المنشورات

(إِبْلِيس الأباليس)

قَالَ جرير من قصيدته الَّتِى فِيهَا
(وَابْن اللَّبُون إِذا مالز فى قرن ... لم يَسْتَطِيع صولة البزل القناعيس)
(إنى ليلقى على الشّعْر مكتهل ... من الشَّيَاطِين إِبْلِيس الأباليس)
وَكَانَت الشُّعَرَاء تزْعم أَن الشَّيَاطِين تلقى على أفواهها الشّعْر وتلقنها إِيَّاه وتعينها عَلَيْهِ وتدعى أَن لكل فَحل مِنْهُم شَيْطَانا يَقُول الشّعْر على لِسَانه فَمن كَانَ شَيْطَانه أَمْرَد كَانَ شعره أَجود
وَبلغ من تحقيقهم وتصديقهم بِهَذَا الشَّأْن أَن ذكرُوا لَهُم أَسمَاء فَقَالُوا إِن اسْم شَيْطَان الْأَعْشَى مسحل وَاسم شَيْطَان الفرزدق عَمْرو وَاسم شَيْطَان بشار شنقناق وفى مسحل يَقُول الْأَعْشَى
(وَمَا كنت ذَا قَول وَلَكِن حسبتنى ... إِذا مسحل يبرى لى القَوْل أنطق)
(خليلان فِيمَا بَيْننَا من مَوَدَّة ... شريكان جنى وإنس موفق) وَقَالَ يذكرهُ
(حبانى أخى الجنى نفسى فداؤه ... بأفيح جياش العشيات مرجم) وَقَالَ أَيْضا فِيهِ
(دَعَوْت خليلى مسحلا ودعوا لَهُ ... جهنام جدعا للهجين المذمم) وَقَالَ حسان بن ثَابت
(إِذا مَا ترعرع منا الْغُلَام ... فَلَيْسَ يُقَال لَهُ من هوه)
(إِذا لم يسد قبل شدّ الْإِزَار ... فَذَلِك فِينَا الذى لاهوه)
(ولى صَاحب من بنى الشيصبان ... فحينا أَقُول وحينا هوه)
شيصبان وشنقناق رئيسان عظيمان من الْجِنّ بزعمهم وَلما ادّعى بشار أَن شنقناق يرغب فى مصاحبته ومعاونته قَالَ
(دعانى شنقناق إِلَى خلف بكرَة ... فَقلت اتركانى فالتفرد أَحْمد)
يَقُول أَحْمد لى فى الشّعْر أَلا يكون عَلَيْهِ معِين فَقَالَ أعشى بنى سليم رد عَلَيْهِ
(إِذا ألف الجنى قردا مشنفا ... فَقل لخنازير الجزيرة أبشرى)
فجزع بشار لذَلِك كجزعه من قَول حَمَّاد عجرد فِيهِ
(وَيَا أقبح من قرد ... إِذا مَا عمى القرد)
لِأَنَّهُ كَانَ يعلم مَعَ تغزله أَن وَجهه وَجه قرد وفى زعمهم أَن مَعَ كل شَاعِر شَيْطَانا يَقُول أعشى بنى سليم
(وَمَا كَانَ جنى الفرزدق قدوة ... وَمَا كَانَ فِيهَا مثل فَحل المخبل)
(وَمَا فى الخوافى مثل عَمْرو وَشَيْخه ... وَلَا بعد عَمْرو شَاعِر مثل مسحل)
وَقَالَ الفرزدق وَهُوَ يمدح أَسد بن عبد الله القسرى
(ليبلغن أَبَا الأشبال مدحتنا ... من كَانَ بالغور أَو مروى خُرَاسَان)
(كَأَنَّهَا الذَّهَب الإبريز حبرها ... لِسَان أشعر خلق الله شَيْطَانا)
وَقَالَ أَبُو النَّجْم
(إنى وكل شَاعِر من الْبشر ... شَيْطَانه أُنْثَى وشيطانى ذكر)
(فَمَا يرانى شَاعِر إِلَّا استتر ... فعل نُجُوم اللَّيْل عاين الْقَمَر)
وَقَالَ آخر
(إنى وَإِن كنت صَغِير السن ... وَكَانَ فى الْعين نبو عَنى)
(فَإِن شيطانى أَمِير الْجِنّ ... يذهب بى فى الشّعْر كل فن)
وَقَالَ ابْن ميادة
(وَلما أتانى مَا تَقول محَارب ... تغنت شياطينى وجن جنونها)
وَقَالَ مَنْظُور بن رَوَاحَة
(فَلَمَّا أتانى مَا يَقُول ترقصت ... شياطين رأسى وانتشين من الْخمر)
وَقَالَ الزفيان العوافى
(أَنا العوافى فَمن عادانى ... أذقته بَوَادِر الهوان)
(حَتَّى ترَاهُ مطرق الشَّيْطَان ... علمنى الشّعْر معلمان)
يعْنى معلما من الْإِنْس ومعلما من الْجِنّ
وَقَالَ أَبُو السمط لعلى بن الجهم
(إِن ابْن جهم فى المغيب يعيبنى ... وَيَقُول لى حسنا إِذا لاقانى)
(وَيكون حِين أغيب عَنهُ شَاعِرًا ... ويضل عَنهُ الشّعْر حِين يرانى)
(وَإِذا الْتَقَيْنَا ذاد شعرى شعره ... ونزا على شَيْطَانه شيطانى)
(إِن ابْن جهم لَيْسَ يرحم أمه ... لَو كَانَ يرحمها لما عادانى)
وَكَانَ الفرزدق يَقُول شَيْطَان جرير هُوَ شيطانى إِلَّا أَنه من فمى أَخبث
وَقيل لجَعْفَر بن يحيى لَو قلت الشّعْر فَقَالَ شَيْطَانه أَخبث من أَن أسلطه على عقلى





مصادر و المراجع :

١- ثمار القلوب في المضاف والمنسوب

المؤلف: عبد الملك بن محمد بن إسماعيل أبو منصور الثعالبي (المتوفى: 429هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید