المنشورات

زورغ، ريخالد:

هو أحد عملاء المخابرات السوفياتية الذي فضح أحد أهم أسرار ألمانيا الهتلرية المسماة يومها " خطة باربروسا " (أو عملية بربر وسا)، وهي خطة هجوم عسكرية ضد الاتحاد السوفياتي، تلك التي لم يكن يعلم بها سوى عدد محدود جدا من الناس. 
ف في هذه الخطة، تم تحديد التاريخ الدقيق لبداية شن الحرب، الذي كان يعتبر س الأسرار. ومع ذلك أقدم أحد رجال المخابرات قبل ث لاثة أشهر من الهجوم النازي الفاشي على الاتحاد السوفياني على فضح أفكار رئاسة الأركان الهتلرية، وسمي ذلك التاريخ 20 - 22 حزيران سنة 1941. وكان هذا الرجل هو " ريخالد زورغ ".وريخالد زورغ هو ألماني الأصل. حيث في عام 1924، عقد في برلين مؤتمر الحزب الشيوعي الألماني. أرسلت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العموم روسيا (البلشفي) وفدها المقرر لحضور هذا المؤتمر. قامت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الألماني بتأمين حراسة خاصة للوفد الشيوعي السوفياتي، ترأسها ريخالد زورغ. وكان انطباع أعضاء الوفد عن ريخالد زورغ انطباعة حسنة، الأمر الذي جعلهم يدعونه لزيارة موسكو مصطحبا زوجته معه في مستهل عام 1920، وصل زورغ وزوجته كريستينا إلى الاتحاد السوفياتي (استشهدت کريستينا لاحقا خارج البلاد أثناء قيامها بتنفيذ
مهمة مخابراتية).
عمل زورغ، فيما بين عامي 1920 و 1927 في جهاز الكومنترن في موسكو. وهنا تقدم للانتساب إلى الحزب الشيوعي العموم روسيا (البلاشفة. وفيما بين عامي 1929 - 1927، عمل زورغ مديرة لنادي الشيوعيين الألمان في منطقة كراسنا بريسينسكي في العاصمة. أما المرحلة الهامة اللاحقة من حياته، فكانت العمل
ف ي قسم العلاقات الدولية في الكومنترن (كان هذا القسم مختصة بتنظيم عمل المخابرات الخارجية). وفيما بين عامي 1927 و 1929، زار ريخالد زورغ إنكلترا والدول الإسكندينافية وإيطاليا، حيث كان يدير عملا مخابراتية سرية على خط الكومنترن.
في شباط 1933، وصل النازيون إلى السلطة في ألمانيا. حينها أقدم عدد ليس بالقليل من أعضاء الحزب الشيوعي الألماني على الانسحاب من الحزب وانتسبوا إلى الحزب النازي.
استغل زورغ هذا الوضع، ليسافر إلى برلين، حيث أقدم هو الآخر على الانتساب إلى صفوف الاشتراكيين - القوميين. إلا أن زورغ، طلب أن يستلم بطاقة عضوية الحزب في سفارة ألمانيا في طوكيو، حيث كان يقوم بمهمة صحفية هناك، مقدرة أن هذا الأمر سوف يترك انطباعا حسنا عنه لدى السفارة الألمانية.
س افر زورغ إلى طوكيو عبر واشنطن. وخلال السنوات الأولى التي قضاها في اليابان، تمكن زورغ، بصفته صحفيا، من الاستفادة من مهنته في جمع المعلومات المخابراتية ليصل من خلالها إلى إقامة علاقات مع موظفي السفارة الألمانية. لكن "المركز" لم يكن راضيا عن عمله، وسرعان ما كلفه بمهمة محاولة الحصول على عمل في السفارة الألمانية نفسها. أما زورغ، فكان يعلم جيدا مدى خطورة مثل هكذا مهمة، لأن ذلك سوف يدعوهم للبحث الدقيق عن تاريخه في ألمانيا. أخبر زورغ " المركز " عن مخاوفه هذه، إلا أن " المركز " أصر على تنفيذ المهمة.
ف ي النتيجة، قدم زورغ من خلال صديقه فولف - الصديق المقرب من السفير الألماني أوتو طلبا، يرجو فيه أن يتم ضمه إلى طاقم السفارة. أرسل أوتو إلى وزارة الخارجية الألمانية الوثائق اللازمة، حيث تم هنالك إرسالها إلى جهاز الاستخبارات الألماني الغستابو) للبحث. إلا أنه ولأسباب مجهولة، لم يجر الغستابو البحث والاستقصاء عن تاريخ زورغ في ألمانيا (فلو أهم استقصوا، لكانوا قد علموا بأن زورغ هذا، هو حفيد الثوري الألماني المشهور زورغ، الذي كان يتراسل مع کارل مارکس، وأيضا بأن زورغ الحفيد كان من نشطاء الحزب الشيوعي الألماني).
واكتفت الغستابو بتكليف موظفها القابع في طوكيو، العقيد مايزنغر، بحل هذه المسألة هناك. كان مايزنغر رئيسة للمخابرات المضادة، الذي بدوره قدم شهادة حسن سلوك بحق زورغ، الأمر الذي جعله يقبل في السفارة، ويصبح أحد أعضاء البعثة الدبلوماسية الألمانية في طوكيو، في وظيفة رئيس الخدمات الصحافية.
وهكذا تمكن زورغ من إيجاد الطريق إلى لوائح التشفير الخاصة بالسفارة.
وصلت نتائج عمل زورغ الاستخباري في تلك الأيام إلى أبعاد غير متوقعة، إلى تلك الدرجة التي فاقت فيها جميع التوقعات. فهو، عادة، كان يقدم معلومات عن سياسة الحكومة اليابانية المتعلقة بالاتحاد السوفياتي، وعن العلاقات المتبادلة بين ألمانيا واليابان. وهو الذي بلغ بأن ألمانيا سوف تهاجم الاتحاد السوفياتي في عام 1941، وعن أمكنة انتشار و تمركز القوات الألمانية على الجبهة السوفياتية - الألمانية في عام 1990.انتشرت القوات الألمانية انتشارا هائلا في خريف 1941 حول موسكو، في منطقة الفولغا شتاء 1992. أثناءها لعبت الفرق السيبيرية المنقولة إلى الجبهة دورا كبيرا في إحراز انتصارات شتى في المعارك التي دارت مع القوات الألمانية.
إلا أن قليلا من الناس كان يعلم بأن قرار نقل القوات من أقصى الشرق، إنما اتخذ، بعد وصول معلومات مؤكدة عن أن الاتحاد السوفياتي لا تمدده أخطار قادمة من جهة اليابان.
أما رجل المخابرات السوفياتي الذي كان قد حصل على هذه المعلومات المؤكدة، فهو ليس سوى " ريخالد زورغ ".
وهذا هو الان دالاس (كبير الاستخباريين الأميركيين) يكتب في كتابه " فن رجل المخابرات " قائلا أن "هذه المعلومات إذا ما قورنت وزنا، فإنها تفوق قوة فرقة بكاملها ....
ومثل هذا التقرير يقدمه أيضا رئيس المخابرات الجنرال "ماکارتور " والجنرال " أولاتسبي " في كتاب وثائقي صدر تحت عنوان " مؤامرة شانخايسكي ": ... استطاع زورغ أن يكون أكثر التنظيمات روعة ... كان جميع أعضاء مجموعته، على غير ما هو مألوف، يعملون من أجل المبادئ، من أجل قضية عامة، لا من أجل
المال.
وتلك الإمكانيات التي كانوا يتسلموها من " المركز " كانت حسب معلوماتنا، متواضعة جدا، حيث كانوا يستأجرون شقق سكنية متواضعة، ويقترون في المصاريف أثناء تنقلاتم في الوقت الذي كانت فيه قيادات المخابرات السوفياتية والجيش الأحمر على دراية مستمرة بجميع خطط القوات المسلحة الألمانية واليابانية ".
في الساعة العاشرة وعشرين دقيقة حسب توقيت طوكيو، من يوم 7 تشرين الثاني من عام 1944، وفي زنزانة صغيرة في أحد سجون طوكيو، واجه زورغ الموت بشجاعة منقطعة النظير، کرجل قام بتنفيذ واجبه.
وكانت الكلمات الأخيرة التي نطق بها: " يحيا الجيش الأحمر! يحيا الاتحاد السوفياني".
أما مذكراته التي كتبها، فقد استولى عليها الأميركيون.
ويجدر التنويه هنا، إلى أن الصحف السوفياتية، قد نشرت في تلك الأيام نص المرسوم الذي أطلق فيه لقب " بطل الاتحاد السوفياتي " على جميع أعضاء مجموعة زورغ. وورد اسم ريخالد زورغ من ضمن اللائحة، إلا أنه حينها لم يكن على قيد الحياة.
وقد طوق المجد عنق هذا البطل لأعوام قادمة عديدة









مصادر و المراجع :

١- موسوعة الامن والاستخبارات في العالم

المؤلف: د. صالح زهر الدين

الناشر: المركز الثقافي اللبناني للطباعة والنشر والتأليف والترجمة - بيروت

الطبعة: الاولى

تاريخ النشر:2002 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید