المنشورات

الالهام في الفرنسية/ noitaripsnI في الانكليزية/ noitaripsnI في اللاتينية/ oitarispnI

الالهام مصدر الهم، وهو ان يلقي اللّه في نفس الانسان امرا يبعثه على فعل الشيء، او تركه، وذلك بلا اكتساب، أو فكر، ولا استفاضة، وهو وارد غيبي، ويشترط فيه ان يكون باعثا على فعل الخير او ترك الشر. ولذلك فسّره بعضهم بالقاء الخير، في قلب الغير، بلا استفاضة فكرية منه، وهذا يخرج الوسوسة، لأن الالقاء من اللّه، أما الوسوسة فمن الشيطان.
وقيل الالهام ما وقع في القلب من العلم، وهو يدفع الى العمل من غير استدلال، ولا نظر. وقد يراد بالالهام التعليم كما في قوله تعالى «فألهمها فجورها. وتقواها» اي علمها، ولكن التعليم، من جهة اللّه، قد يكون تارة بخلق العلوم الضرورية في نفس الانسان، وقد يكون تارة بنصب الأدلة السمعية والعقلية. أما الالهام فلا يجب إسناده ولا استناده الى المعرفة بالنظر في الأدلة، وانما هو اسم لما يهجس في القلب من الخواطر.
فينتبه العقل من ذاته للمعنى المطلوب، ويفهمه بأسرع ما يمكن، ولهذا يقال: فلان ملهم، إذا كان يعرف بمزيد فطنته وذكائه ما لا يشاهده، ولا يتعلمه، ولذلك يفسر وحي النحل بالإلهام دون التعليم.
ومن الإلهامات ما يكون للانسان كالكشف الباطني الذي أشار اليه (الغزالي) في المنقذ من الضلال، ومنها ما يكون للانسان والحيوان معا كالأفعال الغريزية.
قال (ابن سينا): «من ذلك الالهامات الفائضة على الكل من الرحمة الإلهية، مثل حال الطفل ساعة يولد في تعلقه بالثدي، ومثل حال الطفل اذا أقل وأقيم فكاد يسقط من مبادرته، الى أن يتعلق بمستمسك لغريزة في النفس جعلها فيه الالهام الالهي، واذا تعرض لحدقته بالقذى بادر فأطبق جفنيه قبل فهم ما يعرض له، وما ينبغي ان يفعل، كأنه غريزة لنفسه لا اختيار معه» (الشفاء، الفن السادس من الطبيعيات، طبعة براغ 1956، ص 178). وقال أيضا: «و للحيوانات الأخرى، وخصوصا للطير، صناعات أيضا، فانها تصنع بيوتا ومساكن، لا سيما النحل، لكن ذلك ليس مما يصدر عن استنباط وقياس، بل عن إلهام وتسخير» (المصدر نفسه، ص 201).
والإلهام أخص من الاعلام، لأن الاعلام قد يكون بطريق الكسب، وقد يكون بطريق التنبيه.
والالهام ليس سببا يحصل به العلم لعامة الخلق ويصلح للبرهان والالزام، وانما هو كشف باطني، أو حدس، يحصل به العلم للانسان في حق نفسه، قال (ابن سينا): «فيمكن أن يكون شخص من الناس مؤيد النفس بشدة الصفاء وشدة الاتصال بالمبادئ العقلية، الى أن يشتعل حدسا، أعني قبولا لإلهام العقل الفعال» (الشفاء 1 - 361 والنجاة 273).
فالإلهام عنده هو ما يلقيه العقل الفعال في نفس الانسان، والحدس هو قبول هذا الالهام. وهذا المعنى قريب من المعنى الذي ذهب اليه (ابن خلدون) في قوله: «فاعتبر ذلك، واستمطر رحمة اللّه تعالى، متى أعوزك فهم المسائل، تشرق عليك أنواره بالالهام الى الصواب» (ابن خلدون. المقدمة ص 308).
والفرق بين الالهام والوحي أن مصدر الالهام باطني، ومصدر الوحي خارجي. بل الالهام من الكشف المعنوي، والوحي من الشهودي، لأنه إنما يحصل بشهود الملك وسماع كلامه، أما الالهام فيشرق على الانسان من غير واسطة ملك، وذلك بالوجه الخاص الذي للحق مع كل موجود.
فالالهام أعم إذن من الوحي، لأن الوحي، مشروط بالتبليغ، ولا يشترط ذلك في الالهام.
وقد فرق (ابن سينا) بين الوحي والالهام، فقال: «فمن ذلك معرفة كيفية نزول الوحي والجواهر الروحانية التي تؤدي الوحي، وان الوحي كيف يتأدى حتى يصير مبصرا أو مسموعا بعد روحانيته ...
وان الأبرار الأتقياء كيف يكون لهم إلهام شبيه بالوحي وكرامات تشبه المعجزات» (ابن سينا، تسع رسائل، ص 114).
وقال أيضا: «ان الأثر الروحاني السانح للنفس، في حالتي النوم واليقظة، قد يكون ضعيفا، فلا يحرك الخيال، والذكر، ولا يبقى له أثر ... وقد يكون قويا جدا، وتكون النفس عند تلقيه رابطة الجأش، فترتسم الصورة في الخيال ارتساما جيدا، وقد تكون النفس بها معنية، فترتسم في الذكر ارتساما قويا ... فما كان من الأثر الذي فيه الكلام مضبوطا في الذكر في حال يقظة أو نوم ضبطا مستقرا، كان الهاما، أو وحيا صراحا، أو حلما لا يحتاج الى تأويل أو تعبير، وما كان قد بطل هو وبقيت محاكياته وتواليه احتاج الى أحدهما» (الاشارات، ص 216 - 217). وهذا يختلف بحسب الاشخاص والأوقات والعادات.
فالوحي يحتاج الى تأويل والحلم الى تعبير.









مصادر و المراجع :

١- المعجم الفلسفي (بالألفاظ العربية والفرنسية والإنكليزية واللاتينية)

المؤلف: الدكتور جميل صليبا (المتوفى: 1976 م)

الناشر: الشركة العالمية للكتاب - بيروت

تاريخ الطبع: 1414 هـ - 1994 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید