المنشورات

(عرق الْخَال)

الْعَرَب تَقول عرق الْخَال لَا ينَام قَالَ الجاحظ زعم كثير من الْعلمَاء أَن عرق الْخَال أنزع من عرق الْعم قَالُوا وَالدَّلِيل على أَن نصيب الْأُمَّهَات فى الْأَوْلَاد أَكثر وَأَنَّهَا على الشّبَه أغلب أَن أَكثر مَا تَلد الْأُمَّهَات الْإِنَاث وَكَذَلِكَ النَّاس وَجَمِيع الْحَيَوَانَات فَإِذا أردْت أَن تعرف حق ذَلِك من باطله فأحص سكان عشر دور من يَمِينك وَعشر من شمالك وَعشر من خَلفك وَعشر من أمامك فَأنْظر أَيهَا أَكثر رِجَالهمْ أَو نِسَاؤُهُم وَاعْتبر ذَلِك فى الْإِبِل وَالْبَقر والشياه وَالْعرب تكره الْأَذْكَار لِأَن الهجمة يكفيها فَحل أَو فحلان والناقة تقوم مقَام الْجمل والجمل لَا يسقى اللَّبن وَإِذا احْتِيجَ مِنْهُ إِلَى لحم اَوْ سفر كَانَا سَوَاء وَكَذَلِكَ الحجور فى المروج وعانات الْحمير فى الفيافى لَيْسَ فى كل عانة إِلَّا فَحل وَاحِد وَكَذَلِكَ الدَّجَاج إِنَّمَا فِيهَا ديك وَاحِد وَالأُم وَالْخَال عِنْد الْعَرَب أنزع وَأَشد جذبا للْوَلَد لِأَن الْأُم وَالْأَب قد يستويان فى وُجُوه ثمَّ تفضل الْأُم الْأَب فى وُجُوه بعد ذَلِك لِأَن الْوَلَد لَيْسَ يخلق من مَاء الْأَب دون مَاء الْأُم قَالَ تَعَالَى {خلق من مَاء دافق يخرج من بَين الصلب والترائب} وَالْأَب إِنَّمَا يقذف مثل المخطة أَو البصقة ثمَّ يعتزل أَو يغيب أَو يَمُوت أَو يكون حَاضرا وَالأُم مِنْهَا الرَّحِم وَهُوَ القالب الذى ينطبع عَلَيْهِ الْوَلَد وتفرغ فِيهِ النُّطْفَة كَمَا يفرغ الرصاص الْمُذَاب فى القالب فَإِذا وَقع مَاء الرجل وَمَاء الْمَرْأَة فى القالب وفى قَرَار الرَّحِم فامتزجا تشعب خلق الْوَلَد على قدر تشعب الرَّحِم ثمَّ لَا يغتذى إِلَّا من دم الْأُم وَلَا يمتص إِلَّا من قواها وَلَا يجذب إِلَّا من الْأَجْزَاء الَّتِى فِيهَا لطائف الأغذية وَله ذَلِك مَا دَامَ فى جوفها فَإِذا ظهر غذته بلبنها وَلَا يشك الْأَطِبَّاء أَن اللَّبن دم اسْتَحَالَ عِنْد خُرُوجه فهى تغذوه بدمها مرَّتَيْنِ وتزيد فى خلقه من أَجْزَائِهَا دفعتين وَلذَلِك صَار حب النِّسَاء للأولاد أَشد من حب الرِّجَال
وَمن الدَّلِيل على غَلَبَة عرق الْخَال قَول عبيد الله بن قيس يهجو حبيب بن الْمُهلب بن أَبى صفرَة
(غلبت أمه عَلَيْهِ اباه ... فَهُوَ كالكابلى اشبه خَاله)
وَقَول الآخر
(وأدركه خالاته فخذلنه ... أَلا إِن عرق السوء لَا بُد مدرك)
وَأنْشد الأصمعى لبَعض الشُّعَرَاء
(سرى عرقه فى الْقَوْم حَتَّى أَصَابَهُم ... وللخال عرق لَا ينَام وَلَا يكد)
وَأنْشد أَبُو عُبَيْدَة لمكى بن سوَادَة
(وخالك أصهب السبلات علج ... وعرق الْخَال ينمى بعد دهر)
وَأنْشد أَبُو الْيَقظَان لرجل من كنَانَة وَذكر امْرَأَته وَولده
(تخيرتها للنسل وهى غَرِيبَة ... فَجَاءَت بِهِ كالبدر خرقا معمما)
(فَلَو شاتم الفتيان فى الحى ظَالِما ... لما وجدوا غير التكذب مشتما)
وَقَالَ الأبيرد وَهُوَ يهجو طلبه بن قيس بن عَاصِم
(قضى الله حَقًا يَابْنَ قيس بن عَاصِم ... وَكَانَ قَضَاء الله لَا يتبدل)
(بأنك يَا طلب بن قيس بن عَاصِم ... مُقيم بدار الذل لَا تترحل)
(أَبَت لَك اعراق وَأم لئيمة ... وخال قصير الباع وغد مفسكل)
قَالُوا ورأينا النَّاس يتباهون بأخوالهم قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد أَخذ بيد سعد بن أَبى وَقاص رضى الله عَنهُ (هَذَا خالى فليأت كل امْرِئ بخاله)
وَقَالَ عَمْرو بن الْأَهْتَم حِين سبّ الزبْرِقَان
(لئيم الْخَال ضيق العطن زمر الْمُرُوءَة حَدِيث الْغنى)
وافتخر امْرُؤ الْقَيْس بن حجر بخاله حَيْثُ قَالَ
(خالى ابْن كَبْشَة لَو علمت مَكَانَهُ ... وَأَبُو يزِيد ورهطه أعمامى)
وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (الْخَال وَالِد) \ ح \
وَالْعرب إِذا مدحت رجلا قَالَت ذَاك المعم المخول
وَقَالَ الله تَعَالَى {وَرفع أَبَوَيْهِ على الْعَرْش وخروا لَهُ سجدا} وَإِنَّمَا كَانَ أَبوهُ وخاله





مصادر و المراجع :

١- ثمار القلوب في المضاف والمنسوب

المؤلف: عبد الملك بن محمد بن إسماعيل أبو منصور الثعالبي (المتوفى: 429هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید