المنشورات

(غداء ابْن أَبى خَالِد)

 وَيُقَال لَهُ أَيْضا غداء دِينَار فَإِذا نسب إِلَى ابْن أَبى خَالِد فَهُوَ مثل لمن يَبِيع الشىء الخطير بِأَكْلِهِ وَإِذا أضيف إِلَى دِينَار فَهُوَ مثل لمن يطعم ويقرى لاجتلاب الْمَنْفَعَة وَدفع الْمضرَّة وقصته أَن أَحْمد بن أَبى خَالِد وَزِير الْمَأْمُون كَانَ من الشره والنهم والتهاب الْمعدة على كرم فِيهِ بِحَيْثُ يضْرب بِهِ الْمثل فَيُقَال آكل من ابْن أَبى خَالِد وَأَنَّهُمْ من ابْن أَبى خَالِد
ويحكى أَنه ولى كورة جليلة لرجل بخوان فالوذج أهْدى إِلَيْهِ وَكَانَ يَقُول إِذا عوتب على قبُول مَا يهدى إِلَيْهِ من الْمَأْكُول مَا أصنع بِطَعَام يهديه إِلَى صديق لى الله أعلم أَنى أستحيى من رده عَلَيْهِ
وَلما عرف الْمَأْمُون شرهه وقبوله كل مَا يهدى إِلَيْهِ وإجابته كل من يَدعُوهُ أجْرى عَلَيْهِ كل يَوْم ألف دِرْهَم نزلا فَلم يُفَارق مَعَ ذَلِك شرهه وَفِيه يَقُول الْقَائِل
(شكرنا الْخَلِيفَة إجراءه ... على ابْن أَبى خَالِد نزله)
(فَكف أَذَاهُ عَن الْمُسلمين ... وصير فى بَيته أكله)
(وَقد كَانَ فى النَّاس شغل بِهِ ... فَأصْبح فى بَيته شغله)
وَكَانَ الْمَأْمُون ولى دِينَار بن عبد الله الْجَبَل ثمَّ صرفه ووافى الْمَدَائِن فَأَقَامَ بهَا حولا لم يُؤذن لَهُ فى دُخُول الحضرة للموجدة عَلَيْهِ ثمَّ إِن أَحْمد بن أَبى خَالِد كلم الْمَأْمُون فى أمره حَتَّى رضى عَنهُ وَأذن لَهُ فى دُخُوله بَغْدَاد وَقَالَ يَوْمًا لِأَحْمَد صر إِلَى دِينَار وَقل لَهُ فعلت كَذَا وَكَذَا وَوَافَقَهُ على مَا بقى عَلَيْهِ من المَال فَلَمَّا مضى أَحْمد إِلَيْهِ قَالَ الْمَأْمُون لياسر الْخَادِم اتبعهُ واسمع مَا يجرى بَينهمَا وعرفنيه فَلَمَّا سبق خبر مجىء أَحْمد إِلَى دِينَار قَالَ لقهرمانه أعدد طَعَاما كثيرا طيبا لما كَانَ يعرفهُ من نهم أَحْمد وشرهه ووافى أَحْمد فَبَدَأَ بمناظرة دِينَار فى أَمر المَال فاعترف بسبعة آلَاف ألف دِرْهَم وَوَافَقَهُ على أَن يحمل مِنْهَا كل أُسْبُوع ألف ألف دِرْهَم ثمَّ قطع دِينَار الْكَلَام ودعا بِالطَّعَامِ وساله عَمَّا يجب أَن يبْدَأ بِهِ فَطلب فراريج فَقدمت فَأكل مِنْهَا عشْرين فروجة كسكرية بِمَاء الرُّمَّان ثمَّ قدم إِلَيْهِ الْحَار والبارد والحلو والحامض فَأكل مِنْهَا أكل من لم يَأْكُل شَيْئا تمّ غسل يَده وَقَالَ لدينار ينبغى أَن تَجِد فى أَمر المَال فَقَالَ الذى على سِتَّة آلَاف ألف دِرْهَم فَقَالَ يَاسر لِأَحْمَد إِنَّه قد اعْترف بسبعة آلَاف ألف دِرْهَم فَقَالَ مَا أحفظ مَا قَالَ وَلَكِن ليقل مَا عِنْده الْآن وَيُطَالب بِهِ فتقرر الْأَمر بَينهمَا على سِتَّة آلَاف ألف دِرْهَم
وَانْصَرف أَحْمد إِلَى الْمَأْمُون وَكَانَ قد تقدمه يَاسر فشرح لَهُ الْخَبَر فَلَمَّا دخل قَالَ قد تقرر الْأَمر بَيْننَا على خَمْسَة آلَاف ألف دِرْهَم فَقَالَ الْمَأْمُون وَهُوَ يضْحك قد ذهبت ألف ألف دِرْهَم بأكلة وَألف ألف أُخْرَى بِمَ ذهبت وألزمه سِتَّة آلَاف ألف دِرْهَم وَقَالَ مَا رَأَيْت غداء أذهب ألف ألف دِرْهَم إِلَّا غداء دِينَار وَمَا رَأَيْت أغْلى مِنْهُ





مصادر و المراجع :

١- ثمار القلوب في المضاف والمنسوب

المؤلف: عبد الملك بن محمد بن إسماعيل أبو منصور الثعالبي (المتوفى: 429هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید