المنشورات

فضيحة الموساد في سويسرا.

يتفاجأ البعض أحيانا عندما يرى أن في الجاسوسية أيضا تمييزة ومفاضلة، أو بالأحرى "أبناء ستة وأبناء جارية". هذا ما يحصل تماما بين جواسيس الموساد في عملياتهم " النوعية " في دول العالم، وبين جواسيس الدنيا الآخرين، وبصورة خاصة، جواسيس الدول العربية أو الإسلامية. فتقوم الدنيا ولا تقعد إذا تم إعتقال أي عربي أو أي مسلم في بلد أوروبي أو أميركي راقم بالتجسس على الكيان الصهيوني، فيصبح عندئذ من أكثر الرموز " إرهابا وتخريبة" في كل وسائل الإعلام - الصهيونية والموجهة صهيونيا. أما إذا حصل العكس وكان المعتقل إسرائيليا - جاسوسا كان أم قات؟ أم محربا - في أي بلد أجنبي، فإن المطلوب أن يلقى أرقى أشكال المعاملة، مثلا:
ففي أيلول من عام 1997 قام عدد من الجواسيس الإسرائيليين في عمان بمحاولة قتل علنية ضد خالد مشعل وأصابوه بذلك الجهاز القاتل ثم فروا إلى السفارة الإسرائيلية بعد مقاومة حراس مشعل وملاحقتهم للقبض عليهم. وبعد ترتيب دواء يلغي دور الجهاز القاتل وعودة مشعل إلى صحته الطبيعية، أعيد الجواسيس الإسرائيليون إلى تل أبيب دون محاكمة ودون إعتذار؟.
وإذا كانت حكومة النروج مثلت إستثناء راقية في حماية القانون وحقوق الإنسان دون مواربة وخجل، حين قضت بالحكم بالسجن على مجموعة
جواسيس إسرائيليين في أوروبا والتي قبض عليها بعد قتل مواطن مغربي هناك، فإن سويسرا المحايدة والتي تفتخر بأنها دولة فرض القانون على الجميع، ويضرب فيها المثل في سيادة القانون، لم تستطع لا هي ولا قضاؤها أن يفعلا شيئة تجاه جاسوس إسرائيلي قبض عليه في عام 2000 متلبسا بالجرم المشهود. وإليكم القصة كما نشرها مختلف وسائل الإعلام السويسرية والأميركية.
"مستر موساد":
في 31 تموز عام 2000 حوکم جاسوس إسرائيلي قبض عليه أثناء قيامه بمساعدة مجموعة تجسس إسرائيلية أخرى بزرع أجهزة تنصت في مترل أحد المواطنين السويسريين من أصل لبناني. فقد شاهد الجيران في نفس البناء هؤلاء الإسرائيليين وأبلغوا الشرطة، وهذه عادة حسنة متبعة في سويسرا التي يعتبر فيها كل مواطن مسؤولا عن سلامة بلاده وأمنها وعن المحافظة على القانون. لكن هذا الجاسوس رفض أمام المحكمة السويسرية التصريح باسمه الحقيقي وهذا ما دفع القاضي هانس فيبريختيغير، رئيس محكمة الجنايات في سويسرا بإطلاق اسم من عنده عليه هو "السيد موساد" رغم أنه يعرف كافة تفاصيل عملية تجسسه. وكانت المخابرات الإسرائيلية قد زودت القاضي بسجل مزيف عن هذا الجاسوس الذي أطلق عليه قادته في الموساد إسم "ليجيند" (الأسطورة). فالموساد الإسرائيلي أرسل تفصيلا عن هذا الجاسوس معترفا بأنه يعمل في المخابرات الإسرائيلية وأن اسمه إسحاق بينتال وأنه من مواليد 10 تموز 1909 دون ذكر الاسم والده أو والدته أو مهنتهما وأين يقيمان.
والطريف أن من سندعوه "مستر موساد" إعترف أمام القضاة بكل التهم المنسوبة إليه دون مواربة حين اعتقل في شباط عام 1998 وهو يربط أجهزة الإتصال والتنصت في منزل اللبناني السويسري في مدينة بيرن. وقال إن من كلفه بهذه المهمة هو شخص يدعى "دان". ولم يتمكن أو يرغب القضاة ريما بالدخول في تفاصيل تتعلق بأربعة إسرائيليين آخرين؛ رجلان وامرأتان) كان هو خامسهم. واعتقلت الشرطة هؤلاء الأربعة معه أثناء تركيبه للأجهزة في نفس المكان ونفس الليلة، لكن رجلا وامرأة من بينهم زعما أنهما كانا يمارسان الجنس في المكان هناك. وزعمت إمرأة أخرى كانت بصحبة الإسرائيلي الآخر يحرسان بوابة البناء، أنها أصيبت بنوبة قلبية، ما دفع الشرطة إلى طلب سيارة إسعاف أقلتها هي والإسرائيلي الى المستشفى ثم فرا فيما بعد من هناك.
وعلى هذا النحو لم تلحق هذه العملية الخرقاء، والمحاكمة الغريبة أي نتائج سيئة بالموساد ولا بال" المستر موساد" (بينتال) لكن سمعة "الموساد" التي كانت تخيف كثيرة والشهرة المزعومة به في الحصول على أدق المعلومات، أصيبت بضربة قاسية لأن اللبناني السويسري كان قد سلم الشقة التي حاول الموساد وضع أجهزة التنصت فيها منذ زمن وطلق زوجته السويسرية أيضا وانتقل إلى مترل آخر بعيد عنه. ولذلك سخر أحد ضباط المخابرات السويسريين من الإسرائيليين حين قال في شهادته أمام المحكمة إنه كان من الأفضل للموساد أن يطلب عبر القنوات الخلفية المعتادة من الشرطة الإتحادية السويسرية عنوان ذلك اللبناني / السويسري ورقم هاتفه قبل أن يتوجه الجواسيس الى شقة معزولة قديمة لم يعد يسكن فيها هدفهم المنشود. |
وفي النهاية، أصدرت المحكمة السويسرية للجنايات قرارا بحبس السيد بينتال مدة 12 شهرة مع وقف التنفيذ وبمنعه من دخول الأراضي السويسرية لمدة خمس سنوات. وعلى الفور، اعتبرت بعض الصحف السويسرية أن هذا القرار كان "حكيمة" جدة؟ ولم يطلب محامي الجاسوس بينتال أي استئناف ضد هذا الحكم الذي يعد أول سابقة على جاسوس أجنبي يقبض عليه متلبسا ويعترف بالتهم المنسوبة إليه.
وكانت التهم على النحو التالي: 1 - القيام بأعمال ممنوعة مخالفة للقانون في دولة أجنبية. 2 - القيام بمهام تجسسية سياسية. 3 - إستخدام أوراق ثبوتية مزيفة.
وقال رالف زلوتشوور محامي رجل الموساد بينتال إن التهم المنسوبة إليه هي محاولة زرع أجهزة تنصت على خط هاتف عبدالله عز الدين (المواطن السويسري الذي يشتبه الموساد أنه على علاقة بحزب الله. والطريف أن كافة الأجهزة التي كان يستخدمها بينتال في مهمته هذه صادرها الشرطة وهي بين يديه. وفي معرض مداولات المحكمة قال القاضي فيبريختيغير إن بينتال "خرق السيادة السويسرية بأسلوب لا يمكن تحمله، وأنه كان على الموساد إبلاغ السلطة السويسرية المختصة بالمخابرات عن شکو که. ومع ذلك ما زالت هناك نقطة في صالح المتهم وهي اعتقاده أن عمله هذا يبعد الخطر عن بلده إسرائيل. وكان ملزما بإطاعة الأوامر واعترف بمعظم التهم الواردة في لائحة الإقام".
ولعل هذا الجاسوس يمكن أن يدخل سجل "غينيز" ... لأنه الأول في تاريخ العالم الذي لا يقضي في السجن إلا شهرين، وقامت إسرائيل بعد قضائه هذه المدة بدفع كفالة بقيمة 1?2 مليون جنيه إسترليني لإخلاء سبيله ريثما تتم إجراءات محاكمته وصدور قرار الحكم. ولذلك عاد إلى إسرائيل وقام بالسفر بعد ذلك الى سويسرا لحضور محاكمته بتهمة الجاسوسية بمرافقة ديبلوماسيين إسرائيليين. ومنذ ذلك الوقت توقع الجميع أن يصدر بحقه حكم مخفض جدة. وتقول مجلة "الجاسوس العالمي" إن سويسرا كانت ستتورط في التسبب بعلاقات متوترة مع إسرائيل لو أنها أصدرت قرار حكم مختلف، خصوصا وأنها تعرضت لحملة إسرائيلية إقمت فيها بإخفاء أموال الضحايا اليهود الذين قضوا على أيدي النازية في الحرب العالمية الثانية.
واعترف القاضي فيبريختيغير أن الحكم الصادر بحق بينتال كان مخفضة جدة إذا ما قورن بقرارات حكم مماثلة قضت بالسجن 20 عاما على تقم كهذه. لكنه لم يعترف أن سبب ذلك هو الخوف من ابتزاز إسرائيل وحملتها على سويسرا. ولذلك لم يكن مستغربا أن يعرب نائب المدعي العام السويسري فيليكس بايتريغير الذي لم يطالب إلا بإصدار حكم من 10 شهرة فقط على الجاسوس الإسرائيلي عن "تفهمه" وقبوله بالحكم لمدة 12 شهرة مع وقف التنفيذ. وقال إنه راض لأن الحكم أخذ بالاعتبار جميع المسائل. أما رئيس الحكومة إيهود باراك في ذلك الوقت من عام 2000، فقد أبدى تقديره لدولة سويسرا الإتحادية وأثنى على المهام التي يقوم بها رجال الموساد في الخارج وما يتعرضون له من أخطار؟ (أي أخطار هذه؟ الإفراج بكفالة مالية والسجن مع وقف التنفيذ؟).
حملة إسرائيلية لإبتزاز السويد:
ولعل أكثر ما يثبت الابتزاز الإسرائيلي السياسي والتجسسي في هذا العالم هو محاولة إسرائيل الآن شن حملة على دولة السويد لأن المسؤولين في الحكومة السويدية أعلنوا عن رفض السويد الممارسات الإسرائيلية الوحشية ضد الشعب الفلسطيني. فقد بدأت حكومة إسرائيل تجمع الآن ملفا يتعلق بأسماء يهود وضعوا أموالا في بنوك السويد منذ الحرب العالمية الثانية ولم يحصلوا عليها في ظروف الحرب. وإسرائيل تعرف أن القانون السويدي لا يجيز المطالبة بأموال معينة في البنوك بعد مرور وقت طويل ومحدد بموجب القانون، لكن شارون رغم ذلك لا بد أن يكلف أجهزته بإعداد ما يمكن أن يستخدم ضد السويد حتى لو كان تلفيقا.
ولذلك لن يكون من المستغرب في المستقبل القريب أن تشهد وسائل الإعلام الأوروبية حملة إسرائيلية واسعة ضد السويد ومحاولة إرهاها على غرار إرهاب سويسرا المحايدة إسمية فقط.
والواقع، أنه تبين في سياق تحقيقات متسارعة بشأن هذه العملية الفاشلة، أن هدفها كان زرع أجهزة تنصت على هاتف مواطن سويسري من أصل لبناني إسمه "عبدالله الزين" بعد الاشتباه في أنه من الإسلاميين. لكن هذا المواطن كان قد غادر المبنى قبل أربع سنوات، بعدما انفصل عن زوجته السويسرية لأسباب دينية. ومن هنا تبين أن عملاء الموساد تحركوا بناء على معلومات خاطئة من مخبرين محليين.
وتبعا لمصادر بريطانية، فإن الهدف من العملية الفاشلة، كان اغتيال إثنين من رجال الأعمال تتهمهم إسرائيل بتقديم العون إلى "حزب الله". وأضافت المصادر التي استقت معلوماقا من مسؤول كان في محطة الموساد في بروكسل، أن أحد اللذين كان مقررة إغتيالهما هو عبدالله الزين
وأوضحت أنه بعد فشل العملية تم الإعلان أن الهدف كان زرع أجهزة تنصت في شقته. كما أن العميل الذي اعتقل كان مجهزة بأجهزة رش تحتوي السم الذي استخدم ضد خالد مشعل في عمان.
هذا، ويذكر أن سويسرا (الحيادية) تعرضت لحملة مبرمجة من قبل الكيان الصهيوني وجماعات مؤيدة له، بذريعة "سرقة ملايين الدولارات وكمية كبيرة من الذهب كانت مودعة في مصارفها خلال الحكم النازي بأسماء ذكر أهم من اليهود". كما واجهت سويسرا إقامات بالاحتفاظ بعضه (ملكة لضحايا
النازية).
إضافة لذلك، لم تكن عملية بيرن الفاشلة هذه، أولى عمليات (الموساد) فوق الأراضي السويسرية. ففي عام 1963 إعتقل عميلان هذا الجهاز في بيرن لتهديدهم أحد أفراد عائلة ألماني من علماء برنامج تطوير الأسلحة في مصر. وفي العام 1969 سجن عميل سري إسرائيلي يعمل في شركة
العال)، في السجون السويسرية شهورة عدة، عقب إطلاقه النار على فلسطيني في مطار سويسري.
ومهما يكن من أمر، فإن فشل عملية سويسرا الموسادية وفضيحتها، ليست الأولى في تاريخ الموساد، ولن تكون الأخيرة. كما أنها تبرز هشاشة هذا الجهاز و "مستودع معلوماته" المحفوظة في "ستوكات" ينفض عنها غبار الزمن في أوقات غير مناسبة، وبعد فوات الأوان، فيحصد الخيبة والإخفاق والفضيحة دفعة واحدة، (وبالجملة وليس بالمفرق) ليحصل على "الحسم المناسب.
1 - "المحرر العربي". العدد 332. من 8 إلى 14 شباط 2002 ص 18.
2 - قصي عدنان عباسي "المخابرات الإسرائيلية ". دار علاء الدين. دمشق 2001. ص 194 - 199.









 مصادر و المراجع :

١- موسوعة الامن والاستخبارات في العالم

المؤلف: د. صالح زهر الدين

الناشر: المركز الثقافي اللبناني للطباعة والنشر والتأليف والترجمة - بيروت

الطبعة: الاولى                      

تاريخ النشر:2002 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید