المنشورات

(إيلاف قُرَيْش)

كَانَت قُرَيْش لَا تتاجر إِلَّا مَعَ من ورد عَلَيْهَا مَكَّة فِي المواسم وبذى الْمجَاز وسوق عكاظ وفى الْأَشْهر الْحرم لَا تَبْرَح دارها وَلَا تجَاوز حرمهَا للتحمس فِي دينهم وَالْحب لحرمهم والإلف لبيتهم ولقيامهم لجَمِيع من دخل مَكَّة بِمَا يصلحهم وَكَانُوا بواد غير ذى زرع كَمَا حكى الله تَعَالَى عَن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام حِين قَالَ {رَبنَا إِنِّي أسكنت من ذريتي بواد غير ذِي زرع عِنْد بَيْتك الْمحرم} فَكَانَ أول من خرج إِلَى الشَّام ووفد إِلَى الْمُلُوك وَأبْعد فِي السّفر وَمر بالأعداء وَأخذ مِنْهُم الإيلاف الذى ذكره الله هَاشم بن عبد منَاف وَكَانَت لَهُ رحلتان رحْلَة فِي الشتَاء نَحْو العباهلة من مُلُوك الْيمن وَنَحْو اليكسوم من مُلُوك الْحَبَشَة ورحلة فِي الصَّيف نَحْو الشَّام وبلاد الرّوم وَكَانَ يَأْخُذ الإيلاف من رُؤَسَاء الْقَبَائِل وسادات العشائر لخصلتين إِحْدَاهمَا أَن ذؤبان الْعَرَب وصعاليك الْأَعْرَاب وَأَصْحَاب الغارات وطلاب الطوائل كَانُوا لَا يُؤمنُونَ على أهل الْحرم وَلَا غَيرهم والخصلة الْأُخْرَى أَن أُنَاسًا من الْعَرَب كَانُوا لَا يرَوْنَ للحرم حُرْمَة وَلَا للشهر الْحَرَام قدرا كبنى طَيء وخثعم وقضاعة وَسَائِر الْعَرَب يحجون الْبَيْت ويدينون بِالْحُرْمَةِ لَهُ وَمعنى الإيلاف إِنَّمَا هُوَ شَيْء كَانَ يَجعله هَاشم لرؤساء الْقَبَائِل من الرِّبْح وَيحمل لَهُم مَتَاعا مَعَ مَتَاعه ويسوق إِلَيْهِم إبِلا مَعَ إبِله ليكفيهم مئونة الْأَسْفَار ويكفى قُريْشًا مئونة الْأَعْدَاء فَكَانَ ذَلِك صلاحا لِلْفَرِيقَيْنِ إِذْ كَانَ الْمُقِيم رابحا وَالْمُسَافر مَحْفُوظًا فأخصبت قُرَيْش وأتاها خير الشَّام واليمن والحبشة وَحسنت حَالهَا وطاب عيشها وَلما مَاتَ هَاشم قَامَ بذلك الْمطلب فَلَمَّا مَاتَ الْمطلب قَامَ بذلك عبد شمس فَلَمَّا مَاتَ عبد شمس قَامَ بِهِ نَوْفَل وَكَانَ أَصْغَرهم وَقَول الله تَعَالَى {أطْعمهُم من جوع وآمنهم من خوف} يعْنى الضّيق الذى كَانَ فِيهِ أهل مَكَّة قبل أَن يَأْخُذ هَاشم لَهُم الإيلاف وَالْخَوْف الذى كَانُوا عَلَيْهِ مِمَّن يمر بهم من الْقَبَائِل والأعداء وهم مقتربون وَمَعَهُمْ الْأَمْوَال وَهُوَ قَوْله عز ذكره {تخافون أَن يتخطفكم النَّاس} يعْنى فِي تِلْكَ الْأَسْفَار وَلم يرد ذَلِك وهم مقيمون فِي حرمهم وأمنهم لِأَن الله تَعَالَى يَقُول {وَإِذ جعلنَا الْبَيْت مثابة للنَّاس وَأمنا} مَعَ قَوْله {وَمن دخله كَانَ آمنا} وَقَوله {أَنا جعلنَا حرما آمنا وَيُتَخَطَّف النَّاس من حَولهمْ} وَقد عَم مطرود الخزاعى بنى عبد منَاف بِذكر الإيلاف لِأَن جَمِيعهم قد فعل ذَلِك فَقَالَ
(يَا أَيهَا الرجل المحول رَحْله ... هلا حللت بآل عبد منَاف)
(الآخذين الْعَهْد فِي إيلافهم ... والراحلين برحلة الإيلاف)
وَفِي اخْتِصَاص قُرَيْش بالإيلاف دون غَيرهم من الْعَرَب قَالَ الشَّاعِر وَهُوَ يرد على بنى أَسد مَا يَدعُونَهُ من قرَابَة قُرَيْش
(زعمتم أَن إخوتكم قُرَيْش ... لَهُم إلْف وَلَيْسَ لكم إلاف)
(أُولَئِكَ أومنوا خوفًا وجوعا ... وَقد جاعت بَنو أَسد وخافوا)




مصادر و المراجع :

١- ثمار القلوب في المضاف والمنسوب

المؤلف: عبد الملك بن محمد بن إسماعيل أبو منصور الثعالبي (المتوفى: 429هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید