المنشورات

(خلَافَة ابْن المعتز)

تضرب مثلا فِيمَا لَا تطول مدَّته ويسرع انقضاؤه لِأَنَّهُ ولى الْخلَافَة يَوْمًا وَبَعض يَوْم وأدركته حِرْفَة الْأَدَب فَلم يلبث أمره أَن انحل فى الْيَوْم الثانى وَقد كَانَ بَايعه أَكثر النَّاس وَذَلِكَ لعشر بَقينَ من شهر ربيع الأول سنة سِتّ وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ ولقب بالمنتصر بِاللَّه فَكَانَ أول مَا تكلم بِهِ قد حَان للحق أَن يَتَّضِح وللباطل أَن يفتضح
وَجَرت عَلَيْهِ اتفاقات سوء مِنْهَا أَن مؤنسا الْحَاجِب فى دَار المقتدر كَانَ بَايع ابْن المعتز على أَن يكون حَاجِبه وواطأه على أَن ينفذ إِلَيْهِ أَمر المقتدر وصافيا الحرمى فَبَلغهُ أَن يمنا غُلَام المكتفى يذهب ويجىء قُدَّام ابْن المعتز كالحاجب لَهُ وَكَانَ عدوا لَهُ يناوئه فَرجع عَن رَأْيه وعزمه فى أَمر ابْن المعتز وَأخذ فى إحكام أَمر المقتدر وأحضر غلْمَان الدَّار وَوَعدهمْ الزِّيَادَة فى أَرْزَاقهم فَلَمَّا أصبح ابْن المعتز وَأَرَادَ الرّكُوب إِلَى دَار الْخلَافَة قَالَ لَهُ وزيره محمدبن دَاوُد بن الْجراح نَنْتَظِر قَلِيلا إِلَى أَن ينفض الطَّرِيق من عَامَّة تعرضت فِيهِ فَقَالَ لَهُ ابْن المعتز أهم مَعنا أم علينا فَقَالَ لَيْسُوا مَعنا قَالَ ابْن المعتز
(لَيْسَ يومى بِوَاحِد من ظلوم ... )
يُرِيد أَن أهل بَغْدَاد كَانُوا مَعَ المستعين على ابْن المعتز وهم الْآن مَعَ المقتدر عَلَيْهِ ثمَّ جد فى الرّكُوب فَقدم أَمَامه الْجَيْش إِلَى الشَّارِع فَلَقِيَهُمْ غلْمَان المقتدر والحشم فَرَمَوْهُمْ ومنعوهم من النّفُوذ وانكب الْعَامَّة عَلَيْهِم بِالرَّجمِ فَلم يَجدوا مخلصا وَلَا مسلكا وَبعث المقتدر بشذوات وطيارات فِيهَا غلْمَان وَمَعَهُمْ خَاله غَرِيب فتصاعدوا فَلَمَّا قاربوا الدَّار الَّتِى فِيهَا ابْن المعتز وَمَعَهُمْ المطارد ضجوا وَكَبرُوا وَكَبرت الْعَامَّة حول الدَّار فَجعل النَّاس يَتَسَلَّلُونَ لِوَاذًا ويرمون أنفسهم فى السميريات وهرب ابْن المعتز وَكَانَ متلثما فَعرفهُ خَادِم لِابْنِ الْجَصَّاص الجوهرى وسعى بِهِ حَتَّى أَخذ وحدر فى طيار إِلَى بَاب الْخَاصَّة قَالَ الصولى فوقفت حَتَّى رَأَيْته من حَيْثُ لم يرنى وَقد أخرج من الطيارة حافيا وَعَلِيهِ غلالة قصب فَوْقهَا مبطنه بملحم خراسانى يضْرب إِلَى الصُّفْرَة قَلِيلا وعَلى رَأسه مجلسية فَلَمَّا صَار إِلَى مؤنس الْحَاجِب لطمه لطمة فانكب على وَجهه وَأدْخل الْحَبْس فَمَاتَ وَقيل بل أميت بعد أَيَّام وَلم يقدر أحد على رثائه سوى ابْن بسام فَإِنَّهُ قَالَ
(لله دَرك من ميت بمضيعة ... ناهيك فى الْعلم والآداب والحسب)
(مَا فِيهِ لَو وَلَا لَيْت فتنقصه ... وَإِنَّمَا أَدْرَكته حِرْفَة الْأَدَب)
وَقَالَ ابْن علاف النهروانى قصيدة فى رثاء هر ورى بهَا عَن ابْن المعتز فَقضى وطرا من حَيْثُ لم تلْزمهُ حجَّة أَولهَا
(يَا هر فارقتنا وَلم تعد ... وَكنت منا بمنزل الْوَلَد)
(فَكيف ننحل عَن هَوَاك وَقد ... كنت لنا عدَّة من الْعدَد)
وَمِنْهَا
(يَا من لذيذ الْفِرَاخ أوقعه ... وَيحك هلا قنعت بالغدد)
(أطعمك الغى لَحمهَا فَرَأى ... قَتلك أَرْبَابهَا من الرشد)
(ألم تخف وثبة الزَّمَان كَمَا ... وَثَبت فى البرج وثبة الْأسد)
(تدخل برج الْحمام متئدا ... وَتخرج الفرخ غير متئد)
(وتطرح الريش فى الطَّرِيق لَهُم ... وتبلع اللَّحْم بلع مزدرد)
(وَكَانَ قلبى عَلَيْك مرتعدا ... وَكنت تنساب غير مرتعد)
(عَاقِبَة الظُّلم لَا تنام وَإِن ... تَأَخَّرت مُدَّة من المدد)
(لَا بَارك الله فى الطَّعَام إِذا ... كَانَ هَلَاك النُّفُوس فى الْمعد)
(كم أَكلَة خامرت حشاشره ... فأخرحت روحه من الْجَسَد)
(مَا كَانَ أَغْنَاك عَن تسورك البرج ... وَلَو كَانَ جنَّة الْخلد) وَمِنْهَا
(ثمَّ شفوا بالحديد أنفسهم ... مِنْك وَلم يربعوا على أحد)
(كَأَنَّهُمْ يذبحون طاغية ... كَانُوا لطاغوتها من العَبْد)
(لم يرحموا صَوْتك الضَّعِيف كَمَا ... لم تَرث مِنْهَا لصوتها الغرد)
(أذاقك الْمَوْت من أذاق كَمَا ... أذقت أطياره يدا بيد)
(كَأَن حبلا حوى بجودته ... جيدك للذبح كَانَ من مسد)
(كَأَن عينى تراك مضطربا ... فِيهِ وفى فِيك رغوة الزّبد)
(وَقد طلبت الْخَلَاص مِنْهُ فَلم ... تقدر على حِيلَة وَلم تَجِد)
(فَاذْهَبْ من الْبَيْت خير مفتقد ... واذهب من البرج شَرّ مفتقد) وَمِنْهَا
(حَتَّى اعتقدت الْأَذَى لجيرتنا ... وَلم تكن للأذى بمعتقد)
(وحمت حول الردى بظلمهم ... وَمن يحم حول وضه يرد) وَمِنْهَا
(إِن الزَّمَان استقاد مِنْك وَمن ... يسلم لغير الزَّمَان يستقد)
(فَإِن رماك الردى بحادثة ... فَمَا على الحادثات من قَود) وَمِنْهَا
(من لم يمت يَوْمه عَن غده ... أَو لم يمت فى غَد فَبعد غَد)





مصادر و المراجع :

١- ثمار القلوب في المضاف والمنسوب

المؤلف: عبد الملك بن محمد بن إسماعيل أبو منصور الثعالبي (المتوفى: 429هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید