المنشورات

‏وظيفة الشعر

قال ورد زوورث عن الشاعر أنه انسان يخاطب بشرا
أو يتحدث معهم ‎٠‏ فالشعر نوع من الكلام سواء أكان مكتوبا
ا منطوقا ‎٠‏ ولا يجب" أن تجعلنا الفروق بين الكلام العادى
و ا لشعر تطمس التشابهات ‎١‏ لاساسية بينهما ‎٠‏

وليس كل الاهتمام الذي يوليه المتحدثون لحديثهم أو
كلامهم عمليا أو اعلاميا : فالكثير من الكلام المتبادل لا ينقل
اعلاما © بل يتعلق بذلك الشيء المراوغ الذي نسميه مشاعر
ومواقف ‎٠‏ فالمتكلم ا ينقل اعلامها خالصا فحسب بل موقفا
منه وشعورا ازاءه ‎٠‏ فالاعلام يصطبغ بالخبرة الخاصة كما
تتلون العبارة بانفعال المتكلم ‎٠‏

أما العبارات العلمية فتتطلب الدقة الكاملة ازاء مواد . معينة وتستخدم مصطلحات معرفة تعريفا خاصا ينتز عها
من تداعياتها والوانها الانفعالية ومتضمناتها من ناحية
الموقف والحكم ‎٠‏ ويتجه العلم نحو وضع الرياضة وصيغها ©
فالعالم ينفي عن اماء ارتباطات الشرب والعوم وركوب
القوارب والد والجزر ليقول يد ؟ ‎١1 ٠‏ وهو في حاجة الى
أكلمة مقطرة ايضا مثلما يحتاج الى عينة من الهاء المقطر ‎٠‏
‏فاللغة العلمية هى لغة نخصص فى حده الاقصى سعيا وراء
الدقة ‎٠‏ ولكن ما علاقة الحديث عن الدقة بالشعر ؟ أن
الشعر ايضا يمثل تخصصا لغويا مستهدفا نوعا خاصا من
الدقة بالفسبة الى الكلام العادي ‎٠‏ فما ينقله الكلام ليس
اعلاما فحسب ۔ بل مواقف ومشاعر وتفسيرات ولكنها
تفتقر الى الدقة ‎٠‏ أما الشعر فهو لغة متخصصة تسنهدف
الوضوح والدقة ازاء المواقف والمشاعر والتفسيرات ‎٠‏
‏فالشعر شكل من أشكال النخصص ف الكلام العادي ‎٠‏ وهو
لا يخنلف عن شواغل الحياة العادية اختلافا جوهريا ‎٠‏ وتمد
الدوافع الشعرية وطراتق الشعر جذورها عميقة في الخبرة
الانسانية ‎٠‏ فالشعر الخالص ليس شيتا قائما بذاته بل هو
تخصص نوعى لعادات التفكير والشعور الشاملة ‎٠‏ انه لا
ينقل نصائح وتوصيات طيبة فحسب فالنثر العادي ينقلها
بدقة أكبر من الشعر الرديء الذي ترد فيه ‎٠‏ ولا تكفي
الفكرة « الجيدة » لخلق القصيدة ۔ فما أكتر ما تتناقض
نلك « الرسائل » الني تحملها القصائد المختلفة ‎٠‏

ويذهب بعض الشعراء والنقاد الى أن الشعر لا علاقة
له بالافكار فهو لا يتعامل الا مع الانفعالات فحسب أو الى
أن الشعر تعبير عن لحظة من لحظات تحقيق الوجود » أي
أنه يحاول أن ينقل الى القارىء احساسا أو مشهدا مقعما
بالحيوية ‎٠‏ ولكن ما معنى آن الشعر يعبر عن الاحساسات ؟ فهل يعبر الشعر عن حزن الشاعر مثلا كما يعبر انفجار من
الدموع عن هذا الانفعال ؟ وهل ينقل الى القارىء انفعالا
بنفس الطريقة كما لو كان قد وقع له ما يوجب الحزن مثلا ؛
ان الشعر لا يمكن له من ناحية الكثافة الانفعالية أن
ينافضس الخبرة الواقعية بطبيعة الحال ‎٠‏ فالتحقيق الخالص
للحظة من الوجود الانفعالي لا يفسر الشعر لأن مذاق
التجربة وعبيرها أعمق كثافة من أي شعر يصفها ‎٠‏ فحينما
يصف الشاعر كأسا من الخمر يقدم عنقودا من تداعيات
توحي بنوع خاص من الحياة مرح خال من الهموم » مترع
بمتع الحواس في مواجهة حياة قاتمة } ولا يقدم تصويرا
لاحساس بنشوة الخمر ومذاقها ينافس كأسا من الخمر ‎٠‏

فالشاعر لا يقول لنا أنه ظامىء لجرعة من الخمر بل
يوحي بنوع من الحياة تتضمن قصيدته سماتها ‎٠‏ فمحاولة
الهرب من تصيد رنالة فكرية الى التعبير عن الانفعال
آو التحقيق الخالص للحظة من لحظات الوجود محاولة مخفقة ء
لأن التجربة في القصيدة بعيدة الاختلاف عن أي احساس أو
استجابة انفعالينة ‎٠‏ فالتجربة أو الخبرة في القصيدة تتضمن
تفسيرا يقدمه الشاعر ‎٠‏

وهناك راي هجين يضم ما سبق من تصورين زائفين
للشعر » وهو التعبير الجميل عن حقيقة عليا » وكأن الشعر
غطاء من السكر لقرص من الحقيقة المرة ‎٠‏ وغطاء السكر
هنا هو اللغة الايقاعية والاستعارات والمواقف الدرامية 2
التي تلعب دور الطعم في الشعر حتى يعرض القارىء نفسه
لتأثيرات القصيدة وما فيها من حقيقة عليا ‎٠‏ وهذا الرأي
نكرر القول العتيق بان هناك كلمات وايقاعات شعرية
بذلتها وآن القصيدة لفافة من ترانطات لفظية منغومة
وصور جميلة } لفافة تضم تشكيلة من متفرقات أو متنوعات كل منها ممتع في ذاته » مثل الوردة والقمر وحطام برج
عتيق وعذراء تقف ف شرفة ‎٠٠٠١‏ الخ ‎٠‏

ولكن ما أكثر ما نرى في الامتلسة الممتازة من الشعر
موادا ليست جميلة في الحياة المعتادة بل قد تكون بعيدة
عن الامناع أو التأثير الشعري » فالتأثير الشعري لا ينجم
عن المواد نفنها بل عن نوع الاستعمال الذي تأتي به في
القصيدة ص عن بنائها العضوي والعلاقات القائمة بين
هذه المواد ‎٠‏

وبالاضافة الى ذلك هناك التنظيم الدرامي لأي قصيدة
حتى أقصر القصائد الغنائية ‎٠‏ فأي قصيدة تفترض متكلما
قد يكون الشاعر أو شخصا آخر يضعها الشاعر على لسانه ‎٠‏
‏وتمثل القصيدة استجابة شخصية لموقف أو مشهد آو
فكرة ‎٠‏ ومن هذه الزاوية يمكننا اعتبار كل قصيدة دراما
صغيرة ‎٠‏ .

أى أن الشعر يعطينا معرفة بأنفسنا فى علاقاتنا
بعالم الخبرة والتجربة » حيث يؤخذ ذلك العالم في الاعتبار.
لا بطريقة احصائية بل بلفة الاهداف والقيم الانسانية ‎٠‏
‏واذا نظرنا الى التجربة بمصطلحات أو بلغة الغايات والقيم
الانسانية وجدناها خبرة درامية عينية تستتبع مسارا وفعلا
يتحقق وجهدا بشريا يتجسد عبر مسعى تعترضه العوائق
لكي بصل من خلال الصراع الى معنى ودلالة ‎٠‏

ولا تتركب تلك المعرفة بالتجربة الانسانية من قضايا
منطقية أو رسالات سامية أو أجزاء من مذاهب » بل نصل
اليها واذا أذعنتا لوقع القصيدة ككل واذا شاركنا في دراما
القصيدة واستوعبنا شكلها ‎٠‏
 

 

مصادر و المراجع :

١- موسوعة كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم

المؤلف: محمد بن علي ابن القاضي محمد حامد بن محمّد صابر الفاروقي الحنفي التهانوي (المتوفى: بعد 1158هـ)

٢- شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم

المؤلف: نشوان بن سعيد الحميرى اليمني (ت ٥٧٣هـ)

٣- لسان العرب

المؤلف: محمد بن مكرم بن على، أبو الفضل، جمال الدين ابن منظور الأنصاري الرويفعى الإفريقى (ت ٧١١هـ)

٤- تاج العروس من جواهر القاموس

المؤلف: محمّد مرتضى الحسيني الزَّبيدي

٥- كتاب العين

المؤلف: أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي البصري (ت ١٧٠هـ)

٦- معجم اللغة العربية المعاصرة

المؤلف: د أحمد مختار عبد الحميد عمر (ت ١٤٢٤ هـ) بمساعدة فريق عمل

٧- المعجم الوسيط

المؤلف: مجمع اللغة العربية بالقاهرة

(إبراهيم مصطفى / أحمد الزيات / حامد عبد القادر / محمد النجار)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید