المنشورات

(حسن الْأمين)

كَانَ يُقَال لكل من مُحَمَّد الْأمين وأخيه أَبى عِيسَى يُوسُف الزَّمَان لفرط جمالهما وَيُقَال إِن جمال ولد الْخلَافَة انْتهى إِلَيْهِمَا فَمَا رأى النَّاس مثلهمَا قطّ أَلا المعتز بعدهمَا وفى أَحدهمَا يَقُول أَبُو نواس
(أَصبَحت ضبا وَلَا أَقُول بِمن ... أَخَاف من لَا يخَاف من أحد)
(إِذا تفكرت فى هواى لَهُ ... مسست رأسى هَل طَار عَن جسدى)
ويحكى أَن الْأَمِير نظر إِلَى أَبى نواس فى بعض ليالى منادمته إِيَّاه وَهُوَ ينظر إِلَيْهِ نظرة علق فَقَالَ لَهُ يَا حسن هَل تشتهينى فَقَالَ معَاذ الله وَمن يحدث نَفسه بِمثل ذَلِك فَقَالَ أَقْسَمت عَلَيْك بحياتى إِلَّا أخبرتنى فَقَالَ يَا سَيِّدي إِن الْأَمْوَات يشتهونك فَكيف الْأَحْيَاء فَأمر بقتْله فَلَمَّا جىء بالنطع وَالسيف أنْشد أَبُو نواس يَقُول
(أميرى غير مَنْسُوب ... إِلَى شَيْء من الحيف)
(سقانى مثل مَا يشرب ... فعل الضَّيْف بالضيف)
(فَلَمَّا دارت الكاس ... دَعَا بالنطع وَالسيف)
(كَذَا من يشرب الراح ... مَعَ التنين فى الصَّيف)
فَأمر بإعفائه وَوَصله وَيُقَال إِن صَاحب هَذِه الْقِصَّة هُوَ أَبُو عِيسَى ابْن الرشيد
ويروى أَن رجلا حدق النّظر إِلَى الْأمين فهم بِهِ بعض الخدم فَقَالَ بعض الْحَاضِرين لَا تلمه على النّظر إِلَى زِينَة الله تَعَالَى فى عباده
وَكَانَ الرشيد يَقُول لِلْمَأْمُونِ يَا عبد الله أحب المحاسن كلهَا لَك حَتَّى لَو أمكننى أَن أجعَل وَجه أَبى عِيسَى لَك لفَعَلت
وَقَالَ يَوْمًا لأبى عِيسَى وَهُوَ صبي لَيْت جمالك لعبد الله يعْنى الْمَأْمُون فَقَالَ على أَن حَظه مِنْك لى فَعجب من قُوَّة جَوَابه على صباه وضمه إِلَيْهِ وَقَبله
وقرأت رِسَالَة لأبى إِسْحَاق الصابى لَا أذكرها وَقد ضرب الْمثل فِيهَا بِحسن وَجه الْأمين وغناء إِبْرَاهِيم بن المهدى وبلاغة جَعْفَر بن يحيى وَحفظ الأصمعى وَطيب عشرَة ابْن حمدون وَشعر البحترى
وَقَالَ أَبُو الْحسن الموسوى من قصيدة يمدح بهَا الطائع لله 
(وَإِذا أَمِير الْمُؤمنِينَ أضَاف لى ... أمْلى نزلت على الْجواد الْمفضل)
(رأى الرشيد وهيبة الْمَنْصُور فى ... حسن الْأمين ونعمة المتَوَكل)
وَقَالَ أَبُو عبد الله المغلسى من قصيدة
(رَاحَة تخجل السَّحَاب وَوجه ... يتلالا إشراقة كالصباح)
(مَا جمال الْأمين مَا كرم المهدى ... مَا أريحيه السفاح)
وَمثل هَذَا التَّمْثِيل قَول الرشيد فى الْمَأْمُون وَالله إنى لأعرف فى عبد الله حزم الْمَنْصُور ونسك المهدى وَعزة نفس الهادى وَلَو شِئْت أَن أشبهه فى الرَّابِعَة بنفسى لفَعَلت وَالله إنى لأرضى سيرته وَأحمد طَرِيقَته وأستحسن سياسته وَأرى قوته وذهنه وآمن ضعفه ووهنه وَلَوْلَا أم جَعْفَر وميل بنى هَاشم إِلَى مُحَمَّد لقدمت عبد الله عَلَيْهِ
وَكَانَ المكتفى أَيْضا مَوْصُوفا بالجمال وَبِه ضرب الْمثل عبد الله بن المعتز
(وَالله مَا كَلمته وَلَو أَنه ... كَالشَّمْسِ أَو كالبدر أَو كالمكتفى)
(قايست بَين جماله وفعاله ... فَإِذا الملاحة بالخيانة لَا تفى)





مصادر و المراجع :

١- ثمار القلوب في المضاف والمنسوب

المؤلف: عبد الملك بن محمد بن إسماعيل أبو منصور الثعالبي (المتوفى: 429هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید