المنشورات

(خطّ ابْن مقلة)

يضْرب مثلا فى الْحسن لِأَنَّهُ أحسن خطوط الدُّنْيَا وَمَا رأى الراءون بل مَا روى الراوون مثله فى ارتفاعه عَن الْوَصْف وجريه مجْرى السحر
وَقَالَ الصاحب أَبُو الْقَاسِم إِسْمَاعِيل بن عباد
(خطّ الْوَزير ابْن مقله ... بُسْتَان قلب ومقله)
وَقَالَ مؤلف الْكتاب
(خطّ ابْن مقلة من أرعاه مقلته ... ودت جوارحه لَو حولت مقلا)
(فالدر يصفر لاستحسانه حسدا ... والبدر يحمر من أنواره خجلا)
وَقَالَ أَيْضا
(سقى الله عَيْشًا مضى وانقضى ... بِلَا رَجْعَة أرتجيها وَنَقله)
(كوجه الحبيب وقلب الأديب ... وَشعر الْوَلِيد بِخَط ابْن مقله)
وَكَانَ ابْن مقلة وَهُوَ أَبُو على مُحَمَّد بن على بن الْحُسَيْن بن مقلة كتب كتاب هدنة بَين الْمُسلمين وَالروم بِخَطِّهِ فَهُوَ إِلَى الْيَوْم عِنْد الرّوم فِي كَنِيسَة قسطنطينية يبرزونه فى الأعياد ويعلقونه فى أخص بيُوت الْعِبَادَات ويعجبون من فرط حسنه وَكَونه غَايَة فى فنه
وَمن خبر ابْن مقلة هَذَا أَنه استوزر لثَلَاثَة من الْخُلَفَاء المقتدر والقاهر والراضى وتنقلت بِهِ أَحْوَال ومحن أدَّت إِلَى قطع يَده وَمن نكد الدَّهْر أَن مثل تِلْكَ الْيَد النفيسة تقطع
قَالَ ثَابت بن سِنَان بن ثَابت بن قُرَّة أمرنى الراضى بِاللَّه بِالدُّخُولِ إِلَى ابْن مقلة آخر الْيَوْم الذى قطعت فِيهِ يَده فَدخلت إِلَيْهِ فعالجته وسألنى عَن خبر ابْنه أَبى الْحُسَيْن فعرفته خبر سَلَامَته فسكن إِلَى ذَلِك غَايَة السّكُون ثمَّ ناح على نَفسه وَبكى على يَده وَقَالَ يَد خدمت بهَا الْخلَافَة ثَلَاث دفعات وكتبت بهَا الْقُرْآن دفعتين تقطع كَمَا تقطع أيدى اللُّصُوص أَتَذكر وَأَنت تَقول لى إِنَّك فى آخر نكبه والفرج قريب قلت بلَى قَالَ فقد ترى مَا حلى بى فَقلت مَا بقى بعد هَذَا شىء الْآن ينبغى أَن تتَوَقَّع الْفرج فَإِنَّهُ عمل بك مَا لم يعْمل بنظير لَك وَهَذَا انْتِهَاء الْمَكْرُوه وَلَا يكون بعد الِانْتِهَاء إِلَّا الانحطاط فَقَالَ لَا تغفل إِن المحنة قد تشبثت بى تشبثا تنقلنى بِهِ من حَال إِلَى حَال حَتَّى تؤذينى إِلَى التّلف كَمَا تشبث حمى الدق بالأعضاء فَلَا تفارق صَاحبهَا حَتَّى تُؤَدِّيه ءالى الْمَوْت ثمَّ تمثل بِهَذَا الْبَيْت وَهُوَ لأبى يَعْقُوب الخريمى
(إِذا ماا مَاتَ بعضك فابك بَعْضًا ... فبعض الشى من بعض قريب)
فَكَانَ الْأَمر على مَا قَالَ فَلَمَّا قدم يحكم الماهانى من بَغْدَاد نقل ابْن مقلة من ذَلِك الْموضع إِلَى مَوضِع أغمض مِنْهُ فَلم يُوقف لَهُ على خبر وحجبت عَنهُ ثمَّ قطع لِسَانه وبقى فى الْحَبْس مُدَّة طَوِيلَة ثمَّ لحقه ذرب وَلم يكن لَهُ من يعالجه وَلَا من يَخْدمه حَتَّى بلغنى أَنه كَانَ يستقى المَاء بِيَدِهِ الْيُسْرَى وفمه ولحقه شقاء شَدِيد إِلَى أَن مَاتَ وَدفن فى دَار السُّلْطَان ثمَّ سَأَلَ أَهله بعد مُدَّة تَسْلِيمه إِلَيْهِم فنبش وَسلم إِلَيْهِم فدفنه ابْنه أَبُو الْحُسَيْن فى دَاره ثمَّ نبشته حرته الْمَعْرُوفَة بالدينارية ودفنته فى دارها بقصر أم حبيب
وَقَالُوا وَمن عجائبه أَنه كَانَ يراسل الراضى بِاللَّه من الْحَبْس بعد قطع يَده وَقبل أَن يقطع لِسَانه ويطمعه فى المَال الذى وعد تَصْحِيحه لَهُ وَيَقُول إِن قطع يَده لَيْسَ مِمَّا يمنعهُ أَن يستوزره لِأَنَّهُ يُمكنهُ ان يُوقع بحيلة يحتال بهَا أَو يعْمل بِيَدِهِ الْيُسْرَى وَلَقَد كَانَت تخرج من عِنْده لَهُ رقاع بعد قطع يَده إِلَى ابْنه أَبى الْحُسَيْن وَقبل أَن يضيق عَلَيْهِ وَيذكر ابْنه أَنَّهَا كَانَت بِخَط جيد من خطه وَأَنه كَانَ يكْتب بِيَدِهِ الْيُسْرَى ويسند الْقَلَم على ساعد يَده الْيُمْنَى فَيكْتب بِهِ وَمن عجائبه انه تقلد الوزارة ثَلَاث دفعات لثَلَاثَة من الْخُلَفَاء وسافر فى عمره ثَلَاث سفرات اثْنَتَيْنِ فى النفى إِلَى شيراز وَوَاحِدَة إِلَى الْموصل وَدفن بعد مَوته ثَلَاث مَرَّات




مصادر و المراجع :

١- ثمار القلوب في المضاف والمنسوب

المؤلف: عبد الملك بن محمد بن إسماعيل أبو منصور الثعالبي (المتوفى: 429هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید