد سنة سبع وتسعين [4] واربعمائة وكان في صباه قد حفظ القرآن وسمع شيئا من الفقه وكان له فهم فناظر وأفتى إلا أنه كان يظهر من فلتات لسانه ما يدل على سوء عقيدته وكان لا ينضبط فكان من يجالسه يعثر منه على ذلك وكان يخبط الاعتقاد تارة يرمز إلى انكار بعث [5] الأجسام ويميل إلى مذهب الفلاسفة وتارة يعترض على القضاء والقدر.
قال المصنف رحمه الله [6] : دخلت عليه يوما وعليه حرير فقال لي ينبغي أن يكون هذا على جمل لا علي أنا. وقال لي يوما أنا لا أخاصم إلا من فوق الفلك، وقال لي القاضي أبو يعلى ابن الفراء مذ كتب صدقة كتاب الشفاء لابن سينا تغير.
وحدثني أبو الحسن علي بن عساكر المقرئ قال دخلت عليه فقال والله ما أدري من أين جاءوا بنا ولا من أي مضيق يريدون ان يحملونا.
وحدثني عنه الظهير ابن الحنفي الفقيه قال دخلت عليه وهو مضيق قال إني لأفرح بتعثيري، قلت لم؟ قال لأن الصانع يقصدني. وكان طول عمره ينسخ باجرة 117/ أفاتفق في آخر عمره أن تفقده/ بعض الأكابر فحكى لي عنه أنه كان يقول أنا كنت أنسخ طول عمري لا أقدر على دجاجة فانظر كيف بعث لي الدجاج والحلوى في وقت لا اقدر أن آكله. وهذا من جنس اعتراضات ابن الريوندي [1] وكنت أنا أتأمل عليه إذا قام إلى الصلاة فأكون في أوقات إلى جانبه فلا أرى شفتيه تتحرك أصلا. وكتب إلي في قصيدة أنشأها، بخطه:
وا حيرتا من وجود ما تقدمنا ... فيه اختيار ولا علم فتقتبس
ونحن في ظلمات ما لها قمر ... يضيء فيها ولا شمس ولا قبس
مدلفين [2] حيارى قد تكنفنا ... جهل تجهمنا في وجهه عبس
والفعل [3] فيه بلا ريب كلا عمل ... والقول فيه كلام كله هوس
وله في أخرى يذم الدنيا:
لا توطنها فليست بمقام ... واجتنبها فهي دار الانتقام
أتراها صنعة من صانع ... أم تراها رمية من غير رامي
117/ ب فلما كثر عثوري على هذا منه وعجز تأويلي له هجرته/ سنين ولم أصل عليه حين مات.
وحكي عنه أبو يعلى المقرئ قال كنا عنده فسمع صوت الرعد فقال فوق خباط وأسفل خباط.
قال أبو يعلى: وقال أبياتا أخذتها منه بخطه وهي:
نظرت بعين القلب ما صنع الدهر ... فألقيه غرا وليس له خبر
فنحن سدى فيه بغير سياسة ... نروح ونغدو قد تكنفنا الشر
فلا من يحل الزيج وهو منجم ... ولا من عليه الوحي ينزل والذكر
يحل لنا ما نحن فيه فنهتدي ... وهل يهتدي قوم أضلهم السكر

عمى في عمى في ظلمة فوق ظلمة ... تراكمها من دونه يعجز الصبر
وكان مع هذا الاعتقاد يعرف منه فواحش وأغرى بالطلب من الناس لا عن حاجة فخلف ثلاثمائة دينار.
ومات يوم السبت ثالث عشر ربيع الآخر وصلى عليه في رحبة الجامع ودفن بمقبرة باب حرب.
وكتب إلى أبو بكر الدلال وكان من أهل السنة الجياد قال رأيت في ما يرى النائم كأني في سوق وكأن صدقة بن الحسين الحداد عريان وحوله جماعة فتبعته فصعد درجة/ فصعدت خلفه فقلت يا شيخ صدقة ما فعل الله بك؟ فقال لي ما غفر لي، فقلت له 118/ أكذا؟ قال نعم وأعاد القول مرة أخرى وغير عبارته قال قلت له اغفر لي قال ما أغفر لك ونزل من الدرجة فقلت أين تسكن؟ فقال في بيت في خان فانتبهت فلقيت رجلا كان صديق صدقة فحدثته بما رأيت فقال لي إني رأيت في المنام امرأة أعرف أنها ميتة فقلت لها رأيت صدقة؟ قالت نعم رأيته وسألته ما فعل الله بك؟ قال قد وكل بي كل ملك في السماء وقد ضايقوني حتى قد حنقوني فقلت أين تكون؟ قال مسجون.





مصادر و المراجع :

١- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك

المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید