المنشورات

(حِكَايَة االقرد)

قَالَ الجاحظ وَقد عرفت شبه ظَاهر القرد بِظَاهِر الْإِنْسَان يرى ذَلِك فى طرفه وتغميض عينه وضحكه وحركته وحكايته وفى كَفه وأصابعه وفى رَفعهَا ووضعها وَكَيف يتَنَاوَل بهَا وَكَيف يُجهز اللُّقْمَة إِلَى فِيهِ وَكَيف يكسر الْجَوْز ويستخرج مَا فِيهِ وَكَيف يتقن كل مَا أَخذ بِهِ وأعيد عَلَيْهِ
وَقَالَ القاضى أَبُو الْحسن على بن عبد الْعَزِيز نَحن نجد القرد أَكثر شبها بالإنسان من سَائِر الْحَيَوَان وَلذَلِك سَمَّاهُ الْقَائِلُونَ بالتناسخ بالصورة المكشوفة وَيَزْعُم أهل الشَّرْع أَنهم لمَم يَجدوا فى ضروب الْحَيَوَان أشبه بالإنسان تركيبا وأعضاء وجوارح وَلم يرَوا أقرب مِنْهُ خلقَة وَصُورَة وَأدنى إِلَيْهِ شبها ومشاكلة من القرد وَإِن من تقدم جالينوس من الْأَطِبَّاء لم يفصلوا قطّ إنسيا وَلم يشرحوا آدَمِيًّا وَإِنَّمَا عرفُوا تِلْكَ الْأُمُور الغامضة والسرائر الكامنة بِمَا فصلوا من أجسام القرود وَبَعض من وجد من الْقَتْلَى على ندرة فى بعض معارك الْمُلُوك فَلم يهدهم من الِاخْتِلَاف إِلَّا على الْيَسِير الذى لَا يعْتد بِهِ
وَقَالَ غَيره لما أشبه القرد الْإِنْسَان أربى عَلَيْهِ فى الْحِكَايَة وَضرب بِهِ الممثل وَقيل أحكى من قرد وَقيل أولع من قرد وَلَو لوعة بحكاية من يرَاهُ
وقدأحسن ابْن الرومى فى قَوْله يهجو قوما
(ليتهم كَانُوا قرودا فحكوا ... شيم النَّاس كَمَا تحكى القرود)
والتفت يَوْمًا إِلَى أَبى الْحسن الْأَخْفَش وَهُوَ يختال فى مشيته فَأَنْشد يَقُول
(هَنِيئًا يَا أَبَا الْحسن هَنِيئًا ... بلغت من الْفَضَائِل كل غَايَة)
(شركت القرد فى قبح وسخف ... وَمَا قصرت عَنهُ فى الْحِكَايَة)





مصادر و المراجع :

١- ثمار القلوب في المضاف والمنسوب

المؤلف: عبد الملك بن محمد بن إسماعيل أبو منصور الثعالبي (المتوفى: 429هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید