المنشورات

ما بعد الطبيعة (الميتافيزيقا) في الفرنسية/ euqisyhpateM في الانكليزية/ scisyhpateM في اللاتينية/ acisyhpateM

1 - علم ما بعد الطبيعة هو الاسم الذي نطلقه اليوم على مقالات أرسطو المخصوصة بالفلسفة الأولى.
سميت بهذا الاسم لأن (اندرونيقوس) الرودسي الذي جمع كتب (ارسطو) في القرن الأول قبل الميلاد وضع الفلسفة الاولى في ترتيب هذه الكتب بعد العلم الطبيعي.
وعلم ما بعد الطبيعة، عند الكندي، هو الفلسفة الاولى، وعلم الربوبية، وعند الفارابي، هو «العلم بالموجود بما هو موجود»، وعند ابن سينا، هو العلم الالهي، قال ابن سينا: «ان هذا العلم يبحث عن الموجود المطلق، وينتهي في التفصيل الى حيث تبتدئ منه سائر العلوم، فيكون في هذا العلم بيان مبادئ سائر العلوم الجزئية» (النجاة، ص 322).
اما ابن رشد فانه يسمّي هذا العلم بعلم ما بعد الطبيعة، وغرضه عنده «النظر في الوجود بما هو موجود»، وله ثلاثة أقسام:
القسم الأول «ينظر فيه في الأمور المحسوسة بما هي موجودة، وفي جميع أجناسها التي هي المقولات العشر، وفي جميع اللواحق التي تلحقها»، والقسم الثاني «ينظر فيه في مبادئ الجوهر، وهي الأمور المفارقة، ويعرف اي وجود وجودها، ونسبتها ايضا الى مبدئها الأول، الذي هو اللّه»، والثالث بنظر فيه في موضوعات العلوم ومبادئها. أما مرتبة هذا العلم في التعليم «فبعد العلم الطبيعي، اذ كان يستعمل على جهة الأصل الموضوع على ما يبرهن في ذلك العلم من وجود قوى لا في هيولى، ويشبه أن يكون إنما سمي هذا العلم علم ما بعد الطبيعة من مرتبته في التعليم، والّا فهو متقدم في الوجود، ولذلك سمّي الفلسفة الأولى» (ابن رشد كتاب ما بعد الطبيعة، وهو تلخيص مقالات أرسطو، ص 3 - 5). ويرى بعضهم ان هذا العلم يمكن ان يسمّى بعلم ما فوق الطبيعة لسمو موضوعه، او بعلم ما قبل الطبيعة لاستناد العلم الطبيعي إليه.
2 - وقد اختلف مدلول هذا العلم باختلاف العصور، فموضوعه عند أرسطو والمدرسيين مشتمل على البحث في الأمور الالهية، والمبادي الكلية، والعلل الاولى، وموضوعه عند المحدثين مقصور على البحث في مشكلة الوجود، ومشكلة المعرفة.
آ- مشكلة الوجود.
لعلم ما بعد الطبيعة، من جهة ما هو مشتمل على البحث في صنف خاص من الموجودات، ثلاثة معان.
الأول هو القول ان هذا العلم يبحث في الموجودات اللامادية كالموجود بوجه عام، والاله، والكائنات الروحية بوجه خاص، هذا الذي اشار اليه القدماء بقولهم انه «علم باحث عن احوال الموجودات التي لا تفتقر في وجودها الى المادة» (تعريفات الجرجاني)، وهذا ايضا معنى قول (ديكارت) ان غرض علم ما بعد الطبيعة، او الفلسفة الاولى، معرفة اللّه والنفس.
والثاني هو القول ان هذا العلم يبحث في حقائق الأشياء، لا في ظواهرها، ومعنى ذلك انه يجاوز حدود التجربة، ويحاول الكشف عن الحقائق المطلقة. والفرق بين علم ما بعد الطبيعة، وعلم الجدل، ان الأول يبحث في الموجودات من جهة ما هي ساكنة، على حين ان الثاني يبحث في الموجودات من جهة ما هي متحركة، اي خاضعة للتاريخ والصيرورة.
والثالث هو القول ان هذا العلم يبحث فيما يجب أن يكون، أي في الوجود المثالي، او الوجود الواجب، لا لأن هذا النمط من الوجود أعلى من الوجود الواقعي فحسب، بل لأنه يفسره ويبين اسبابه. وأولى الحقائق التي يجب تدوينها في علم ما بعد الطبيعة هي الحقائق الاخلاقية، لا الحقائق العقلية، أو العلمية، لأن العلم لا يقود الى علم ما بعد الطبيعة اضطرارا، كما ان علم ما بعد الطبيعة لا يزود العلم بما يحتاج اليه من المبادي المنظمة ( evitisoP ecneics aL ,draiL .L ,eitrap e 3 ,euqisyhpatem al te IIV hc )
والخلاصة ان هذه المعاني الثلاثة تشترك في امر واحد، وهو البحث عن المطلق. قال (ليارد):
«نريد معرفة المطلق بعد معرفة الظواهر، ومعرفة علة الوجود بعد معرفة شروطه، فموضوع علم ما بعد الطبيعة اذن تعيين هذا المطلق، والكشف عن هذه العلة».
(1  soporp tnavA, dibi, draiL. L)
ب- مشكلة المعرفة.
لعلم ما بعد الطبيعة من جهة ما هو نمط من انماط المعرفة والفكر عدة معان.
الأول قولهم: ان موضوع علم ما بعد الطبيعة هو المعرفة المطلقة التي يحصل عليها بالحدس المباشر، لا بالاستدلال والنظر العقلي، قال (هنري برغسون): غرض علم ما بعد الطبيعة الاطلاع على الحقيقة المطلقة، لا على الحقيقة النسبية، والنفوذ الى اعماق هذه الحقيقة، لا النظر اليها من جوانبها، وادراكها بالحدس، لا بالتحليل، وفهمها فهما مجردا عن كل لفظ، او اشارة، او ترجمة، او تمثيل رمزي، فعلم ما بعد الطبيعة اذن هو العلم الذي يريد ان يستغني عن الرموز.
والثاني قولهم ان علم ما بعد الطبيعة هو المعرفة التي يحصل عليها بالعقل من جهة ما هو قادر بنفسه على ادراك حقائق الأشياء، وعلى الاحاطة بالمبادئ الاولى للعلوم المادية والأخلاقية، قال (فرانك) في معجمه: جميع المدارس الفلسفية تعترف بأن هنالك علما أعم وأعلى من سائر العلوم، وهو العلم بالمبادئ التي تستمدّ منها جميع معارفنا وحدتها وصفتها اليقينة، حتى ان الذين بحثوا عن المبادي في باطن العقل، أو في باطن الفكر الانساني الذي لا يتغير، اضطروا الى اطلاق هذه المبادي على كل موجود، والى عدها تعبيرا دقيقا عن طبائع الأشياء، او اساسا مقوما لجميع الكائنات»
-  eM .V ,seuqihposolihp secneicS euqisyhpat )
( sed eriannoitciD ,kcnarF .A
والثالث هو المعنى الذي نجده عند (كانت)، وهو اطلاق اسم ما بعد الطبيعة على جملة المعارف المستمدة من العقل وحده، اعني المعارف القبلية، المؤلفة من المعاني المجردة، والخارجة عن نطاق التجربة، وعن نطاق الزمان والمكان.
والرابع هو القول ان غرض علم ما بعد الطبيعة معرفة الوجود الحقيقي بتحليل التجربة وتركيبها على اكمل وجه، ولا سيما التجربة الداخلية التي هي اساس كل تجربة اخرى. قال (دونان): يجب علينا ان نعرّف علم ما بعد الطبيعة بقولنا: انه تصور عقلي لشيء يدخل فيه، بقليل او كثير من الوضوح والتميّز، تصور عقلي لكل شيء.
ان لكل انسان مذهبه او مذاهبه، وكل انسان بمعنى ما فيلسوف، سواء كان شاعرا بذلك، او غير شاعر به، والاشتغال بمسائل ما بعد الطبيعة ليس أكثر من الاهتمام بتنسيق الافكار وتنظيمها، والفرق الوحيد بين الفيلسوف المتافيزيقي والرجل العامي ان تنسيق الافكار عند الأول اكثر شمولا، وتعقيدا، ونضجا مما هو عليه عند الثاني.
(-
436 - 436.  P )
olihP ed siassE ,nanuD .hC ,euqisyhpateM ,elareneg eihpoS
والخامس هو قول (اوغوست كومت) ان حالة ما بعد الطبيعة حالة فكرية متوسطة بين الحالة اللاهوتية والحالة الوضعية، وتتميز هذه الحالة الفكرية بميل العقل الى البحث عن حقائق الأشياء، وأصلها، ومصيرها، كما تتميّز بسيطرة المجردات العقلية والتفسيرات اللفظية على التفسيرات الحقيقية.
3 - ولعلم ما بعد الطبيعة في مناهج التعليم مدلول خاص، وهو اطلاقه على الموضوعات التي لا تدخل في علم النفس، والمنطق، والاخلاق وغيرها من المواد الفلسفية، وينقسم عند (بول جانه) الى قسمين، وهما آ- المتافيزيقا العامة، او علم الوجود بما هو موجود، وموضوعه البحث في المبادي بحثا مجردا وعاما.
ب- المتافيزيقا الخاصة التي تبحث في الموجودات، وتنقسم الى ثلاثة فروع، وهي (1) السيكولوجيا العقلية، او علم النفس النظري (2) الكوزمولوجيا النظرية، او فلسفة الطبيعة، ونظرية الكون بوجه عام، وحقيقة المادة (3) اللاهوت العقلي او الالهيات.
4 - وما بعد الطبيعي (( jda) euqisyhpateM)  هو المنسوب الى ما بعد الطبيعة، ويطلق على البعيد عن المألوف، او على المجاوز لحدود التجربة، او على المتعلق بحقائق الأشياء لا بظواهرها، او على المشتمل على درجة عالية من التجريد والتركيب.









مصادر و المراجع :

١- المعجم الفلسفي (بالألفاظ العربية والفرنسية والإنكليزية واللاتينية)

المؤلف: الدكتور جميل صليبا (المتوفى: 1976 م)

الناشر: الشركة العالمية للكتاب - بيروت

تاريخ الطبع: 1414 هـ - 1994 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید