المنشورات

(جهد الْبِلَاد)

اخْتلفت الآراء والأقاويل فِيهِ فيروى أَن الْأَحْنَف كَانَ يَقُول فِيهِ جهد الْبلَاء خَادِم يدمدم وَبَيت يكف وحطب يفرقع وخوان ينْتَظر بِهِ غَائِب
وأتى عبد الله بن مُعَاوِيَة بن جَعْفَر بن أَبى طَالب بِرَجُل قد اسْتحق الْقَتْل فأقيم ليضْرب عُنُقه ودعا بالسياف فَقَالَ رجل من جُلَسَائِهِ هَذَا وَالله جهد الْبلَاء فَقَالَ عبد الله لَا تقل هَذَا فوَاللَّه مَا هَذَا وَشرط حجام بمشرطة إِلَّا سَوَاء وَلَكِن جهد الْبلَاء فقر مدقع بعد خير موسع
ويروى أَن الْمَأْمُون قَالَ يَوْمًا لجلسائه مَا جهد الْبلَاء فَقَالَ عَمْرو بن مسْعدَة طول اللَّيْلَة الساهرة من خوف ذى البطشة القادرة فَقَالَ إِن هَذَا الْجهد لم يبلغ أَن يكون كل الْجهد فَقَالَ صَالح العباسي جهد الْبلَاء زَوَال النِّعْمَة وانتهاك الْحُرْمَة وَالْأَمر الْغُمَّة فَقَالَ الْمَأْمُون إِن الْأَمر الْغُمَّة لناهيك بِهِ فَقَالَ الْحجَّاج بن خَيْثَمَة بل جهد الْبلَاء على من غضب عَلَيْهِ أَمِير الْمُؤمنِينَ فَلَا يقبل لَهُ عذرا وَلَا يعده صفحا فالأرض لَا تقله وَالسَّمَاء لَا تظله فَقَالَ ثُمَامَة جهد الْبلَاء جرى حكم جَاهِل على عَالم فَقَالَ الْمَأْمُون ينبغى أَن يكون لحديثك قصَّة قَالَ نعم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ حبسنى الرشيد ووكل بى مَسْرُورا فمنعنى النعاس وَقرب النَّاس ثمَّ دخل على يَوْمًا وَهُوَ يقْرَأ {والمرسلات عرفا} وَيَقُول {ويل يَوْمئِذٍ للمكذبين} فَقلت إِن المكذبين هم الرُّسُل والمكذبين قَومهمْ فَقَالَ قد قيل لى إِنَّك قدرى ولكننى لم اصدق إِلَى الْآن فأى جهد يكون أجهد من هَذَا فَقَالَ الْمَأْمُون صدقت يَا بن معن
وَحكى الأصمعى عَن الْمُعْتَمِر بن سُلَيْمَان أَنه قَالَ لم يعالج جهد الْبلَاء من لم يعالج الْأَيْتَام
وَقَالَ الجاحظ لَيْسَ جهد الْبلَاء مد الْأَعْنَاق وانتظار وُقُوع السيوف لِأَن الْوَقْت قصير والحس مغمور وَلَكِن جهد الْبلَاء أَن تظهر الْخلَّة وتطول الْمدَّة وتعجز الْحِيلَة فَلَا تَجِد صديقا مؤنسا إِلَّا ابْن عَم شامتا وجارا حَاسِدًا ووليا قد تحول عدوا وَزَوْجَة مُخْتَلفَة وَجَارِيَة مضيعة وعبدا لَا يحترمك وَولدا ينهرك
وَقَالَ فى مَكَان آخر قد علمنَا أَن المخنوق يجد الترفيه وإرخاء الْوتر وَأَن صَاحب الْحصْر وَصَاحب الْأسر يجدان عِنْد التطلق وانفتاح الْمخْرج مَا يجده آكل الرطب وَكَذَلِكَ المصبور على ضرب الْعُنُق هُوَ الذى يُسمى جهد الْبلَاء فَإِنَّهُ إِذا سلم وَقد عاين بريق السَّيْف يجد لتِلْك السَّلامَة من اللَّذَّة مَالا يجد لشئ من الْفَوَاكِه والحلوى





مصادر و المراجع :

١- ثمار القلوب في المضاف والمنسوب

المؤلف: عبد الملك بن محمد بن إسماعيل أبو منصور الثعالبي (المتوفى: 429هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید