المنشورات

التاريخ في الفرنسية/ eriotsiH في الانكليزية/ yrotsiH في اللاتينية/ airotsiH

التاريخ في اللغة تعريف الوقت، وتاريخ الشيء وقته وغايته، والتاريخ أيضا علم يبحث في الوقائع والحوادث الماضية. وحقيقته كما قال (ابن خلدون): «أنه خبر عن الاجتماع الانساني الذي هو عمران العالم، وما يعرض لطبيعة ذلك العمران من الأحوال، مثل التوحش والتأنس، والعصبيات، وأصناف التغلبات للبشر بعضهم على بعض، وما ينشأ عن ذلك من الملك والدول ومراتبها، وما ينتحله البشر بأعمالهم ومساعيهم من الكسب والمعاش والعلوم والصنائع، وسائر ما يحدث في ذلك العمران بطبيعته من الأحوال» (المقدمة ص 57). إلّا ان بعض المؤرخين يقتصر على ذكر الأخبار والوقائع من دون أن يذكر أسبابها، وبعضهم الآخر يأبي الاقتصار على التعريف بالحوادث الماضية، فيمحّص الاخبار، ويعلل الوقائع، ويستبدل بالتسلسل الزماني ترتيبا سببيا يرجع فيه الحوادث الى أسبابها، والوقائع الى أحوالها. فاذا جعل المؤرخ همه تمحيص الأخبار، ونقد الوثائق والآثار، كان تاريخه انتقاديا، واذا استخرج من ذكر الأحوال الماضية عبرة تتم بها فائدة الاقتداء لمن يروم ذلك في تربية النشء كان تاريخه أخلاقيا، واذا عني بأخبار الدول وعلاقتها بعضها ببعض للإفادة.
في تدبير الدولة كان تاريخه سياسيا، واذا تجاوز ذلك كله الى تعليل الوقائع، لمعرفة كيفية حدوثها، وأسباب نشوئها، كان تاريخه فلسفيا.
لم يكن لكلمة تاريخ في الماضي معنى واحد، فقد كانت تدل عند (سقراط) على المعرفة، وعند (أرسطو) على مجرد جمع الوثائق، حتى ان (التاريخي) عند بعضهم ضد النظري، أو المنطقيّ، بمعنى انه قد يكون هنالك بين الأمرين رابط منطقي من دون ان يكون بينهما رابط تاريخي واقعي.
والتاريخ عند (بيكون) هو العلم بالأمور الجزئية لا بالأمور العامة، والقوة النفسية اللازمة له هي الذاكرة، وهو ضد الشعر، لأن موضوع الشعر وهمي وموضوع التاريخ واقعي، وضد الفلسفة لأن موضوع الفلسفة كلي وموضوع التاريخ جزئي، والقوة النفسية اللازمة للشعر هي المتخيلة، أما القوة اللازمة للفلسفة فهي العقل.
وينقسم التاريخ في نظر (بيكون) الى التاريخ الطبيعي والتاريخ المدني، فعلم الأرض يبحث في تاريخ الأرض، وعلم المستحاثات يبحث في تاريخ الأنواع الحية المفقودة، وتاريخ الإنسان يبحث في تاريخ أحوال البشر ووقائعهم الماضية، ومع أن (بيكون) ذهب الى ما ذهب اليه (أرسطو) من القول ان التاريخ الطبيعي مضاد للفلسفة بطريقته لا بموضوعه، فهو قد اقتبس أكثر معانيه من الفلسفة المدرسية (السكولاستيك)، فنقلها عنه فلاسفة الموسوعة في القرن الثامن عشر وضمنوها بصورة خاصة فكرة التسلسل الزماني، (ر: دالامبر--  imilerp sruocsiD trebmalA'd erian).
وقريب من ذلك أيضا ما ذهب اليه (كورنو) في تصنيف العلوم، إذ قسم المعارف البشرية ثلاثة أقسام:
العلوم النظرية، والعلوم الكونية والتاريخية، والعلوم العملية. والثاني من هذه الأقسام يشتمل على علم الفلك (تاريخ السماء)، وعلم الجغرافيا، وعلم الجيولوجيا، وعلم المعادن، وعلم النبات، وعلم الحيوان، وعلم الآثار، وعلم التاريخ المدني، والسياسي، والأدبي، والأخلاقي، والديني.
وتطلق كلمة تاريخ في أيامنا هذه على العلم بما تعاقب على الشيء في الماضي من الأحوال المختلفة، سواء أ كان ذلك الشيء ماديا أم معنويا كتاريخ الشعب، وتاريخ الأسرة، وتاريخ القضاء، وتاريخ النوع الفلاني من الأحياء، وتاريخ العلم، وتاريخ الفلسفة، وتاريخ الأدب، وتاريخ اللغة الخ .. وتطلق أيضا على الأحوال المتعاقبة التي مرت بها البشرية، فمنها ما يعرف بالأخبار والتقاليد والآثار كما في علم التاريخ، ومنها ما لا سبيل الى معرفته بهذه الوسائل، كما في علم ما قبل التاريخ.
والتاريخية ( emsirotsiH)  هي القول ان الأمور الحاضرة ناشئة عن التطور التاريخي، ويطلق هذا اللفظ أيضا على المذهب القائل أن اللغة، والحق، والأخلاق، ناشئة عن إبداع جماعي، لا شعوري، ولا إرادي، وإن هذه الأمور قد بلغت الآن نهايتها، وانك لا تستطيع أن تبدل نتائجها بالقصد ولا أن تفهمها على حقيقتها إلّا بدراسة تاريخها؛ (ر:
-
4 - 2.,  I .hC .I )
viL engamellA ne tatE'd em
silaicoS ud senigiro seL ,reldnA
ويرى أصحاب هذا المذهب أيضا أننا لا نستطيع أن نحكم على الأفكار والحوادث إلا بالنسبة الى الوسط التاريخي الذي ظهرت فيه لا بالنسبة الى قيمتها الذاتية لا غير، لأننا إذا نظرنا اليها من الناحية الذاتية فقط ربما وجدناها خاطئة أو منكرة، ولكننا إذا نسبناها الى الوسط التاريخي الذي ظهرت فيه وجدناها طبيعية وضرورية. وفلسفة التاريخ ( eriotsih'l ed eihposolihP)  تبحث في العوامل الأساسية المؤثرة في سير الوقائع التاريخية، وتدرس القوانين العامة المسيطرة على نمو الجماعات الإنسانية، وتطورها على مرّ العصور. واصطلاح فلسفة التاريخ اصطلاح جديد، وضع في القرن الثامن عشر. ومن العلماء من يعدّ (فيكو) (1668 - 1744) صاحب كتاب العلم الجديد  avouN azneicS  مؤسس هذا العلم، إلا أن مباحث فلسفة التاريخ ترجع إلى أقدم العصور، منها كتاب (مدينة اللّه) للقديس أوغسطين، ومقدمة ابن خلدون، وكتاب الأمير لماكيافللي (1532) وكتاب الجمهورية (1577) لجان بودن، وخطبة في التاريخ العام (1681) لبوسويه، والحكومة المدنية (1690) لجون لوك، ومن الذين بحثوا في فلسفة التاريخ بعد (فيكو) مونتسكيو، وتورغو، وفولتير، وغيزو، ولسنغ، وهردر، وهجل الذي استنبط قوانين تطور الانسانية من مذهبه الفلسفي العام، حتى جاء فلاسفة التطور فصححوا ما جاء في آراء (هجل) من أحكام جدلية ومنطقية، وجعلوا تطور الحياة الإنسانية قسما من تطور الكائنات الحية عامة.
وجملة القول ان جميع فلاسفة التاريخ يبحثون عن القوانين العامة لتطور الأمم، فمنهم من يرجع التطور التاريخي الى تأثير الدين، ومنهم من يرجعه الى تأثير الرجال العظام، ومنهم من يرجعه الى تأثير العوامل الاقتصادية. وأحسن مثال يدل على هذه القوانين العامة قول (ابن خلدون):
ان الأحوال في الأمم تتبدل بتبدل الأيام، وان التطور التاريخي تابع لقانون الأجيال الثلاثة، وهي البداوة والحضارة والاضمحلال. وقول (فيكو): ان للتطور التاريخي ثلاثة أدوار: الدور الإلهي، والدور البطولي، والدور البشري.
وخطأ هذه الدراسات كلها أنها حاولت الكشف عن قوانين تطور البشرية دفعة واحدة، وبحثت عن القانون الكلي قبل أن تستقرئ جزئياته، فجاءت أحكامها عامة ومجردة. لقد حاول (لسنغ) و (هردر) و (هجل) أن يضعوا للبشرية تاريخا عاما يحيط بأحوال الأمم وحضاراتها، ويحدد علاقتها بتطور العقل البشري، فاستسلموا في أبحاثهم للخيال، وعجزوا عن تعليل التطور الاجتماعي تعليلا علميا دقيقا. قد يكون لتطور البشرية قانون عام كقانون الأجيال الثلاثة الذي ذكره ابن خلدون، أو كقانون الأدوار الثلاثة الذي ذكره (فيكو)، أو كقانون الحالات الثلاث الذي ذكره (أوغوست كومت)، وقد يكون تعاقب هذه الأدوار على شكل دائرة يتصل أولها بآخرها، أو على صورة خط مستقيم، وقد يكون لتطور البشرية قانون واحد أو عدة قوانين، إلا أن أمرا واحدا لا شك فيه، وهو ان استنباط هذه القوانين يجب أن يستند الى استقراء واسع، لا إلى تصور فلسفي سابق.
وتعتبر فلسفة التاريخ من الدراسات التي هيأت ظهور علم الاجتماع، حتى لقد قال بعضهم ان نسبة فلسفة التاريخ الى علم الاجتماع كنسبة علم ما بعد الطبيعة الى علم الطبيعة.







مصادر و المراجع :

١- المعجم الفلسفي (بالألفاظ العربية والفرنسية والإنكليزية واللاتينية)

المؤلف: الدكتور جميل صليبا (المتوفى: 1976 م)

الناشر: الشركة العالمية للكتاب - بيروت

تاريخ الطبع: 1414 هـ - 1994 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید