المنشورات

«أحمد بن عرب شاه» ت 854 هـ

هو: أحمد بن محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن أبي نصر بن عرب شاه الدمشقي الأصل، الرومي الحنفي، ويعرف بالعجمي، وبابن عرب شاه، وهو الأكثر. وهو من القراء، والفقهاء، والأدباء، والمؤلفين.
ولد ليلة الجمعة منتصف ذي القعدة سنة إحدى وتسعين وسبعمائة بدمشق، ونشأ بها، فقرأ «القرآن» على «الزين عمر بن اللبّان المقري».
ثم تحوّل في سنة ثلاث وثمان مائة في زمن الفتنة مع أمه وإخوته إلى «سمرقند» ثم رحل بمفرده وأقام ببلاد ما وراء النهر، وأخذ عن الشيخين الجليلين: «السيد محمد الجرجاني، وابن الجزري» وهما نزيلا «سمرقند».
واشتهر ذكره وبرع في الفنون.
ثم توجّه إلى «خوارزم» فأخذ بعض العلوم عن «نور الله، وأحمد بن شمس الأئمة» ثم قطع بحر الروم إلى مملكة «ابن عثمان» فأقام بها نحو عشر سنين، وفي هذه البلاد لمع نجمه، وذاع صيته، فترجم للملك غياث الدين أبي الفتح محمد بن أبي يزيد كتاب «جامع الحكايات ولامع الروايات» من الفارسيّة إلى التركيّة في نحو ستة مجلدات، وتفسير «أبي الليث السمرقندي»، وباشر عند «الملك غياث الدين»، وكتب عنده إلى ملوك الأطراف عربيا، وشاميّا وتركيّا، ومغوليّا، وعجميّا، كل ذلك مع حرصه على الاستفادة من العلماء والاستزادة من الأخذ عنهم، فقرأ كتاب «المفتاح» على «البرهان الحوفي» وأخذ عنه أيضا العربية.
ولما مات «الملك غياث الدين» رجع إلى وطنه القديم، فدخل «حلب» فأقام بها نحو ثلاث سنين، وكان دخوله إليها في جمادى الآخرة، سنة خمس وعشرين وثمانمائة، وأقام في «حانوت مسجد القصب».
وانتهز هذه الفرصة فقرأ على «القاضي شهاب الدين الحنبلي» صحيح مسلم في سنة ثلاثين وثمانمائة.
ولما قدم «العلاء البخاري» سنة اثنتين وثلاثين وثمان مائة مع الركب الشامي من الحجاز انقطع إليه ولازمه في الفقه، وعلوم البلاغة المعاني والبيان وغير ذلك حتى مات.
ومع أن «أحمد بن عرب شاه» برع في كثير من العلوم إلا أنه كان مع ذلك يقول الشعر، ومن نظمه:
قميص من القطن من حلة ... وشربة ماء قراح وقوت
ينال بها المرء ما يبتغي ... وهذا كثير على من يموت
ومن نظمه أيضا:
فعش ما شئت في الدنيا وأدرك ... بها ما شئت من صيت وصوت
فحبل العيش موصول بقطع ... وخيط العمر مقصود بموت
ومنه أيضا:
وما الدهر إلا سلم فيقدّر ما ... يكون صعود المرء فيه هبوطه
وهيهات ما فيه نزول وإنما ... شروط الذي يرقى إليه سقوطه
فمن صار أعلى كان أوفى تهشّما ... وفاء بما قامت عليه شروطه
احتل «أحمد بن عرب شاه» مكانة سامية بين الناس مما جعلهم يثنون عليه ويعترفون بفضله، وفي هذا يقول «الإمام الشوكاني»: «وأشير إليه بالفضيلة،وأجلّه الأكابر، وكان أحد الأفراد في إجادة النظم، والنثر، ومعرفة اللغات، والمجيء بالمستظرفات، وإجادة الخط، وإتقان الضبط، وعذوبة الكلام، وملاحة المحاضرة، وكثرة التودد، ومزيد التواضع، وعفة النفس، ووفور العقل، واستمر على أوصافه حتى توفاه الله تعالى» (1).
تقدم «أحمد بن عرب شاه» في كثير من العلوم، وأنشأ النظم الفائق والنثر الرائق، وصنف نظما ونثرا، ومن تصانيفه: «مرآة الأدب» في علم المعاني، والبيان، والبديع، سلك المؤلف فيه أسلوبا بديعا، وكتاب «العقد الفريد» في التوحيد، وكتاب «فاكهة الخلفاء ومفاكهة الظرفاء» وكتاب «الترجمان المترجم بمنتهى الأدب في لغة الترك والعجم والعرب» وغير ذلك من المصنفات.
وبعد هذه الحياة الحافلة بالرحلات، والعمل، والتأليف، توفي «أحمد بن عرب شاه» في يوم الاثنين منتصف شهر رجب سنة أربع وخمسين وثمان مائة.
رحمه الله رحمة واسعة، وجزاه الله أفضل الجزاء.





مصادر و المراجع :

١- معجم حفاظ القرآن عبر التاريخ

المؤلف: محمد محمد محمد سالم محيسن (المتوفى: 1422هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید