المنشورات

(لواط يحيى بن أَكْثَم)

 أَصله من مرو فاتصل بالمأمون ايام مقَامه بهَا فاختص بِهِ وَاسْتولى على قلبه وَصَحبه إِلَى بَغْدَاد وَمحله مِنْهُ مَحل الْأَقَارِب أَو أقرب
وَكَانَ مُتَقَدما فى الْفِقْه وآداب الْقُضَاة حسن الْعشْرَة عذب اللِّسَان وافر الْحَظ من الْجد والهزل ولاه الْمَأْمُون قاضى الْقُضَاة وَأمر بألا يحجب عَنهُ لَيْلًا وَلَا نَهَارا وأفضى إِلَيْهِ بأسراره وشاوره فى مهماته وَكَانَ يحيى ألوط من ثفر وَمن قوم لوط وَكَانَ إِذا رأى غُلَاما يُفْسِدهُ وَقعت عَلَيْهِ الرعدة وسال لعابه وبرق بَصَره
وَكَانَ لَا يستخدم فى دَاره إِلَّا المرد الملاح وَيَقُول قد اكرم الله تَعَالَى أهل جنته بِأَن أطاف عَلَيْهِم الغلمان فى حَال رِضَاهُ عَنْهُم لفضلهم على الجوارى فَمَا بالى لَا أطلب هَذِه الزلفى والكرامة فى دَار الدُّنْيَا مَعَهم
وَيُقَال إِنَّه هُوَ الذى زين لِلْمَأْمُونِ اللواط وحبب إِلَيْهِ الْولدَان وغرس فى قلبه محاسنهم وفضائلهم وخصائصهم وَقَالَ إِنَّهُم بِاللَّيْلِ عرائس وبالنهار فوارس وهم للْفراش والهراش وللسفر والحضر فصدر الْمَأْمُون عَن رَأْيه وَجرى فى طَرِيقه واقتدى بِهِ المعتصم حَتَّى اشْتهر بهم وَملك ثَمَانِيَة آلَاف مِنْهُم وَمَا كَانَ بَنو الْعَبَّاس يحومون حَولهمْ اللَّهُمَّ إِلَّا مَا كَانَ يُؤثر عَن مُحَمَّد الْأمين من اسْتِخْدَام الخصيان والعبث بهم دون فحول الْولدَان
ويحكى أَن الْمَأْمُون نظر يَوْمًا إِلَى يحيى فى مَجْلِسه وَهُوَ يحد النّظر إِلَى ابْن أَخِيه الواثق وَهُوَ إِذْ ذَاك أَمْرَد تَأْكُله الْعين فَتَبَسَّمَ إِلَيْهِ وَقَالَ يَا أَبَا مُحَمَّد حوالينا وَلَا علينا فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن الْكَلْب لَا يَأْكُل النَّار
وخلا بِهِ الْمَأْمُون لَيْلَة على المطايبة والمداعبة والمجاراة فى ميدان الغلمان ومترف غُلَام الْمَأْمُون يتسمع عَلَيْهِمَا وَهُوَ الذى حكى هَذِه الْقِصَّة عَنهُ قَالَ قَالَ لَهُ الْمَأْمُون يَا أَبَا مُحَمَّد أخبرنى عَن أظرف غُلَام مر بك قَالَ نعم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ احتكم إِلَى غُلَام فى نِهَايَة الملاحة والظرف واللباقة فَأَخَذته عينى وتعلقه قلبى فَلم أفضل الحكم بَينه وَبَين خَصمه إيثارا منى للقائه ومعاودته إياى فى حكومته فَدخل إِلَى على حِين غَفلَة وَمثله لَا يحجب عَنى فَلَمَّا وصل إِلَى قَالَ أَيهَا القاضى أعنى على خصمى فَقلت لَهُ وَمن يعيننى على عَيْنَيْك يَا بنى قَالَ شفتى وَأَدْنَاهَا منى فَلَمَّا شممت الْخمر من فِيهِ وفيته حدا من الْقبل وَقلت لَهُ يَا بنى مَا بَال شفتيك متشققتين فَقَالَ أحلى مَا يكون التِّين إِذا تشقق ثمَّ قلت لَهُ ويدى فى ثِيَابه يَا بنى مَا أنحفك فَقَالَ كلما دق قصب السكر كَانَ أحلى فَضَحِك الْمَأْمُون وَوَقع لَهُ بمائتى دِينَار وَقَالَ أوصلها إِلَيْهِ وَلَو على أَجْنِحَة الطير وَكَانَ إِذْ ذَاك قد التحى وَكَانَ يحيي يعرف منزله فامتثل أمره وأوصلها لَهُ
وَمِمَّا قيل فى يحيى
(وَكُنَّا نرجى أَن نرى الْعدْل ظَاهرا ... فأعقبنا بعد الرَّجَاء قنوط) 
(مَتى تصلح الدُّنْيَا وَيصْلح أَهلهَا ... وقاضى قُضَاة الْمُسلمين يلوط)
وَفِيه أَيْضا
(انطقنى الدَّهْر بعد إخراسى ... بحادثات أطلن وسواسى)
(قَاض يرى الْحَد فى الزناء وَلَا ... يرى على من يلوط من باس)
(أميرنا يرتشى وحاكمنا ... يلوط وَالرَّأْس شَرّ مَا راس)
(مَا إِن أرى الجؤر ينقضى وعَلى ... الْأمة وَال من آل عَبَّاس)
وَفِيه قيل
(وَكنت ألوم الشَّيْخ فِيك وَلَا أرى ... دم الشَّيْخ إِن رام الْحَرَام محرما)
(فَلَمَّا رَأَيْت الْحسن ألْقى رِدَاءَهُ ... عَلَيْك عذرت الشَّيْخ يحيى بن أكثما)
ولفرط لواطه نسب إِلَى الأبنة فَقيل فِيهِ
(حربه يحيى لين رَأسهَا ... إِن وَقعت فى اللَّحْم لم تخدش)
(يحشو بهَا الممرد إِذا مَا خلا ... وَهُوَ كَمَا يحشوهم يحتشى)
(ينحط من فَوق إِلَى أَسْفَل ... مثل انحطاط الطَّائِر المرعش)
ويحكى أَنه دخل يَوْمًا على الْعَبَّاس بن الْمَأْمُون وَهُوَ يلْعَب بالشطرنج وينشد
(يَا لَيْت يحيى لم يلده أكثمه ... وَلم تطَأ أَرض الْعرَاق قدمه)
(أى دَوَاة لم يلقها قلمه ... )
فَقَالَ يحيى دواتك أَيهَا الْأَمِير
وسَمعه إِسْمَاعِيل بن حَمَّاد بن أَبى حنيفَة يَوْمًا يغض من جده فَقَالَ لَهُ مَا هَذَا جزاءه مِنْك قَالَ حِين فعل مَاذَا حِين أَبَاحَ الْمُسكر وَدَرَأَ الْحَد عَن اللوطى



مصادر و المراجع :

١- ثمار القلوب في المضاف والمنسوب

المؤلف: عبد الملك بن محمد بن إسماعيل أبو منصور الثعالبي (المتوفى: 429هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید