المنشورات
«عبيد الله بن مهران» ت 406 هـ
هو: عبيد الله بن محمد بن أحمد بن محمد بن علي بن مهران بن أبي مسلم أبو أحمد الفرضي البغدادي.
ذكره «الذهبي» ت 748 هـ ضمن علماء الطبقة التاسعة من حفاظ القرآن.
كما ذكره «ابن الجزري» ت 833 هـ ضمن علماء القراءات.
أخذ «عبيد الله» القراءة عن خيرة العلماء، وفي مقدمتهم: أبو الحسن بن بديان، وهو آخر من بقي من أصحابه ممن روى عنه رواية «قالون» وغيرها (2).
كما أخذ حديث الهادي البشير صلى الله عليه وسلم عن عدد من العلماء. يقول الخطيب البغدادي: سمع عبيد الله بن مهران القاضي المحاملي، ويوسف بن يعقوب ابن اسحاق بن البهلول ومن بعدهما، وحضر مجلس أبي بكر بن الأنباري (3).
تصدر «عبيد الله» لتعليم القرآن وسنة النبي عليه الصلاة والسلام واشتهر بالصدق والأمانة وصحة القراءة، وأقبل عليه الطلاب. يقول الإمام «ابن الجزري»: أخذ عن «عبيد
الله بن مهران» القراءة عرضا «الحسن بن محمد البغدادي، ونصر بن عبد العزيز الفارسي والحسن بن علي العطار، ومحمد بن علي الخياط، وأبو علي غلام الهراس، وعلي بن الحسين بن زكريا الطرثيثي، وأبو الحسن علي بن محمد الخياط، وعبد الرحمن بن أحمد الرازي». وروى القراءة عنه سماعا: عبد الله بن محمد شيخ الداني، وأعلى ما وقعت رواية قالون من طريقه (1).
وصف «عبد الله بن مهران» بعدة صفات حميدة، منها: شدة إخلاصه، وحبه لتعليم القرآن، دون أن يأخذ على ذلك أجرا من أحد.
احتل «عبيد الله بن مهران» مكانة سامية واشتهر بالصدق والخوف من الله تعالى، والاقبال على طاعة الله تعالى، مما استوجب ثناء العلماء عليه، وفي هذا يقول الخطيب البغدادي: كان «عبيد الله بن مهران» ثقة، صادقا، ديّنا، ورعا، ثم يقول: سمعت «العتيقي» ذكره فقال: ثقة مأمون ما رأينا مثله في معناه، وسمعت الازهري ذكره فقال: كان إماما من الأئمة (2).
وقال «الإمام ابن الجزري»: أبو أحمد الفرضي إمام كبير ثقة ورع (3).
مما هو ثابت أن الجزاء من جنس العمل، وصدق الله حيث قال: الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (4).
ويفوح من سيرة «عبيد الله بن مهران» رائحة طيبة عطرة هي رائحة تمسكه بتعاليم الإسلام، اذا فمن كان كذلك فان الله سبحانه وتعالى سيتفضل عليه بحسن الخاتمة. حول هذا المعنى يقول «أبو الحسن محمد بن أحمد» رأيت في منامي «أبا أحمد الفرضي» بهيئة جميلة أجمل مما كنت أراه في دار الدنيا: فقلت له: يا أبا أحمد، كيف رأيت الأمر؟. فقال لي: الفوز، والأمن للذين قالوا: ربنا الله ثم استقاموا (1).
حقا، لعلها رؤيا صادقة، وصدق الله حيث قال في كتابه العزيز: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ. نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ، وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ. نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (2). لأنه كان يدخر ذلك العمل عند الله تعالى، ومما يدل على ذلك الحادثة التالية: يقول الخطيب البغدادي: كتب «أبو حامد مع رجل من خراسان كتابا إلى «عبيد الله بن مهران» يشفع له أن يأخذ عليه القرآن، فظن «عبيد الله» أنها مسألة قد استفتي فيها، فلما قرأ الكتاب غضب ورماه من يده وقال: أنا لا أقرأ القرآن بشفاعة.
ثم يقول البغدادي: حدثني أبو القاسم منصور بن عمر الفقيه الكرخي قال: لم أر في الشيوخ من يعلم العلم لله خالصا لا يشوبه بشيء من الدنيا غير «أبي أحمد الفرضي» فإنه كان يكره أدنى سبب حتى المديح لأجل العلم.
قال: وكان قد اجتمعت فيه أدوات الرئاسة من علم، وقرآن، وإسناد، وحالة متسعة في الدنيا، وغير ذلك من الأسباب التي يداخل بمثلها السلطان، وتنال بها الدنيا، وكان مع ذلك ورع الخلق.
وكان يبتدئ كل يوم بتدريس القرآن، ويحضر عنده الشيخ الكبير ذو الهيئة، فيقدم عليه الحدث لأجل سبقه، واذا فرغ من إقراء القرآن تولى قراءة الحديث علينا بنفسه فلا يزال كذلك حتى تستنفد قوته، ويبلغ النهاية من جهده في القراءة، ثم يضع الكتاب من يده فحينئذ يقطع المجلس وينصرف، وكنت أجالسه فأطيل القعود معه، وهو على حالة واحد لا يتحرك، ولا يعبث بشيء من أعضائه ولا يغير
شيئا من هيئته حتى أفارقه، وبلغني أنه كان يجلس مع أهله على هذا الوصف ولم أر في الشيوخ مثله (1) ومن صفاته أيضا شدة إمعان النظر، والتفكر في مخلوقات الله تعالى، يقول «الخطيب البغدادي»: «حدثني عيسى بن أحمد الهمذاني» قال: سمعت علي ابن عبد الواحد بن المهدي يقول: «اختلفت إلى «أبي أحمد الفرضي» ثلاث عشرة سنة لم أره ضحك فيها (2).
فعن علي بن أبي طالب رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«من قرأ القرآن واستظهره (3) فأحل حلاله وحرم حرامه أدخله الله به الجنة وشفعه في عشرة من أهل بيته كلهم وجبت لهم النار» (4).
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الصيام والقرآن يشفعان للعبد، يقول الصيام: رب إني منعته الطعام والشراب بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن: رب منعته النوم بالليل فشفعني فيه، فيشفعان (5).
توفي «عبيد الله بن مهران» في شوال سنة ست وأربع مائة وله اثنتان وثمانون سنة رحمه الله رحمة واسعة، إنه سميع مجيب.
مصادر و المراجع :
١- معجم حفاظ القرآن عبر التاريخ
المؤلف: محمد محمد
محمد سالم محيسن (المتوفى: 1422هـ)
13 يناير 2024
تعليقات (0)