المنشورات
من فأل الشعر وطيرته
تفاءل حسان بن ثابت للنبي صلى الله عليه وسلم بفتح مكة فقال في كلمته المشهورة يخاطب بذلك مشركي أهل مكة ويتوعدهم:
عدمنا خيلنا إن لم تروها ... تثير النقع موعدها كداء
يبارين الأعنة مصغيات ... على أكتافها الأسل الظماء
تظل جيادنا متمطرات ... يلطمهن بالخمر النساء
ورأيت من يستحسن يلطمهن من لطمت الخبزة إذا نفضت عنها الرماد، فلما كان يوم الفتح أقبل النساء يمسحن وجوه الخيل، وينفضن الغبار عنها بخمرهن، فقال قائل: لله در حسان إذ يقول، وأنشد الأبيات. وروى قوم أن الناس أمروا بالسير إلي كداء تفاؤلاً بهذا البيت ليصح؛ فكان الأمر كما قال.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتفاءل، ولا يتطير، ويحب الاسم الحسن، وقال: " ثلاثة لا يسلم منهن أحد: الطيرة، والظن، والحسد " قيل له: فما المخرج منهن يا رسول الله؟ قال: " إذا تطيرت فلا ترجع، وإذا ظننت فلا تحقق، وإذا حسدت فلا تبغ ".
ومن مليح ما وقع في التفاؤل ما حكى محمد بن الجراح، وذلك أن أبا الشمقمق شخص مع خالد بن يزيد بن مزيد، وقد تقلد الموصل، فلما مر ببعض الدروب اندق اللواء، فاغتم خالد لذلك وتطير منه، فقال أبو الشمقمق:
ما كان مندق اللواء لطيرةٍ ... تخشى، ولا سوء يكون معجلا
لكن هذا العود أضعف متنه ... صغر الولاية فاستقل الموصلا
فسري عن خالد، وكتب صاحب البريد بخبر ذلك إلى المأمون، فزاده ديار ربيعة، وأعطى خالد أبا الشمقمق عشرة آلاف درهم.
وبغى جماعة من الكتاب على موسى بن عبد الملك، فأمر المتوكل بحبسه، قال: فرأيت في النوم قائلاً يقول:
أبشر فقد جاءت السعود ... أباد أعداءك المبيد
لم يظفروا بالذي أرادوا ... بل يفعل الله ما يريد
ووقف المتوكل منهم على أمر أوجب إيقاعه بهم، وأمر بإطلاقي وإعادتي إلى أشرف رتبة.
ولا بد من ذكر ما يتطير منه في باب غير هذا.
وقال قيس المجنون:
قضاها لغيري وابتلاني بحبها ... فهلا بشيء غير ليلى ابتلانيا
فما مات حتى برص، ورأى في منامه قائلاً يقول له: هذا ما تمنيت. ويقال: إن المؤمل بن أميل لما قال:
شف المؤمل يوم الحيرة النظر ... ليت المؤمل لم يخلق له بصر
نام ذات ليلة صحيحاً، فأصبح مكفوف البصر.
وتطير أبو الهول على جعفر بن يحيى البرمكي، فقال:
أصبحت محتاجاً إلى ضرب ... في طلب العرف من الكلب
إذا شكا صب إليه الهوى ... قال له: مالي وللصب
أعنى فتى يطعن في ديننا ... يشب معه خشب الصلب
فكان من أمر جعفر ما كان.
وكان ابن الرومي كثير الطيرة: ربما أقام المدة الطويلة لا يتصرف تطيراً بسوء ما يراه ويسمعه، حتى إن بعض إخوانه من الأمراء افتقده فأعلم بحاله في الطيرة، فبعث إليه خادماً اسمه إقبال ليتفاءل به، فلما أخذ أهبته للركوب قال للخادم: انصرف إلى مولاك فأنت ناقص، ومنكوس اسمك لا بقا..
وابن الرومي القائل: الفأل لسان الزمان، والطيرة عنوان الحدثان. وله فيه احتجاجات وشعر كثير.
مصادر و المراجع :
١- العمدة في محاسن الشعر
وآدابه
المؤلف: أبو على
الحسن بن رشيق القيرواني الأزدي (المتوفى: 463 هـ)
المحقق: محمد
محيي الدين عبد الحميد
الناشر: دار
الجيل
الطبعة: الخامسة،
1401 هـ - 1981 م
5 أبريل 2024
تعليقات (0)