المنشورات

أسرار القنبلة الذرية وأدمغة الأجرام الأميركي

منذ أن وجد الانسان على سطح الأرض، استطاع أن يحتل المكانة الأولى والأساسية بين جميع المخلوقات، ومثل جوهر هذا الوجود وقضينه المركزية ...
وعندما كان هذا الانسان مفطورة على التطور، برزت اختراعاته واكتشافاته كثمرة من ثمرات تقدمه ونمو عقله وسنة من سنن رتبه الانساني ... وما أن حل القرن العشرون حتى تربع فيه الانسان على قمة منجزاته ومخترعاته في العلم والتكنولوجيا ... ولم تكن القنبلة الذرية إلا واحدة في لائحة الاكتشافات اللتطورة. ولكن المصيبة الكبرى في هذا العصر أن تتحول كل الجهود لإبادة الانسان بطرق ووسائل اكثر تطورا وأكثر وحشية وبربرية رغم كل ادعاءات أهل العلم والتقدم، وتصبح دادمغة الاختراع، إزاء هذا الوضع في عداد مجرمي الحروب، وہ آكلي لحوم البشره. ومن هذا المنطلق وجه العالم الالماني والبرخت انسولد، الى اينشتاين تهمة «مجرم حرب).
كما تعتبر قصة عالم الفيزياء الاميركي اروبرت اوپنهايمر» من أغرب القصص في تاريخ العلم والسياسة. فقد بدا العالم يسمع باسمه لأول مرة في أغسطس 1945 عندما القيت القنبلة الذرية على هيروشيما في اليابان وسمي آنذاك
أبو القنبلة الذرية اعترافا من الولايات المتحدة الأميركية بالدور الرئيسي الذي لعبه في قيادة مجموعة العلماء والمهندسين الذين صمموا أول قنبلة ذرية في معامل «لوس الاموس، تحت اسم «مشروع ماناهتن»، ثم انتجوها بعد ذلك
09 يعتبر اروبرت أوبنهايمر، من أكبر علماء الفيزياء الدوليين المرموقين في أبحاثهم ودراساتهم. ومثل أميركيين وأوروبيين كثيرين عرف أوبنهايمر طريقه الى العمل في انتاج القنبلة الذرية من خلال جو الفزع العام الذي سيطر على علماء عديدين غداة نشوب الحرب العالمية الثانية لئلا تستطيع المانيا النازية أن تسبق الحلفاء في انتاج السلاح الرهيب وفي استخدامه.
وقد عبر اينشتاين عام 1939 عن هذا الفزع العام، في الرسالة التي ارسلها الى الرئيس الأميركي روزفلت عن طريق مستشاره الاقتصادي
الكسندر ساكس، الذي كان صديقا حميمة لأينشتاين. وكان ثمة دلائل عديدة على أن الألمان يعملون في هذا المجال بسرية كاملة .... ومن هذه الدلائل أن المانيا قد استولت على الرف الأطنان من اليورانيوم عندما اجتاحت بلجيكا، وأنها تفاوضت مع حكومة تشيكوسلوفاكيا لأخذ اليورانيوم والراديوم الموجودين بمناجمها. وعندما اجتاحت المانيا النروج، وضعت يدها على اول مصنع في العالم الإنتاج الماء الثقيل الذي يمكن باستخدامه بناء مفاعل ذري بسهولة فائقة. وعندما بدات المانيا بناء الصواريخ 207 زاد قلق العلماء في الغرب، وكان منطقهم ببساطة أن هذه الصواريخ من الصغر بحيث يكون تأثيرها ضعيفة اذا استخدمت المتفجرات العادية كرؤوس لها، ولابد اذن أن يكون هدفها الحقيقي أن تكون مسلحة برؤوس ذرية. وقد ثبت تاريخية أن الألمان فشلوا رغم جهودهم في انتاج القنبلة الذرية لاعتمادهم الكامل على المصنع النروجي للماء الثقيل الذي دمرته طائرات الحلفاء أكثر من مرة مما أدى الى تعطيل برنامج العمل.
وفي هذا الجو المحموم وجد اوپنهايمر، نفسه عام 1942 مطلوبا للعمل في مشروع القنبلة الذرية. وكان ثمة نتائج علمية تبشر بنجاح المشروع ومن بينها أن العالم الايطالي الجنسية «فيرمي، قد استطاع أن يبني في أميركا مفاعلا ذرية يقوم على استخدام الجرافيت عام 1992. ومن بينها أن بريطانيا قد عرضت أن تشارك أميركا في كل معلوماتها عن هذا الموضوع، وعندما اجتمعت أول لجنة علمية من كبار العلماء لبحث المشروع تحت قيادة الجنرال اليزلي جروفز» بدا واضحا له منذ أول جلسة أن اوپنهايمر هو أفضل العلماء لقيادة المشروع من الناحية العلمية. فهو الى جانب امتيازه العلمي قادر بشخصيته أن يقود الآخرين. وهو رجل ذو كفاءات إدارية عديدة، وهو محبوب من الناحية الشخصية من كثير من العلماء الأميركيين والأوروبيين
وهكذا بدا مشروع ماناهتن تحت قيادة «روبرت اوپنهايمر، الذي بدا يحاور نفسه وضميره حول مشروعية استخدام هذا السلاح الرهيب في الحرب. لقد كان أوبنهايمر واضحا وحاسما في ضرورة انتزاع السبق من المانيا النازية في انتاج القنبلة حتى لا يفاجأ الحلفاء باستخدامها ضدهم. ولكن المفارقة الماساوية هي أنه عندما تم انتاج القنبلة بالفعل كانت المانيا النازية قد دمرت واستسلمت وكانت القوات السوفياتية قد اجتاحت برلين، وكان هتلر قد انتحر، واستسلمت ألمانيا دون قيد أو شرط، ولم تبق إلا اليابان تقاوم مقاومة هزيلة بأمل الحصول على شروط أفضل للهزيمة.
ومنذ أن استسلمت ألمانيا النازية في أيار/ مايو 1945 وانتهى إلى غير رجعة جو الفزع المحموم من أن تجد ألمانيا النازية طريقها الى القنبلة بدا العلماء الأميركيون وفي مقدمتهم اوبنهايمر يفكرون في النتائج الطويلة المدى المترتبة على وجود هذا السلاح الاستراتيجي الرهيب. وهل من الضروري استخدام هذا السلاح الآن؟ واذا استخدم، كيف؟.
ومن الواضح أن اوپنهايمر بعد أن استسلمت ألمانيا لم يكن متحمسة الاستخدام هذا السلاح في اليابان. فقد كان تقديره الصائب آن استسلام اليابان هو مسألة وقت لا أكثر ولا أقل. وكان يشاركه هذا الرأي عدد كبير من العلماء. إلا أن العسكر الأميركيين كانوا حريصين على استخدام القنبلة الذرية ضد اليابان فورا حتى بعجلوا باستسلامها قبل أن تتقدم القوات السوفياتية في الشرق الأقصى.
ومع أن الكسندر ساكس - المستشار الاقتصادي لروزفلت - قد حاور
11 رئيس الجمهورية في ديسمبر 1944 حول ضرورة القيام بتجربة أمام كل العالم لهذا السلاح قبل استخدامه الفعلي، ومع أن روزفلت قد وافق على هذا الاقتراح إلا أن وفاته المفاجئة وتولي ترومان رئاسة الجمهورية الاميركية قد غيرا الموقف تغييرا كاملا. . د فور استلام ترومان للسلطة عين في ابريل / 1945، لجنة سظمها من العسكريين التقدم له النصيحة حول استخدام القنبلة الذرية. وكان من الطبيعي في لجنة من هذا النوع على رأسها وزير الحرب أن توصي باستخدام السلاح فورا. وقد صدر قرار اللجنة بالاجماع ثم عاد أحد الأعضاء بارد، وهو نائب وزير البحرية، فأعلن معارضته للقرار وأكد هذا بتقديم استقالته. وكانت وجهة نظره أن البحرية الأميركية كفيلة بتركيع اليابان دون استخدام هذا السلاح. وأن الجيش في أميركا يريد استخدام هذا السلاح حتى ينسب لنفسه فضلا في استسلام اليابان.
لقد اختار هاري ترومان أن يلقي قنابلة الذرية على اليابان على الرغم من أنه كان واضحا في المفاوضات السرية أن اليابان كانت مستعدة للاستسلام اذا لم يتمسك الحلفاء بإزاحة الامبراطور من السلطة.
وفي 6 آب / أغسطس 1945 قامت الطائرة ب - 29، بحمل والصبي الصغيرة. كما سميت القنبلة الذرية - الذي ألقي على هيروشيما في تمام الساعة الثامنة والنصف صباحأ. وبعد ثلاثة أيام من هذا الحدث المروع القيت القنبلة الثانية على ناغازاكي، ولم يكن قد مضى على دخول الاتحاد السوفياتي الحرب ضد اليابان أكثر من 24 ساعة. وكان عدد ضحايا القنبلتين لا يقل عن ربع مليون شخص. أثناء ذلك كان «أوبنهايمر، قد عارض واعاق انتاج القنبلة الهيدروجينية بعد ما رأي في هيروشيما وناغازاكي وعلى أساس فكري وسياسي واضح فيما بعد. كما كانت الحرب الباردة في عنفوانها وكان الصراع المرير في داخل لجنة الطاقة الذرية الأميركية على اشده حول موضوع بناء القنبلة الهيدروجينية، وكان أوبنهايمر ما يزال رئيسا للجنة الاستشارية في
92
42 داخل لجنة الطاقة الذرية الأميركية. ولكنه في نهاية الأمر خسر الصراع وتقرر بناء القنبلة الهيدروجينية واختار أوبنهايمر ردا على هذا الوضع أن ينسحب من جميع المراكز الحساسة التي يشغلها وأن يتفرغ لعمله كمدير لمعهد الدراسات المتقدمة في جامعة برنستون.
ولكن تيللر وأصدقاءه السياسيين رفضوا أن يتركوا أوبنهايمر سالمة في عزلته الجديدة، مما دفع لجنة مجلس الشيوخ الأميركي أن ترسل خطابا في سبتمبر 1903 يتضمن أربعة وعشرين اتهاما له. وكانت خلاصة هذه الاتهامات أنه ليس صالحة للعمل في لجنة الطاقة الذرية الأميركية، وأنه قد تقرر بناء على ذلك سحب الترخيص الذي كان مستوحا له بالإطلاع على الوثائق السرية اللجنة واستمرت محاكمته ثلاثة أسابيع، أدين بعدها أبو القنبلة الذرية باعتباره خطرا على أمن الولايات المتحدة.
إلا أن حكومة الرئيس كينيدي قررت أن تمنحه فيما بعد أرفع جائزة علمية في أميركا المعروفة بجائزة «فيرمي،، وعندما اغتيل كينيدي قبل تسليمه الجائزة قام جونسون بهذه المهمة وقال له: (لقد كانت من أعز أمنيات كينيدي أن يقوم شخصيا بتسليمك الجائزة والميدالية).
وهكذا أسدل الستار على قصة عالم كبير اختار أن يقف موقفة انسانية شجاعة بعد أن عاش يوما من أفظع أيام التاريخ هو يوم قنبلة هيروشيما. . ومن خلال شهادة امرأة يابانية هي «فوتابا كيتاياما، البالغة من العمر 53 عاما، وقد اصبت على مسافة 2 كلم من مكان سقوط القنبلة الذرية، نستطيع تبيان ضخامة الحدث ومول الكارثة حيث تقول: وجدت نفسي على الأرض ورفيقاتي كلهن اختفين. ماذا جرى للفضاء الذي كان صافي الزرقة منذ لحظات؟ لقد أصبح شديد السواد. تذكرت حكاية بوذية روتها لي والدتي عن جهنم.
ففي يوم الاثنين السادس من شهر أغسطس 1945 في هيروشيما والساعة |
93 تجاوزت الثامنة والربع صباحأ بثوان معدودة سطع بريق خاطف من ألف شمس يخترق الفضاء فوق قلب المدينة كتلة نارية ضخمة، فانفجار هائل، نمود من الدخان رهيب ورکام بتناثر في الفضاء. المدينة بكاملها بحل بها الدمار ساعة كانت تتهيأ للعمل، وألوف المنازل الخشبية تتطاير مشتعلة، والأبنية القليلة المبنية بالحجارة والطوب تتهدم، والهياكل القديمة تتحطم، والمدارس والثكنات تشتعل مع بداية الدروس والتدريب، والشوارع العاصة بالناس الذاهبين الى أعمالهم اليومية ... مدينة سكانها ثلاثمائة ألف نسمة أو أكثر اذا عدت القوات العسكرية الكبيرة المتواجدة فيها لأن هيروشيما كانت مقر القيادة في جنوبي اليابان. في لحظة من بريق ساطع تحول الكثيرون من سكانها، ولا سيما في وسطها الى مجموعات من أجسام تحترق أو تنزف بالدم أو تزحف، او تتلوى معانية سكرات الموت، أو طعمة للبنيران التي كانت تمتد إلى أنحاء المدينة المختلفة، والى مجموعات أخرى تحاول الفرار مذهولة مجنونة أمام الكابوس الرهيب الذي يطاردها وهي تندفع هاربة نحو التلال مترنحة عارية سوداء مسلوخة الجلود ذات وجوه سوداء كالفحم وعيون مطفأة.
ماذا حل بهيروشيما وأبنائها أمام هبوب رياح جهنم العاتية؟ تتساءل فوتابا کيناياما، البالغة من العمر 53 عاما وقد أصيبت على مسافة نحو کيلو مترين من مكان سقوط القنبلة الذرية. نجيب فوتابا قائلة: كنت قد انضممت الى فريق من نساء تبرعن للعمل في مكافحة الحرائق التي تندلع عند القصف بالقنابل المحرقة. أما زوجي فكان قد بقي في مكتب الصحيفة التي يعمل فيها بسبب الانذار باحتمال قيام الحلفاء بغارة جوية.
وكان فريقنا قد تجاوز جسر تسورومي حين صفرت صفارة الانذار. وظهرت طائرة واحدة للعدو ومحلقة على ارتفاع شاهق فوق رؤوسنا وقد سطعت اجنحتها الفضية، وهتفت إحدى النساء أنها مظلة. والتفت الى حيث كانت تشير بيدها لأرى في تلك اللحظة بريقة ساطعة ينتشر ملء الفضاء
هل كان البريق هو الذي أصابني أولا أم أن صوت الانفجار هو الذي
64 مزق أحشائي؟ لست أذكر. وسقطت أرضا وتسمرت في مكاني. ثم سرعان ما أخذت الدنيا تتداعى من حولي على راسي وكتفى ولم أعد أستطع أن أري أي شيء. اسودت الدنيا بعيني. وحسبت أن ساعتي الأخيرة قد حانت. وتذكرت أبنائي الثلاثة الذين كنت قد أبعدتهم الى الريف لوقايتهم من الغارات الجوية، ولم أعد أقوى على الحركة. الأنقاض تتساقط على وتتكدس فوقي.
واخيرا تمكنت أن أتخلص من الأنقاض. شممت رائحة رهيبة في الفضاء، ظننت أن القنبلة التي أصابتنا فوسفورية صفراء محرقة كالقنابل الأخرى التي سقطت على مدن أخرى عديدة. ومسحت أنفي وفمي بمنشفة كانت مربوطة إلى وسطي. يا للهول! رأيت جلد وجهي عالقة بالمنشفة ثم انسلخ الجلد عن يدي وذراعي أيضأ. جلد ذراعي اليمني من المرفق حتى رؤوس الأصابع يندلي ببشاعة. كذلك كان جلد يدي اليسرى يتدلى أيضا. أما جلد أصابعي فانسلخ على شكل قفاز.
ووجدت نفسي ممددة على الأرض. ولحظت أن رفيقاتي كلهن قد اختفين. ماذا جرى لهن؟ وتملكني رعب جنوني. وأردت أن أركض ولكن أين المهرب؟ ليس حولي غير أنقاض ولا علامة أهتدي بها. ثم ماذا جرى للفضاء الذي كان صافي الزرقة منذ لحظات؟ لقد أصبح شديد السواد الليل تماما. كل شيء حولي ضبابي وغامض. فكان غيمة غطت عيني، حتى لقد تساءلت هل فقدت حواسي؟ وأخيرا شاهدت جسر تسورومي فأسرعت اليه قفز فوق الأنقاض لأرى تحته مشهدا رهيا.
و رايت الناس بالمئات يتخبطون في النهر. لم أستطع التمييز بين الرجال والنساء حالتهم جميعا واحدة. وجوه منتفخة وشعور مدلاة، وأيد مرتفعة. رموا بأنفسهم في النهر وهم يثنون من الألم. وأحسست برغبة قوية بان أرمي
في النهر لعلي أتخلص من ألم يحرق جسمي كله ... ثم تراجعت جهني السباحة، وتجاوزت الجسر والتفت إلى الوراء، فرأيت النار قد
10 اندلعت في بقع جديدة، عجبت لذلك. ثم تابعت الركض وأنا أردد أسماء أبنائي. إلى أين أركض؟ لم أكن أعلم غير أنني كنت لا ازال ألمح مشاهد رعب في كل مكان.
هذه والدة غطى الدم وجهها وكتفها وهي مذعورة تحاول أن تدخل منزلا تلتهمه النيران. وامسك بها رجل وهي تصرخ به: دعني أذهب. دعني أدخل. ابني بحترق فيه. وتحت جسر كوجين الذي انهار نصف انهيار وتداعت حواجزه المبنية بالأسمنت المسلح، شاهدت جثة عائمة على وجه الماء كجثث الكلاب، عارية تقريبا، ممزقة الملابس. وعلى النهر رأيت امرأة مستلقية على ظهرها، غارقة بالدم وقد انشق ثدياها. كيف حدث مثل هذا الشيء الرهيب ... هنا تذكرت حكايات بوذية روتها لي والدتي عن جهنم حين كنت بنية صغيرة
ومضت علي ساعتان تقريبا وأنا في هذه الحالة من الضياع قبل أن بلغت ساحة الاستعراض العسكري. كانت حروقي مؤلمة. غير أن هذا الألم يختلف عن الم الحرق العادي. كان ألما مبهما ينبعث من الخارج على ما يبدو، ثم اندفع قيح أصفر اللون من يدي وحسبت أن وجهي لابد أن يكون بشعة جدة.
وفي ساحة الاستعراض هذه کان تلامذة ابتدائيون وثانويون، بناتا وصبيانا، يتقلبون على الأرض وهم يصارعون الموت. كانوا مثلي أعضاء فرق المتطوعين لمكافحة النيران والحرائق.
سمعتهم يصرخون بجنون: أماه .. أماه .. أجسادهم مشوهة دامية. النظر اليهم لم يعد يطاق. أكرهت نفسي على النظر اليهم وأنا أصرخ غاضبة: لماذا يحدث ذلك؟ لماذا يصاب هؤلاء الأطفال؟ على أنه لم يكن هنالك من اصب عليه جام غضبي. لم أكن أستطيع أن أفعل أي شيء غير أن أراهم يموتون، واحدة بعد الآخر، وهم ينادون أمهاتهم ولا من مجيب.
وبقيت مستلقية فاقدة الوعي تقريبا وقتا طويلا. ولما نهضت وعدت الى
11 مواصلة السير نظرت على مدى نظري الواهن فرايت كل شيء مشتملا. أحسست وجهي بتصلب شيئا فشيئا. ولمست خذي بحذر. وشعرت أن حجم وجهي قد تضاعف. ثم راح نظري بعد ذلك يخف شيئا فشيئا. هل سافقد بصري؟ مل ساموت بعد هذا العذاب كله؟ ولكنني واصلت السير حتي ضاحية المدينة.
وفي هذه البقعة البعيدة عن قلب المدينة لقيت شقيقتي الكبرى حية لم تصب إلا بعض الجروح في راسها وقدميها. لم تعرفني لأول وهلة، ثم انفجرت باكية. ونقلتني بعربة يد مسافة ثلاثة أميال الى اول مركز للإسعاف. وصلنا ليلا، وعلمت أن هناك كومة جثث وعددا لا يحصى من الجرحى. وبقيت في المركز ليلتين، فاقدة الوعي، وأنا أردد: اولادي. خذوني الى اولادي: كما قالت لي اختي فيما بعد.
: وفي الثامن من شهر آب/أغسطس، حملت على نقالة الى قطار قلت فيه الى قرية كاسومي حيث يوجد لي أقرباء. وقال طبيب القرية أن حالتي ميئوس منها. وهرع أولادي الي لكنني لم أكن أستطيع أن أراهم، ثم عرفتهم من رائحتهم الطيبة، وفي 11 آب/ أغسطس، انضم الينا زوجي، وبكى أبناؤنا فرحة وهم يعانقونه.
ولكن سعادتنا سرعان ما انتهت. فقد مات زوجي فجأة بعد ثلاثة أيام والدم يفور من فمه، رغم أنه لم يكن يبدو عليه أي اثر لإصابة أو لجرح. لقد تزوجنا منذ 16 عاما. وها انا الآن أشرف على الموت ولا استطيع ان اضع رأسه على مخدة الموت، كما كان يجب أن أفعل.
وقلت لنفسي ينبغي أن لا أموت رحمة باولادي. ونجوت في النهاية باعجوبة بعد أن توهم الجميع أنني انتهيت، ثم استعدت نظري ببعض السرعة. وبعد عشرين يوما بدأت أتبين ملامع أبنائي. لكن الحروف التي أصابت وجهي ويدي لم تشف بسرعة. وبقيت منتفخة أشبه شيء بالطماطم المهترئة. ولم استطع المشي قبل شهر ديسمبر ولما نكت الضمادات في يناير علمت انني سأبقى مشوهة الوجه واليدين. أما أذني فباتت في نصف حجمها الطبيعي، في حين أن ورما اسود اللون بعرض الكف كان يمتد من رأسي الى فمي عنقي، كما أنه كان هنالك ورم آخر بعرض خمس سنتيمترات يمتد من معصمي حتى الخنصر من يدي اليمنى. وأما أصابع يدي اليسرى فالتصق بعضها ببعض عند اتصالها باليد.
لقد جاء كل هذا على لسان امرأة يابانية عاشت أهوال قنبلة هيروشيما بكل دقائقها ومآسيها. وما زال مجرمو أميركا بحلمون ببسط سيطرتهم ونفوذهم على العالم كله، عبر إفناء البشرية بالقنابل الأكثر تطورا وتكنولوجية من القنبلة الذرية
وطالما هناك انسان واحد على وجه الأرض فإنه سيتذكر دوما بان الولايات المتحدة الأميركية هي أول دولة في العالم استخدمت القنبلة الذرية ضد الانسان والانسانية، واي سلام أميركي هو هذا الذي تبشر العالم به وتسعى في سبيله؟ إنه السلام القائم على القنبلة النيوترونية ذاتها الكفيلة بمحو الملايين من البشر عن خارطة الوجود لقاء حلم جنوني يراود مخيلة الرئيس الأميركي ورؤوس البنتاغون وهي ذاتها التي تظاهر ضدها الملايين في أوروبا وأميركا والعالم. 
المراجع
1 - الموسوعة العسكرية، بإشراف المقدم الهيثم الأيوبي. المجلد الأول.
المؤسسة العربية للدراسات والنشر. الطبعة الأولى، بيروت 1977. 2 - سعيد الجزائري والمخابرات والعالم، دار الحياة. الطبعة الثانية.
بيروت، دون تاريخ. 3 - ج. برنارد هاترون مدرسة الجواسيس، ترجمة غسان درويش. بيروت
1993
4 - مجلة رالفکر العسكري، (تصدر عن وزارة الدفاع السورية). العدد
الثالث، أيار/ مايو - حزيران/يونيو 1984. ص 30 - 39. 5 - مجلة الكفاح العربي، البيروتية (عدد (جين لاروك، أدميرال السلام
الأميركية، العدد 310 - 998. الاثنين 23 - 29 يوليو 1984. ص 30 - 33.







مصادر و المراجع :

١- موسوعة الامن والاستخبارات في العالم

المؤلف: د. صالح زهر الدين

الناشر: المركز الثقافي اللبناني للطباعة والنشر والتأليف والترجمة - بيروت

الطبعة: الاولى

تاريخ النشر:2002 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید