المنشورات

بلاك، جورج:

هو أحد أخطر الجواسيس السوفيات الذي هز بريطانيا وفرنسا من خلال عمله التجسسي ض د بريطانيا، وهو البريطاني الذي برع في أن يكون عميلا مزدوجة بامتياز. ومما أقلق البريطانيين أن جورج بلاك لم يتجسس للسوفيات من أجل المال، ولا من أجل النساء ولا من أجل المجد ... بل كانت دوافعه " إيديولوجية لا أكثر " - كما صرح للبريطانيين أثناء اعتقاله واستجوابه. أحدث جورج بلاك فضيحة كبيرة في أجهزة المخابرات البريطانية بعد أن تأكدت هذه المخابرات، بعد سنوات طويلة من العمل في صفوفها، أنه كان مزعجا لها أكثر من الإزعاج الذي سببته "عصابة كامبردج ": كيم فيلبي، و کرين کروس وبلانت، لها.
ولد جورج بلاك سنة 1924، لكنه تربى في كنف عمته المقيمة في القاهرة وتدعى " زافريدة "، وكان ذلك عام 1939، في الثانية عشرة من عمره، حيث كانت عمته هذه إحدى نجوم المجتمع الراقي في مصر.
وفي ذلك الحين، كانت مصر تموج بالحركة الوطنية المناوئة للإنكليز في الفترة التي ارتقى فيها العرش الملك فاروق. وكان عدد من المتنورين المصريين والأجانب يخوضون النضال في خضم تلك الحركة بعد أن قرأوا کارل مارکس وسمعوا سعد زغلول وتأثروا بالأفكار النهضوية. ومن بين هؤلاء كان الشاب " هنري کوريال " ابن الست زافريدة، الذي لم يمنعه ثراء أهله ووجاهتهم ومكانتهم في المجتمع من إبداء مواقف عنيفة في شيوعيتها وفي ارتباطها بالحركة الوطنية المصرية. وكان كوريال قد أقام علاقات مع موسكو، وتحديدا عن طريق طالب في جامعة الأزهر، مسلم الدين، مارکسي التوجه، اسمه عبد الرحمن سلطانوف.
وهكذا تأثر جورج بلاك بابن عمته هنري کوريال الذي كان يكبره قليلا، حتى أنه أصبح يلازمه كالظل. وعندما توجه بلاك ذات يوم من العام 1940 إلى هولندا ليقضي بضعة أسابيع إجازة لدى أمه (الهولندية) في هولندا، غزت قوات أدولف هتلر هذه البلاد، فانضم بلاك إلى المقاومة المعادية للنازيين، فقبض عليه هؤلاء، لكنه تمكن من الهرب إلى إسبانيا، حيث اعتقل من جديد، لكن الاتفاق الإسباني - البريطاني المفاجئ أنقذه ووصل إلى جبل طارق کلاجي.
ونتيجة هذا اللجوء، وصل إلى لندن، فتكمن من الانضمام إلى جهاز المخابرات البريطاني السري التابع لسلاح البحرية والمعروف باسم (SIS) ،  حال وصوله، ليبقى في خدمة الجهاز حتى تسريحه في العام 1947. وكان يومذاك في سن الخامسة والعشرين، ضابطا في البحرية وناجحة في لندن، دون أن تعرف المخابرات البريطانية تاريخه الماضي مع هنري کوريال الذي كان ملقه ضخمة ومفصلا لديها.
دخل جورج بلاك متتلمذة في " داوننغ كولدج " التابعة لجامعة كامبردج، على النقيب " أنطوني كورناي " الذي لقنه كل ما لا يعرفه من مبادئ التجسس والمهمات السرية. وفي العام 1948، كلف بمهمة رسمية أولى كعميل في أجهزة المخابرات البريطانية العسكرية البحرية في بريطانيا، وكانت تلك المهمة التي قادته إلى سيول في كوريا - عبر القاهرة حيث التقى فيها رفيقه القديم عبد الرحمن سلطانوف الذي كان مقيما بشكل رسمي في سفارة الاتحاد السوفياتي في القاهرة، واتفقا على التعاون لمصلحة المخابرات السوفياتية (ك. جي. بي.)، في الوقت الذي كانت فيه حكايات نضالات هنري کوريال وبطولاته تملأ أروقة القاهرة وصالوناقا.
وبعد القاهرة، توجه بلاك إلى سيول ليبدأ مهماته - لحساب البريطانيين - وتقاريره - لحساب السوفيات. وكما يبدو أن أهم ما فعله في العاصمة الكورية إنما كان إبلاغه البريطانيين بحتمية هجوم الشماليين الشيوعيين على القسم الجنوبي من كوريا، بينما لم يصدق البريطانيون ذلك، في الوقت الذي حصل فيه فعلا كما توقعه، وأسر بلاك من قبل الكوريين الشماليين ثم أطلق سراحه.
وفي لندن، تزوج من " غليان آلن "، وبعد سنة من زواجهما أرسلا معة إلى برلين لينضما إلى موظفي السفارة البريطانية هناك، في الوقت الذي انتقل فيه كوريال ليعيش في باريس، عاملا مع الثورة الجزائرية، وربما أيضا مع السلطات المصرية الناصرية. بعدها أرسل جورج بلاك من قبل المخابرات البريطانية إلى لبنان ليدرس العربية في معهد شملان (قضاء عاليه)، حيث وصل في أيلول 1990 والتحق فورا بالمعهد.
هذا، وبعد شهر تقريبا، (أي في شهر تشرين الأول)، قبض الإنكليز على عميل مزدوج من أصل بولندي يدعي" هورست إيتنر "، حيث اعترف خلال التحقيق معه بأن جورج بلاك، مثله، عميل مزدوج مؤكدا أن بلاك قد نقل إلى السوفيات وهو في برلين معلومات موثوقة مكنتهم من القبض على عشرين عميلا غربية في برلين، كما کشف لهم أسرار العديد من الشبكات العاملة مع الغرب، ففككوها، والأخطر من هذا كله، أن بلاك هو الذي أخبر السوفيات بتفاصيل النفق السري الذي أقامه الغربيون تحت برلين لكي يتمكنوا عبره من رصد شبكات الاتصال السوفياتية.
وعلى هذا الأثر، استدعي جورج بلاك إلى لندن واعتقل، واعترف بأن دوافعه للعمل مع السوفيات " إيديولوجية لا أكثر ". وفي العام 1966، هرب من السجن وظهر في موسكو بصحبة صديقه الجديد كيم فيلبي، و " عصابة كامبردج "، مما أذهل المخابرات البريطانية، وأضاف نقطة سوداء إلى تاريخها.











مصادر و المراجع :

١- موسوعة الامن والاستخبارات في العالم

المؤلف: د. صالح زهر الدين

الناشر: المركز الثقافي اللبناني للطباعة والنشر والتأليف والترجمة - بيروت

الطبعة: الاولى                      

تاريخ النشر:2002 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید