المنشورات

(مَاء الْوَجْه)

الْعَرَب تستعير فى كَلَامهَا المَاء لكل مَا يحسن موقعه ومنظره ويعظم قدره وَمحله فَتَقول مَاء الْوَجْه وَمَاء الشَّبَاب وَمَاء السَّيْف وَمَاء الحيا وَمَاء النَّعيم كَمَا تستعير الاستقاء فى طلب خبر قَالَ عَلْقَمَة بن عَبدة
(وفى كل حى قد خبطت بِنِعْمَة ... فَحق لشأس من نداك ذنُوب)
وَقَالَ رؤبة
(يأيها الماتح دلوى دونكا ... إنى رَأَيْت النَّاس يحمدونكا)
وهما لم يستقيا مَاء وَإِنَّمَا طلب أَحدهمَا مَاء وَكَانَ الآخر أَسِيرًا وَكَذَلِكَ سموا السَّائِل والمجتدى مستميحا وَإِنَّمَا الميح جمع المَاء فى الدَّلْو وَغَايَة دُعَائِهِمْ للمرجو والمشكور أَن يَقُولُوا سقاك الله فَإِذا تَذكرُوا أَيَّامًا طابت لَهُم قَالُوا سقى الله تِلْكَ الْأَيَّام وَرُبمَا دعوا لديار المحبوب بالسقيا كَمَا قَالَ طرفَة
(فسقى دِيَارك غير مفسدها ... صوب الرّبيع وديمة تهمى)
فَأَما قَوْلهم مَاء الْوَجْه فَهُوَ عبارَة عَن الْحيَاء الذى هُوَ أفضل من المَاء وَقد أحسن أَبُو تَمام فى قَوْله لأبى سعيد الطائى
(رددت رونق وجهى فى صَحِيفَته ... رد الصقال بِمَاء الصارم الخذم)
(وَمَا أبالى وَخير القَوْل أصدقه ... حقنت لى مَاء وجهى أم حقنت دمى)
وَسَرَقَهُ اللحام فَقَالَ
(مَا إِن أرقت بحرصى قَطْرَة فجرت ... من مَاء وجهى إِلَّا خلت ذَاك دمى)
وَقَالَ أَبُو الطّيب
(وَلَقَد بَكَيْت على الشَّبَاب ولمتى ... مسودة ولماء وجهى رونق)
وَلَا مزِيد على حسن قَول ابْن المعتز
(لم ترد مَاء وَجهه الْعين إِلَّا ... شَرقَتْ قبل ريها برقيب)
ولأبى تَمام استعارات فى المَاء أحسن فى وصفهَا كَقَوْلِه فى وصف نسَاء تكالى
(خاضت محاسنها مخاوف غادرت ... مَاء الصِّبَا وَالْحسن غير زلال)
وَقَوله فى الأفشين
(قد كَانَ بوأه الْخَلِيفَة منزلا ... من قلبه حرما على الأقدار)
(فَسَقَاهُ مَاء الْخَفْض غير مصرد ... وأنامه فى الْأَمْن غير غرار)
وَقَوله وَهُوَ يرثى من قصيدة أَولهَا
(نعاء إِلَى كل حى نعاء ... فَتى الْعَرَب احتل ربع الفناء)
(أَلا أَيهَا الْمَوْت فجعتنا ... بِمَاء الْحَيَاة وَمَاء الْحيَاء)
وَقد أغار السرى الموصلى عَلَيْهِ فى هذَيْن الْبَيْتَيْنِ ونقلهما إِلَى الْمَدْح حَيْثُ قَالَ
(وكف ترقرق مَاء الْحَيَاة ... )
وَقَوله أعنى أَبَا تَمام
(وَكَيف وَلم يزل للشعر مَاء ... يرف عَلَيْهِ ريحَان الْقُلُوب)
وَقَوله
(مُحَمَّد بن حميد أخلقت رممه ... أريق مَاء المعالى مذ اريق دَمه)
فقد أحسن كَمَا ترَاهُ فى اسْتِعَارَة مَاء الصِّبَا وَمَاء الْحسن وَمَاء الْخَفْض وَمَاء الْحَيَاة وَمَاء الشّعْر وَمَاء المعالى وَأما فى اسْتِعَارَة مَاء الملام حَيْثُ قَالَ
(لَا تسقنى مَاء الملام فإننى ... صب قد استعذبت مَاء بكائى)
فَإِنَّمَا تحسن الِاسْتِعَارَة بِمَا يحسن فِيهِ التَّشْبِيه والتمثيل وَلم يحسن فى قَوْله وَلم يسىء إِذْ قَالَ
(تمنت أَن يعود لَهَا حبيب ... منى شططا وَأَيْنَ لَهَا حبيب)
ويستحسن قَول الصنوبرى فى مرثيته غُلَاما
(إِن يرق مَاء ذَلِك الْوَجْه فى الترب ... فإنى لماء عينى مريق)




مصادر و المراجع :

١- ثمار القلوب في المضاف والمنسوب

المؤلف: عبد الملك بن محمد بن إسماعيل أبو منصور الثعالبي (المتوفى: 429هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید