المنشورات

(خَليفَة الْخضر)

يُقَال للرجل إِذا كَانَ جوالا فى الْأَسْفَار جَوَابا للأفاق فلَان خَليفَة الْخضر كَمَا قَالَ أَبُو تَمام فى نَفسه
(خَليفَة الْخضر من يأوى إِلَى وَطن ... فى بَلْدَة فظهور العيس أوطانى) ثمَّ قَالَ
(بِالشَّام قومى وبغداد الْهوى وَأَنا ... بالرقتين وبالفسطاط إخوانى) 
(وَمَا أَظن النَّوَى ترْضى بِمَا صنعت ... حَتَّى تُسَافِر بى اقصى خُرَاسَان)
قَالَ القاضى ابو الْحسن على بن عبد الْعَزِيز أما الْخضر فَالنَّاس فى امْرَهْ فريقان مُنكر ومكذب ومقر ومصدق ومعظم أهل الشَّرَائِع والنبوات يثبت عينه وَإِن اخْتلف فى نَعته وَإِنَّمَا يُنكره خَواص من متكلمى الْإِسْلَام ومتخصصى الْملَل فَأَما عوام ملتنا والسواد الْأَعْظَم من أهل الكتابيين وَالْمَجُوس فهم على افْتِرَاق الْمذَاهب بهم فى اسْمه وَصفته وفى زَمَانه ومدته مطبقون على إِثْبَات عبد لله صَالح حى على الدَّهْر مَمْدُود لَهُ فى الْأَجَل جوال فى الأَرْض مغيب الشَّخْص عَن الْأَبْصَار وَرُبمَا تجَاوز جهال هَذِه الْأُمَم إِلَى تثبيت أُمُور هى أبعد من الْعُقُول وأذهب فى طَرِيق الاستحالة كاستتاره عَن الْعُيُون وَهُوَ حَاضر وقصورها عَنهُ وَهُوَ شَاهد وقطعه الْأَمْكِنَة الْبَعِيدَة فى الْأَزْمِنَة الْيَسِيرَة وتصوره عِنْد ذكر كل من ذكره ومثوله بِحَضْرَة كل من دَعَا باسمه وَإِن اخْتلفت بهم الْأَمَاكِن وَتَبَاعَدَتْ بَينهم الْمسَافَة حَتَّى إِنَّه ليَكُون فى أقْصَى الْمشرق وَعند مُنْتَهى الْعِمَارَة وفى مُنْقَطع الترب ومسقط الشَّمْس من آخر الْمغرب فى وَقت وَاحِد وَرُبمَا طوى مَا بَينهمَا فى قدر رَجَعَ الْبَصَر وزمان امتداد الطّرف إِلَى أكاذيب شنيعة وحماقات عَجِيبَة وَرب سَفِيه ماجن وخليع مارد قد استغوى ضعفه قوم فأعد لَهُم أثرا فى صَخْرَة أَو موطىء قدم على صفحة أَرض فَادّعى أَن رجلا حسن الْهَيْئَة والشارة جميل الرواء والسحنة عطر الثَّوْب وَالْبزَّة قد ظهر فى مَوضِع كَذَا أَو على جبل كَذَا ثمَّ أَرَاهُم ذَلِك الْأَثر فَلم يشك الْقَوْم أَن الْخضر ظهر لَهُ وَأَن نعْمَة من الله أهديت إِلَيْهِ وكرامه من كراماته أفيضت عَلَيْهِ فاتخذوا ذَلِك الماجن إِمَامًا وَتلك الْبقْعَة مشهدا ومثابا
وَأكْثر الروَاة وَالْعُلَمَاء على أَنه صَاحب مُوسَى الذى قَالَ لَهُ مُوسَى {هَل}أتبعك على أَن تعلمن مِمَّا علمت رشدا)
وَقَالَ بَعضهم إِنَّمَا كَانَ السَّبَب فِي امتداد عمره وَتَأَخر يَوْمه وَالْعلَّة فى خلوده واتصال حَيَاته أَنه كَانَ على مقدمه ذى القرنين ثمَّ اقتحم الظُّلُمَات وطالبا فِيهَا عين الْحَيَاة الَّتِى من جرع من مَائِهَا جرعة عَاشَ مخلدا وَلم يذقْ الْمَوْت أبدا
قَالُوا فَبَيْنَمَا هم بَين أطباق الظُّلُمَات وفى جو لَا تتخلله الْأَنْوَار إِذْ هجم الْخضر على تِلْكَ الْعين فَشرب مِنْهَا حَتَّى اكْتفى وَلحق ذُو القرنين الْعين وَقد غارت فَلم يجد لَهَا أثرا فانكفأ رَاجعا وَغَابَ عَنهُ الْخضر سائحا وَالله أعلم





مصادر و المراجع :

١- ثمار القلوب في المضاف والمنسوب

المؤلف: عبد الملك بن محمد بن إسماعيل أبو منصور الثعالبي (المتوفى: 429هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید