المنشورات

«أبو الدرداء» رضي الله عنه ت 32 هـ

هو: أبو الدرداء عويمر بن زيد الأنصاري، الخزرجي.
ذكره «الذهبي» ت 748 هـ ضمن علماء الطبقة الأولى من حفاظ «القرآن» قال «سعيد بن عبد العزيز»: أسلم «أبو الدرداء» يوم «بدر» ثم شهد «أحدا» وأمره رسول الله صلى الله عليه وسلّم يومئذ أن يردّ من على الجبل، فردهم وحده.
وكان قد تأخر إسلامه قليلا اهـ (2).
وقال «أبو الدرداء» عن نفسه: أعدّ لي ماء في المغتسل فاغتسل، ولبس حلته، ثم ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلّم فنظر إليه «ابن رواحة» مقبلا، فقال: يا رسول الله هذا «أبو الدرداء» وما أراه إلا جاء في طلبنا؟ فقال صلى الله عليه وسلّم: إنما جاء ليسلم، إن ربّي وعدني بأبي الدرداء أن يسلم اهـ (3).
وقد جمع «أبو الدرداء» القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلّم. قال «أبو الدرداء»: كنت تاجرا قبل المبعث، فلما جاء الاسلام جمعت التجارة والعبادة،فلم يجتمعا، فتركت التجارة ولزمت العبادة اهـ (1). وكان «أبو الدرداء» رضي الله عنه مدرسة وحده، فقد روي أن الذين كانوا في حلقة إقرائه، أزيد من ألف رجل، ولكل عشرة منهم ملقن، وكان «أبو الدرداء» يطوف عليهم قائما، فإذا أحكم الرجل منهم، تحوّل إلى «أبي الدرداء» يعرض عليه.
وقد روى عن «أبي الدرداء» عدد كثير أذكر منهم: أنس بن مالك، وابن عباس، وأبا أمامة، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وغيرهم من خيرة الصحابة.
ومن التابعين: علقمة بن قيس، وقبيصة بن ذؤيب، وسعيد بن المسيب، وعطاء بن يسار، وأبو عبد الرحمن السلمي، وخالد بن معدان، وعبد الله بن عامر اليحصبي أحد القراء السبعة المشهورين، ولا زال المسلمون يتلقون قراءته حتى الآن.
وعن «محمد بن كعب» قال: لما كان زمن «عمر بن الخطاب» رضي الله عنه، كتب إليه «يزيد بن أبي سفيان» إن أهل الشام قد كثروا، واحتاجوا إلى من يعلمهم القرآن ويفقههم، فأعنّي برجال يعلمونهم، فدعا «عمر» كلا من:
معاذ بن جبل، وعبادة بن الصامت، وأبي الدرداء، وأبي بن كعب، وأبي أيوب الأنصاري».
وقال لهم: إن إخوانكم قد استعانوني من يعلمهم القرآن، ويفقههم في الدين، فأعينوني يرحمكم الله بثلاثة منكم. فخرج «عبادة بن الصامت» إلى «حمص» وخرج «أبو الدرداء» إلى «دمشق» وخرج «معاذ بن جبل» إلى «فلسطين» ولم يزل «أبو الدرداء» بدمشق حتى توفاه الله تعالى (2).
قال: «أنس» رضي الله عنه: مات النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يجمع القرآن غير أربعة: «أبو الدرداء، ومعاذ، وزيد بن ثابت، وأبو زيد» اهـ (1).
قال «أبو عمرو الداني» ت 444 هـ: عرض على «أبي الدرداء» القرآن: خليد ابن سعيد، وراشد بن سعد، وخالد بن معدان، وابن عامر اهـ (2). وقال «مسلم بن مشكم» قال لي «أبو الدرداء»: اعدد من في مجلسنا، قال: فجاءوا ألفا وستّ مائة ونيفا، فكانوا يقرءون، ويتسابقون عشرة عشرة، فإذا صلى الصبح انفتل وقرأ جزءا، فيحدّقون به يسمعون ألفاظه، وكان «ابن عامر» مقدّما فيهم (3).
وكان «لأبي الدرداء» بين الصحابة، والتابعين مكانة علمية خاصة يتجلى ذلك في الأقوال الآتية: قال «أبو ذرّ» لأبي «الدرداء»: ما أظلت خضراء أعلم منك يا أبا الدرداء اهـ (4). وقال «مسروق»: وجدت علم الصحابة انتهى إلى ستة: «عمر- وعليّ- وأبيّ- وزيد- وأبي الدرداء- وابن مسعود» اهـ (5) وقال «الليث» عن رجل آخر: رأيت «أبا الدرداء» دخل مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ومعه من الأتباع مثل السلطان، فمن سائل عن فريضة، ومن سائل عن حساب، وسائل عن حديث، وسائل عن معضلة، وسائل عن شعر اهـ (6).
وكان «أبو الدرداء» مع كثرة أعماله، وانشغاله بتعليم القرآن لا يفتر عن ذكر الله تعالى، يدل على ذلك ما يلي: روى «عمر بن واقد» أنه قيل «لأبي الدرداء» وكان لا يفتر من الذكر: كم تسبح في كل يوم؟ قال: مائة ألف، إلا أن تخطئ الأصابع (1). وقد أثر عن «أبي الدرداء» أقوال كلها وعظ، وحكمة، وإرشاد، أذكر منها ما يلي: قال «معاوية بن قرّة»: قال «أبو الدرداء» ثلاثة أحبهن ويكرههن الناس: الفقر، والمرض، والموت، أحب الفقر تواضعا لربّي، والموت اشتياقا لربّي، والمرض تكفيرا لخطيئتي اهـ (2). وقال «لقمان بن عامر»: إن «أبا الدرداء» قال: أهل الأموال يأكلون ونأكل، ويشربون ونشرب، ويلبسون ونلبس، ويركبون، ونركب، ولهم فضول أموال ينظرون إليها، وننظر إليها معهم، وحسابهم عليها ونحن منها برآء اهـ (3). وعن «عبد الله بن مرّة» أن «أبا الدرداء» قال: اعبد الله كأنك تراه، وعدّ نفسك في الموتى، وإياك ودعوة المظلوم، واعلم أن قليلا يغنيك خير من كثير يلهيك، وأن البرّ لا يبلى، وأن الإثم لا ينسى اهـ (4).
قال «الذهبي»: توفي «أبو الدرداء» سنة اثنتين وثلاثين، وما خلّف بالشام كلها بعده، رضي الله عنه اهـ (5). رحم الله «أبا الدرداء» وجزاه الله أفضل الجزاء.





مصادر و المراجع :

١- معجم حفاظ القرآن عبر التاريخ

المؤلف: محمد محمد محمد سالم محيسن (المتوفى: 1422هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید