المنشورات

باب ذكر الوقائع والأيام

قد أثبت في هذا الباب ما تأدى إلى من أيام العرب ووقائعهم، مستخرجة من النقائض وغيرها، ولم أشرط استقضاء وغيرها، ولم أشرط استقضاءها، ولا ترتيبها؛ إذ كان في أقل مما جئت به غني ومقنع، ولأن أبا عبيدة ونظراءه قد فرغوا مما ذكرت؛ فإنما هذه القطعة تذكرة للعالم، وذريعة للمتعلم، وزينة لهذا الكتاب، ووفاء لشرطه، وزيادة لحسنه؛ إذ كان الشاعر كثيراً ما يؤتى عليه في هذا الباب، وأنا أذكر ما علمته من ذلك في أقرب ما أقدر عليه من الاختصار إن شاء الله تعالى، بعد أن أقدم في صدره أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقائعه مع المشركين؛ لأنه أولى بالتقديم، وأحق بالتعظيم، ولما أرجوه من بركة اسمه، وافتتاح القصص بذكره.
غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة ودان على رأس الحول من الهجرة، ثم غزا عيرا لقريش بعد شهر وثلاثة أيام، ثم غزا في طلب كرز بن حفص حتى بلغ بدراً بعد عشرين يوماً، ووجهت القبلة إلى الكعبة، تم غزا بدراً فكان يوم بدر لستة عشرة يوماً خلت من شهر رمضان من سنة اثنتين، وكان المشركون يومئذ تسعمائة وخمسين رجلاً، والمسملون ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، فقتل من المشركين خمسون رجلاً، وأسر أربعة وأربعون، واستشهد من المسلمين أربعة عشر رجلاً.
يوم أحد: كان في شوال من سنة ثلاث. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبعمائة، وقريش في ثلاثة آلاف، وفي هذه الغزوة استشهد حمزة رضي الله عنه.
يوم الخندق: كان في سنة أربع يوم بني المصطلق وبني لحيان: في شعبان سنة خمس يوم خبير: في سنة ست وكان يوم مؤتة في سنة ثمان، واستشهد فيه زيد بن حارثة أمير الجيش، وجعفر بن أبي طالب أمير الجيش أيضاً بعده، وعبد الله بن رواحة أمير الجيش بعدها، وقام بأمر الناس خالد بن الوليد، وكانوا في ثلاثة آلاف.
وكان فتح مكة في شهر رمضان سنة ثمان، وبعده بخمس عشرة ليلة سار إلى حنين في شوال، ولقي رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع هوزان في شوال للنصف منه، فانهزم المسلمون، وكان الذين ثبتوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: علي بن أبي طالب، والعباس بن عبد المطلب، والفضل بن العباس بن عبد المطلب، وأبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وابنه، وأيمن بن عبد الله، وهو ابن أم أيمن، واستشهد ذلك اليوم، وربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، وأسامة بن زيد بن حارثة، وفي رواية أخرى أبو بكر، وعمر، وعلي، والعباس، وابنه، وأبو سفيان بن الحارث، وربيعة بن الحارث، وربيعة بن الحارث، وأيمن، وأسامة، ثم رجع الناس من وقتهم، وانهزم المشركون، وكانت الكرة عليهم لله ولرسوله.
ثم سار بعد حنين إلى " الطائف " فحاصرها شهراً، ولم يفتتحها، وغزا بلدة الروم في رجب من سنة تسع؛ فبلغ تبوك وبنى بها مسجداً، وهو بها اليوم وفتح الله عليه في سفره ذاك دومة الجندل على يدي خالد بن الوليد، وكل هذا مختصر من كتاب ابن قتيبة، وإياه قلدت فيما رأيت من هذه الطريقة، والله المستعان، وعليه توكلت وهذه أيام العرب: يوم " إراب " لبني ثعلبة بن بكر: رئيسهم الهذيل بن حسان، على بني رياح بن يربوع، وكان الهذيل سبي نساء بني رياح، والتقى بهم على إراب، وقد سبقه بنو رياح إليه ليمنعوهم الماء، حتى يرد السبي، فأقسم الهذيل: لأن رددتم إلينا ماء فارغاً لنأتيهم فيه برأس إنسان تعرفونه فاشتروا منه بعض السبي، واطلق البعض.
يوم " نعف فشاوة " لبسطام بن قيس رئيس بني شيبان، على بني يربوع، قتل فيه بجيراً، وأسر أباه أبا مليل، ثم من عليه من وقته، وترك له مليلاً ولده، وكان أسيراً عنده بعد أن كساه وحمله: يوم " نجران " للأقرع بن حابس في قومه بني تميم، على اليمن، هزمهم وكانوا أخلاطاً، وفيهم الأشعث بن قيس، وأخوه، وفيهم ابن باكور الكلاعي الذي أعتق في زمان عمر بن الخطاب رضي الله عنه أربعة آلاف أهل بيت في الجاهلية أسروا.
يوم " الصمد " هو يوم " طلح " ويوم " بلقا " ويوم " أود " ويوم " ذي طلوح " كلها يوم واحد، لبنى يربوع على بني شيبان ورئيسهم الحوفزان، ورئيس اللهازم أبجر بن بجير العجلي.
يوم طخفة وهو أيضاً يوم " ذات كهف " ويوم " خزار " في قول بعضهم لبني يربوع والبراجم على المنذر بن ماء السماء، أسروا فيه أخاه حسان، وابنه قابوس، وجزت ناصية قابوس، وكان ذلك بسبب إزالة الردافة عن عوف بن عتاب الرياحي.
يوم " المروت ": وهو يوم " إرم الكلبة " نقاً قريب من النباج، لبني حنظلة وبني عمرو بن تميم، على بني قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، وكان الذكر فيه لبني يربوع، وإنما أغارت قشير على بني العنبر فاستنقذ بنو يربوع أموال بني العنبر وسبيهم من بني عامر.
يوم مليحة: لبني شيبان على بن يربوع، رئيسهم بسطام بن قيس، وقتل ذلك اليوم عصمة بن النجار، فلما رآه بسطام قال: ما قتل هذا إلا لتثكل رجلاً أمه، فقتل به يوم العظالي قاتله الهبش بن المقعاس يوم اللوي: لفزارة على هوزان، وفيه قتل عبد الله بن الصمة، وأثخن أخوه دريد يوم الصليفاء: لهوازان على فزارة وعبس وأشجع، وفيه قتل دريد بأخيه ذؤاب بن أسماء.
يوم الهباءة: وهو يوم الجفر لعبس على ذبيان، وفيه قتل حذيفة بن بدر وأخوه حمل سيدا بني فزارة، وكان يقال لحذيفة رب معد.
يوم عراعر: لعبس على كلب وذبيان، وفيه قتل مسعود بن مصاد الكلبي، وكان شريفاً.
يوم الفروق: بين عبس وبني سعد بن زيد مناة، قاتلوهم فمنعت عبس أنفسها وحريمها، وخابت غارة بني سعد، وقيل لقيس بن زهير ويقال عنترة: كم كنتم يوم الفروق؟ قال: مائة فارس كالذهب، لم نكثر فنفشل ولم نقل فنذل.
يوم شعب جبلة: قال أبو عبيدة: كانت عظام أيام العرب ثلاثة: يوم كلاب ربيعة، ويوم شعب جبلة، ويوم ذي قار، وكان يوم الشعب لبني عامر بن صعصعة وعبس حلفائهم على الحليفين أسد وذبيان، ورئيسهم حصن بن حذيفة يطلب عبساً بدم أبيه، وتطلب عبس بن بغيض بدم أبيهم، ومعهم معاوية بن الجون الكندي في جمع من كندة، وعلى بني حنظلة بن مالك والرباب رئيسهم لقيط بن زرارة يطلب بدم معبد أخيه، ويثربي بن عدس ومعهم حسان بن الجون أخو معاوية وقيل: بل عمرو بن الجون وحسان بن مرة الكلبي أخو النعمان ابن المنذر لأمه.
وقال غير أبي عبيدة: كان مع أسد وذبيان معاوية بن شرحبيل بن الحارث بن عمرو بن آكل المرار، ومع بني حنظلة والرباب حسان بن عمرو بن الجون في جموع من كندة وغيرهم، فأقبلوا إليهم بوضائع كانت تكون مع الملوك بالحيرة وغيرها، وهم الرابطة، وجاءت بنو تميم فيهم لقيط وحاجب وعمرو بن عمرو، ولم يتخلف منهم إلا بنو سعد؛ لزعمهم أن صعصعة هو ابن سعد، ولم يتخلف من بني عامر إلا هلال بن عامر بن ربيعة بن عامر، وشهدت غني وباهلة وناس من بني سعد بن بكر وقبائل بجيلة إلا قشيراً، وشهدت بنو عبس بن رفاعة ابن بهثة بن سليم مرداس بن أبي عامر أبو العباس بن مرداس صاحب النبي صلى الله عليه وسلم، وشهد معهم نفر من عكل، فانتهى جميع أهل الشعب يومئذ ثلاثين ألفاً.
وجاء الآخرون عدد لا يعلمه إلا الله عز وجل، ولم يجتمع قط في الجاهلية جمع مثله، فانهزمت تميم وذبيان وأسد وكندة ومن لف لفهم، وقتل لقيط بن زرارة، طعنه شريح بن الأحوص، فحمل مرتثا فمات بعد يوم أو يومين، وأسر حسان بن الجون أسره طفيل بن مالك، وأسر معاوية بن الحارث بن الجون، أسره عوف بن الأحوص، وجر ناصيته وأطلقه على الثواب، ولقيه قيس بن زهير فقتله، وأسر حاجب بن زرارة، أسره ذو الرقيبة مالك بن سلمة بن قشير، وأسر عمرو بن عدس، أسره قيس بن المنتفق، فجز ناصيته وأطلقه على الثواب، وكان يوم جبلة قبل الإسلام بسبع وخمسين سنة، وقبل مولد النبي صلى الله عليه وسلم بسبع عشرة سنة، وفي يوم الشعب ولد عامر ابن الطفيل، هكذا روى محمد بن حبيب عن أبي عبيدة، وروى عنه غيره خلاف ذلك.
يوم أقرن: لبني عبس على بن تميم، وبخاصة بني مالك بن مالك بن حنظلة، وفي هذا اليوم قتل عمرو بن عمرو بن عدس، وابنه شريح، وأخوه ربعي، وكان عمرو بن عمرو خرج مراغماً للنعمان بن المنذر، فسبي سبياً من عبس، وغنم مالاً، وابتنى بجارية من السبي، فأدركته عبس فكان من أمره ما كان.
يوم زبالة: لبني بكر بن وائل، وبخاصة بني شيبان وبني تميم الله، رئيسهم بسطام، علي بني تميم ورئيسهم الأقرع بن حابس، أسر فيه الأقرع وأخوه فراس، واستنقذهما بسطام بعد أن حكم عليه عمران بن مرة بمائة ناقة.
يوم جدود: لبني سعد بن زيد مناة علي بن شيبان، وكانت بنو شيبان أغارت مع الحوفزان على سعد، فأدركهم قيس بن عاصم المنقري فقتلهم واستنقذ ما كان في أيديهم، وفاته الحوفزان لصلابة فرسه، فلما يئس من أسره حفزه بالرمح في خزانة وركه فانتقضت عليه بعد حول فمات منها
وسالمت في هذا اليوم بنو يربوع الجيش على تمر أخذوه منهم وفضل ثياب، فعيرتهم بذلك منقر.
يوم الكلاب الأول لسلمة بن الحارث بن عمرو المقصور، ومعه بنو تغلب والنمر بن قاسط وسعد بن زيد مناة والصنائع، على أخيه شرحبيل ابن الحارث بن عمرو ومعه بكر بن وائل بن حنظلة بن مالك وبنو أسد وطوائف من بني عمرو بن تميم والرباب، ولم يكونوا ذلك الوقت يدعون رباباً، وإنما ترببوا بعد ذلك، حكاه أبو عبيد، فقتل شرحبيل: قتله أبو حنش عاصم بن النعمان الجشمي، ويقال: بل قتله ذو الثنية حبيب بن عتبة الجشمي، وكانت له سن زائدة، وهو أخو أبي حنش لأمه، وهي سلمى بنت عدي بن ربيعة أخي مهلهل، هكذا أثبتوا في هذا الموضع أن عديا أخو مهلهل، ويسمى الكلاب الأول أيضاً.
يوم الشعيبة وهو يوم الكلاب الثاني لبني تميم وبني سعد والرباب رئيسهم قيس بن عاصم، على قبائل مذحج في نحو اثني عشر ألفاً رئيسهم زيد بن المأمور؛ وهو مذحج وهمدان وكندة، وفي هذا اليوم أسر عبد يغوث بن وقاص الحارثي وهتم فم سمي بن سنان، بعد أن أسر رئيس كندة: هتمه قيس بن عاصم بقوسه، وانتزع عبد يغوث من يدي الأهتم بعد أن شرط المأسور لموصله إليه مائة ناقة من الإبل، انتزعه التيم فقتلوه برئيسهم النعمان بن جساس، وكان قد قتل ذلك اليوم، وسمي الكلاب الثاني أيضاً.
يوم حر الدوابر قال أبو عبيدة: لم يشهد من تيم إلا الرباب وسعد خاصة، وكان الغناء من الرباب لتيم، ومن سعد لمقاعس يوم ذي بيض أغار الحوفزان على بني يربوع فسبى نسوة منهم، فأصرختهم بنو مالك بن حنظلة، واستنقذوا النسوة، وأسروا الحوافزان: أسره حنظلة بن بشر بن عمرو، وزعم قوم أن هذا اليوم يوم الصمد.
يوم عاقل: لبنى حنظلة على هوازن، وفيه أصر الصمة بن الحارث ابن جشم، وهزم جيشه، وكان الذي أسره الجعد بن الشماخ أحد بني عدي بن مالك بن حنظلة، ثم أطلقه بعد سنة، وجز ناصيته على أن يثيبه، فأتاه على الثواب فضرب الصمة عنقه، ثم غزا بني حنظلة ثانية فأسره الحارث ابن نبيه المجاشعي، وأسر رجل من بني أسد وكان نزيلاً عند ابن أخت له في بني يربوع ابناً للصمة، فافتدى الصمة نفسه، ومضى مع ابن نبيه في فداء ابنه إلى الأسدي النازل في بني يربوع، فطعنه أبو مرحب بالسيف فقتله؛ لشيء كان بينهما عند حرب بن أمية، فبنو مجاشع تعير بذلك.
يوم عينين: لبني نهشل على عبد القيس، منعوا فيه بني منقر وقد خرجوا ممتارين من البحرين، فعرضت لهم عبد القيس، واستغاثوا ببني نهشل فحموهم واستنقذوهم.
يوم قلهي: منعت بنو ثعلبة بن سعد بن ذبيان بني عبس الماء وغلبتهم عليه بعد إصلاح فزارة ومرة، حتى أخذوا دية عبد العزى بن حذار ومالك بن سبيع.
يوم بزاخة: لبني ضبة على محرق الغساني وأخيه فارس مودود، أغارو على بني ضبة ببزاخة في طوائف من العرب من إياد وتغلب وغيرهما، فأدركتهم بنو ضبة، فأسر زيد الفوارس محرقاً، وأسر أخاه حنش بن الدلف ثم قتلاهما بعد أن هزم من كان معهما، وقتل معهما عدة.
يوم إضم: لبني عائذة بن مالك بن بكر بن سعد بن ضبة على الحارث ابن مزيقيا الملك الغساني، وهو عمرو بن عامر، وفيهم كان ملك عسان بالشام في آل جفنة ... علثة بن عمرو قتل بني عائذة قتلاً ذريعاً، وفي ذلك اليوم قتل الرديم وحمل رجل من بني عائذة بن قيس يدعى عامر. بن ضامر فقال: والله لأطعنن طعنة كمنخز الثور النعر، ثم قصد ابن مزيقيا فطعنة فقتله وانهزم أصحابه هزيمة فاحشة، وزعم قوم أن هذا اليوم هو يوم بزاخة.
وقال آخرون: بل كانت الواقعة مع عبد الحارث من ولد مزيقيا، وزعم غيرهم أيضاً أنها مع مزيقيا نفسه لا مع ولده، والله أعلم.
يوم نقا الحسن: الحسن شجر، سمي بذلك لحسنه، وقيل: هو جبل، وهذا اليوم لبني ثعلبة بن سعد بن ضبة على بكر بن وائل، وفيه قتل بسطام بن قيس: قتله عاصم بن خليفة أخو بني صباح، وكان رجلاً أعسر فأصاب صدغه الأيسر حتى نجم السنان من الصدغ الأيمن.
يوم أعيار: وهو أيضاً يوم النقيعة لبني ضبة على بني عبس، وفيه قتل عمارة الوهاب: قتله شرحاف بن المثلم بابن عم له يدعى مفاضلاً كان عمارة قد قتله وانطوى خبره، ثم سمع شرحاف ذكره على شراب، وكان حينئذ غلاماً، فحين شب أخذ بثأر عمه يوم النقيعة، واستنقذت بنو ضبة إبلها من عبس، وقد كانوا أدركوهم في المراعي. 
يوم رحرحان الأول: غزا يثربي بن عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم بني عامر بن صعصعة، وعلى بني عامر قريط بن عبيد بن أبي بكر، وقتل يثربي.
يوم رحرحان الثاني: لبني عامر بن صعصعة، ورئيسهم الأحوص، على بني دارم، وفي ذلك اليوم أسر معبد بن زرارة: أسره عامر بن مالك وأخوه طفيل وشاركهما في أسره رجل من غنى يقال له: أبو عميرة عصمة بن وهب وكان أخا طفيل من الرضاعة، وفي أسرهم مات معبد، شدوا عليه القد وبعثوا به إلى الطائف خوفاً من بني تميم أن يستنقذوه، كان هذا كله بسبب قتل الحارث بن ظالم المري من مرة بن سعد ذبيان خالد بن جعفر غدراً عند الأسود بن المنذر وقيل: عند النعمان والتجائه إلى زرارة بن عدس، فلما انقضت وقعة رحرحان جمع لقيط بن زرارة لبني عامر وألب عليهم، وكان بين يوم رحرحان وغزوة جبلة سنة واحدة.
يوم ضرية: اختلفت سعد والرباب على بني حنظلة، وكان بنو عمرو ابن تميم حالفوا بكر بن وائل، فضاقت حنظلة بسعد والرباب، فساروا إلى عمرو بن تميم فردوهم وحالفوهم، ثم جمعوا لسعد والرباب ورئيسهم يومئذ ناجية بن عقال، ورئيس سعد والرباب قيس بن عاصم، فقال ابن خفاف لسعد والرباب: من لعيال عمرو وحنظلة إن قتلتم مقاتلتهم؟ قالوا: نحن، قال: فمن لعيالكم إن قتلوا مقاتلتكم؟ قالوا: هم، قال: فدعوهم لعيالهم وليدعوكم لعيالكم، وتكلم الأهتم بمثل ذلك ورجال من أشراف سعد، وساروا إلى عمرو وحنظلة إلى النسار من حمى ضرية، ناجية بن عقال والقعقاع بن معبد بن زرارة وسنان بن علقمة بن زرارة إلى الصلح، وأبى ذلك مالك بن نويرة يوم النسار: وذلك أن عامر بن صعصعة ومن معهم من هوازن انتجعوا بلاد سعد والرباب، وهم يمتون إليهم برحم؛ لأنهم يزعمون أن صعصعة أبا عامر هو ولد سعد بن زيد بن مناة بن تميم.
وقال آخرون: إنما غضبوا على سعد لما أنهب المعزى بعكاظ، فلحق ببني أمه ولد معاوية بن بكر وهوازن، وكان سعد قد فارقها بعد أن ولدت له صعصعة وتزوجها معاوية بن بكر فضمن سعد والرباب الأهتم، واسمه سنان بن سمي بن سنان، وقيل: سمي بن سنان، وضمن هوازن مرة بن هبيرة، فسرقت خيل لذي الرقيبة، ثم اعترفت بعد ذلك بيسير عند الحنيف المنتجف، اعترفها بعض القشيريين، فضربه القشيري على ساعده، وضربه الحنيف فقتله، فأرادت هوازن القود من الرباب، فطلبهم بذلك ضامن سعد، فأبت الرباب إلا الدية، ففارقتهم سعد، وضافرت هوازن، فاستمدت بنو ضبة أسداً وطيئاً والتقوا بالنسار، فعبأت أسد لسعد والرباب لهوازن، فانهزمت هوازن وسعد، وكان حامي أدبار بني عامر يومئذ قدامة بن عبد الله القشيري، فرماه ربيعة بن أبي وكان أرمى الناس فقتله، فلما رأت ذلك بنو عامر منه وسائر هوازن سألوا أن يؤخذ منهم شطور أموالهم وسلاحهم، وقبل ذلك منهم، وهذا يوم المشاطرة ويوم النسار وهو من مذكورات أيام العرب في الجاهلية، وبنو ضبة تزعم أن هذا اليوم قبل يوم جبلة، وأبو عبيدة لا يشك أنه بعده.
يوم " الصرائم " وهو أيضاً يوم الجرف لبني رياح بن يربوع على بني عبس، وفي هذا اليوم أسر الحكم بن مروان بن زنباع العبسي، أسره أسيد بن حياة السليطي، وأسر بنو حميري بن رياح زنباعاً وفروة ابني مروان بن زنباع، واستنقذوا جميع ما أصابته عبس لربيعة بن مالك بن حنظلة وأسرفوا ذلك اليوم في قتل بني عبس.
يوم " الغبيط ": لبني يربوع علي بن شيبان، وكان الشيبانيون قد غزوهم متساندين على ثلاثة ألوية: الحوفزان بن شريك، والأسود أخوه، وبسطام بن قيس، وفي هذا اليوم أسر الأسود بن الحوفزان وزيد بن الأسود بن شريك، وحمى بسطام آخر القوم حتى حسبوه قتل وأسر، ورثاه بعضهم بمرات عدة، وزعم سعد عن أبي عبيدة أن يوم الغبيط هو يوم الأياد ويوم العظالي سمي بذلك لأن بسطام بن قيس وهانئ بن قبيصة ومقرون بن عمرو الحوفزان بن شريك تعاظلوا على الرياسة.
وقال مرة أخرى: لم يشهد الحوفزان يوم العظالى، وهو أيضاً يوم الإناقة ويوم أعشاش، ويوم مليحة.
يوم ذي نجب لبني يربوع على بني عامر، وفيه قتل حسان بن معاوية بن آكل المرار الملك، قتله حشيش بن نمران من بني رياح بن يربوع، وقيل:
بل هو عمرو بن معاوية أعني المقتول وأما حسان فأسر، أسره دريد بن المنذر، وكانت بنو عامر أتت به تغزو بني حنظلة بن مالك بعد يوم جبلة بعام، فتنحى لهم بنو مالك بن عمرو بن عدس، وتركوا في صدورهم بني يربوع، فهزمت بنو عامر هزيمة عظيمة، وأسر يومئذ يزيد بن الصعق، وقتلت بنو نهشل خليف بن عبيد الله النميري، وأسر زيد بن ثعلبة الهصان، وهو عامر بن كعب بن أبي بكر بن كلاب، وقتل خالد بن ربعي النهشلي عمرو بن الأحوص، وكان رئيس بني عامر يومئذ.
يوم خزازي: ويقال: خزاز واختلف فيه: فقال قوم: كان رئيس نزار فيه كليب بن ربيعة. وقال آخرون: رئيسهم زرارة بن عدس، وقال آخرون: بل ربيعة بن الأحوص، وقد أنكروا عمرو بن العلاء جميع ذلك والذي ثبت عنده أنه قال: هو يوم لنزار على ملك من ملوك اليمن قديم لا يعرف من هو منهم، وأما ربيعة فيقول: لا شك أنه يوم خزار لكليب بن ربيعة على مذحج وغيرهم من اليمن، وكان بعقب يوم السلان، فجمع كليب جموع ربيعة، فاقتتلوا، فانهزمت مذحج والذين معهم من اليمن.
يوم ملزق وهو أيضاً يوم السوبان كان لبني تميم على عبس وعامر بعد أن قاتلت تميم جميع من أتى بلادها من القبائل، وهم إياد، وبلحارث بن كعب، وكلب وطيئ، وبكر، وتغلب، وأسد، كانوا يأتونهم حياً حياً فتقتلهم تميم وتنفيهم عن البلد، وآخر من أتاهم بنو عبس وبنو عامر.
يوم الوندة وهي بالدهناء، أغارت بنو هلال على نعم بني نهشل. فأنزلتهم بنو نهشل بالوندة وهي بالدهناء فما أفلت من بني هلال إلا رجل واحد يقال له: فراس طواف؛ وقيل أواب.
يوم فيف الريح ورأيته بخط البصري فيفا مقصوراً في مواضع من كتاب نوادر أبي زياد الكلابي.
وأنشد أبو زياد لعامر بن الطفيل:
ويا لفيفا من اليمن استثارت ... قبائل كان ألبهم فخاروا
الفيفا: جبل طويل من جبال خثعم يقال له: فيفا الريح، وكان الصبر فيه والشرف لبني عامر، وقد اجتمعت كلها إلى عامر بن الطفيل على قبائل مذحج، وقد غزتهم مذحج في عدد عظيم من بني الحارث بن كلب وجعفي وزبيد وقبائل سعد العشيرة ومراد وصدى ونهد، ورئيسهم الحصين بن يزيد الحارثي، واستغاثوا بخثعم، فجاءت شهران وناهس وأكلب عليهم أنس بن مدرك، وأسرع القتل في الفريقين، فافترقوا، ولم تغنم طائفة منهم طائفة،وفي هذا اليوم أصيبت عين عامر، وزعم عبد الكريم وغيره أن يوم فيفا الريح هو يوم طلح.
يوم ذي بهدى: لبني يربوع على تغلب، أسروا فيه الهذيل، قال جرير للأخطل يعيره بذلك:
هل تعرفون بذي بهدى فوارسنا ... يوم الهذيل بأيدي القوم مقتسر
يوم البشر لبني كلاب على الأراقم، ورئيس قيس يومئذ الجحاف بن حكيم الكلابي، وكان سبب ذلك تعيير الأخطل إياه.
يوم الرغام لبني ثعلب بن يربوع، ورئيسهم عتيبة بن الحارث بن شهاب، أغار فيه على بني كلاب فأطرد إبلهم، وقتل يومئذ أخوه حنظلة، قتله الحوثرة، وأسر الحوثرة ذلك اليوم، فدفع إلى عتيبة فقتله صبراً بأخيه، وانهزم الكلابيون بعد أن أسرع فيهم القتل والأسر.
يوم الهراميت للضباب، وهم معاوية بن كلاب، على أخوته بني جعفر بن كلاب، وكان هذا اليوم في زمن عبد الملك بن مروان، وكذلك يوم البشر.
يوم الوقيظ كان في فتنة عثمان بن عفان رضي الله عنه، وهو للهازم، رئيسهم أبجر بن بجير، على بني مالك بن حنظلة، فأما بنو عمرو بن تميم فأنذرهم ناشب بن بشامة العنبري، فدخلوا الدهناء فنجوا، وفي هذا اليوم أسر ضرار بن القعقاع بن معبد، أسره الفزر الشيباني ورجل من تيم اللات، فجزت تيم اللات ناصيته، وخلته تحت الليل مضارة للفزر، ويسمى هذا اليوم يوم الحنو.
يوم جزع طلال لفزارة ورئيسهم عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر، على التيم وعدي وعكل وثور أطحل بني عبد مناة، وأخذ يومئذ شريك بن مالك بن حذيفة من التيم وعكل أربعين امرأة ثم أطلقهن، وأخذ خارجة بن حصن نفراً من التيم فأطلقهم بغير فداء، ثم أغارت فزارة بعد ذلك عليهم ورئيسهم عيينة، فقتلوا التيم قتلاً ذريعاً وأخذوا منهم مائة امرأة فقسمهن عيينة في بدر، وجعلهن مع أزواجهن الأسارى ينقلن الخرى هوناً لهم، ثم أطلق الجميع بعد ذلك بغير فداء، وأغارت عليهم بعد ذلك بنو غيظ بن مرة، ورئيسهم زيد بن شيبان بن أبي حارثة، فقتلوا التيم وعدياً وسبوا سبياً كثيراً لم يردوا منه شيئاً، فنعى هذا كله عليهم جرير.
يوم أوارة الأول: لتغلب والنمر بن قاسط مع المنذر بن ماء السماء، على بكر بن وائل مع سلمة بن الحارث، واسم سلمة معدي كرب، وهو أيضاً الغلفاء، بعد قتل أخيه شرحبيل، والذي قتل سلمة الغلفاء بن عمرو بن كلثوم، عرفه فحمل عليه حتى قنعه السيف، وكان سبب هزيمة بكر بن وائل، وحلف المنذر يومئذ ليقتلن بدر على رأس أوارة حتى يلحق الدم بالحضيض، فشفع لهم مالك بن كعب العجلي، وقال للمنذر: أنا أخرجك من يمينك، فصب الماء على الدم فلحق الأرض، وبر يمين المنذر، فكف عن القتل، وكان مالك هذا رضيع المنذر.
يوم أوارة الأخير: كان لعمرو بن هند على بني دارم، وذلك أن ابناً له كان مسترضعاً عند زرارة بن عدس اسمه أسعد، وكان قد تبناه فعبث بناقة لأحد بني دارم يقال له سويد، فخرق ضرعها، فشد عليه فقتله، وأتى الخبر زرارة، وهو عند عمرو، وكان كالوزير له، فلحق بقومه وأدركه الموت على عقب ذلك، فغزا عمرو بني دارم، وحلف ليقتلن منهم مائة، فقتل منهم تسعة وتسعين، وأتم المائة برجل من البراجم، وفي حكاية أخرى أنه أحرقهم، وبذلك تشهد مقصورة ابن دريد وشعر الطرماح، وزعم أبو عبيدة أن من زعم أنه أحرقهم فقد أخطأ، وذكر له شعر الطرماح، فقال: لا علم له بهذا، واستشهد بقول جرير:
أين الذين بسيف عمرو قتلوا ... أم أين أسعد فيكم المسترضع
يوم زرود الأول: لشيبان مع الحوفزان، على بني عبس، وأثخن ذلك اليوم عمارة الوهاب جراحاً، غير أنه سلم فلم يمت منها.
يوم زرود الآخر: أغار حزيمة بن طارق التغلبي على بني يربوع، فاستاق النعم، فأدركوه، فأسره أسيد بن حناءة السليطي وأنيف بن جبلة الضبي وكان ثقيلاً في بني يربوع، وردوا الغنيمة من أيدي التغلبيين.
يوم تثليث غزت سليم مع العباس بن مرداس مرادا، فجمع لهم عمرو بن معدي كرب، فالتقوا بتثليث، فصبر الفريقان ولم تظفر طائفة منهم بالأخرى، وفي ذلك اليوم صنع العباس قصيدته السينية، وهي إحدى المنصفات.
يوم ذي علق كان بين بني عامر وبين بني أسد، وفي هذا اليوم قتل ربيعة أبو لبيد.
يوم العذيب: كان لبني سعد بن زيد مناة وعنزة، على مذحج وحمير، وكان رأس اليمن الأصهب الجعفي، بعث إليه النعمان ينكر عليه بلوغ سعد وعنزة العذيب، فحشد لهم ولقيهم، فقتلوه، قتله الأحمر بن جندل، وانهزمت اليمانية هزيمة شديدة، وأخذ منهم مال كثير وسبي.
يوم الصفقة: وهو أيضاً يوم المشقر كان على بني تميم بسبب غير كسرى التي كان يجيزها هوذة بن علي السحيمي، فلما سارت ببلاد بني حنظلة اقتطعوها برأي صعصعة بن ناجية جد الفرزدق، فكتب كسرى إلى المكعبر عامله على هجر فاغتالهم، وأراهم أنه يعرضهم للعطاء ويصطنعهم، فكان أحدهم يدخل من باب المشقر فينزع سلاحه ويخرج من الباب الآخر فيقتل، إلى أن فطنوا، وأصفق الباب على من حصل منهم؛ فلذلك سميت الصفقة، وشفع هوذة في مائة من أساراهم فتركوا له، فكساهم وأطلقهم يوم الفصح وكان نصرانياً.
يوم ذي قار: كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو لبني بكر بن وائل وقادمة بني شيبان وبعدهم بنو عجل، على الأعاجم جنود كسرى ومن معهم من العرب رئيسهم إياس بن قبيصة الطائي، وكان مكان النعمان بن المنذر بعد قتل كسرى إياه، وتحت يديه طيئ وإياد وبهرا، وقضاعة والعباد وتغلب والنمر بن قاسط، قد رأس عليهم النعمان بن زرعة أعني النمر وتغلب وكان سبب يوم ذي قار طلب كسرى تركة النعمان بن المنذر، وكان النعمان قد تركها وترك ابناً له وبنتاً عند هانئ بن قبيصة بن هانئ بن مسعود الشيباني، فمنع رسول كسرى من الوصول إلى ما طلب؛ وكتب كسرى إلى قيس بن مسعود بن قيس بن خالد، وكان عاملاً له على الطف، بأن يعين إياساً، فأنفذ إلى قومه ليلاً، وحرضهم على القتال، وتوطأت العرب على العجم، فطارت إياد عن العجم حين تشاجرت الرماح كأنهم مهزومون، وقتل الهامرز بن خلا يزر عامل كسرى، وأسر النعمان بن زرعة التغلبي، وبسبب ما صنع قيس بن مسعود استدرجه كسرى حتى أتاه فقتله.
يوم الفجار الأول: كان بين كنانة بن خزيمة وبين عجز هوازن، بسوق عكاظ أول يوم من ذي القعدة، وبذلك سمي فجارا؛ لأنهم فجروا في الشهر الحرام، وكان سبب ذلك أن بدر بن معسر الكناني كان يستطيل على من ورد عكاظ فيمد رجله ويقول: أنا أعز العرب؛ فمن كان أعز منها فليضربها بالسيف فضربها الأحمر بن هوازن من بني نصر بن معاوية، وكان بين القبيلتين تشاجر دون أن يقع بينهما دماء، وليس هذا الفجار عند ابن قتيبة، وقد ذكره أبو عبيدة.
يوم الفجار الثاني: كان بسبب فتيان من غزية قريش وكنانة رأو امرأة وضيئة من بني عامر بن صعصعة بسوق عكاظ، فسألوها أن تسفر لهم، فأبت، فحل أحدهم ذيلها إلى ظهر درعها بشوكة، فلما قامت انكشفت، فقالوا: منعتنا رؤية وجهك وأريتنا دبرك!! فصاحت: يال عامر فتهايجوا وجرت بين الفريقين دماء يسيرة، حملها الحارث بن أمية، وليس هذا الفجار أيضاً عند ابن قتيبة وقد ذكره أبو عبيدة.
يوم الفجار الثالت: كان بسبب دين كان لأحد بني نصر على أحد بني كنانة، فأتى النصرى بقرد فقال: من يبيعني مثل هذا بمالي على فلان؟ فمر أحد بني كنانة فقتل القرد، فتصايح الفريقان، ثم سكنوا، وكان هذا سبب الأمر العظيم من قتل البراض الكناني عروة الرحال بن عيينة بن جعفر بن كلاب واتبعت هوازن قريشاً، وكانوا قد أدركوهم بنخلة، حتى دخلوا الحرم، وجنهم الليل، ثم التقوا بعد حول فكانت الوقعة أيضاً عليهم، وهو يوم شمطة ثم التقوا أيضاً بعد حول، فكانت الكرة على هوازن وفي ذلك اليوم سموا بني أمية العنابس لما فعل حرب وأبو حرب وسفيان وأبو سفيان من تقييدهم أنفسهم حتى يظفروا أو يقتلوا، هذه رواية أبي عبيدة، وأما ابن قتيبة فجعل ما جرى بين النصري والكناني هو الفجار الأول، وقال في آخره: ولم يكن بينهم قتال، إنما كان ذلك القتال في الفجار الثاني، وجعل سبب الفجار الثاني أن عيينة بن حصن بن حذيفة أتى سوق عكاظ فرأى الناس يتبايعون، فقال: أرى هؤلاء مجتمعين بلا عهد ولا عقد، ولئن بقيت إلى قابل ليعلمن، فغزاهم من قابل، وأغار عليهم، قال: فهذا الفجار الثاني، والحرب فيه كناية وقيس، والدائرة على قيس عيلان.
يوم الجفار: للأحاليف في ضبة وأخوتها الرباب وأسد وطيئ، على بني تميم، واستحر القتل يومئذ في بني عمرو بن تميم فقتلوا قتلاً ذريعاً.
يوم الصريف: كانت هذه الوقعة في أيام الرشيد، وهي لبني ضبة على بني حنظلة، وفي ذلك يقول شاعرهم، وأظنه من ولد جرير:
صبرت كليب للطعان ومالك ... يوم الصريف وفرت الأحمال
والأحمال: بطون من بني حنظلة.
وقد أوفيت بما عقدت به في صدر هذا الكتاب من إثبات ما انتهى إلي من أيام العرب، مجتهداً في اختصارها، بريئاً مما وقع فيها من الاختلاف، وإنما عهدة ذلك على الرواة.
وسأذكر من مفاخر بني شيبان لمعاً أختم بها هذا الكتاب كما بدأته؛ لأني لو تقصيت ذلك لأفنيت العمر دون تقضي الجزء الذي لا يتجزأ منه قلة، لكني ذهبت فيهم وفي سيدهم أبي الحسن مذهب أبي الطيب في أخوتهم بني تغلب وفي سيدهم علي بن حمدان حيث يقول:
ليت المدائح تستوفي مدائحه ... فما كليب وأهل الأعصر الأول
خذ ما تراه ودع شيئاً سمعت به ... في طلعة الشمس ما يغنيك عن زحل
قال أبو عبيدة: قدم على النعمان بن المنذر وفود ربيعة ومضر بن نزار، وكان فيمن قدم عليه من وفود ربيعة بسطام بن قيس والحوفزان بن شريك البكريان، وفيمن قدم عليه من وفد مضر من قيس عيلان عامر بن مالك وعامر بن الطفيل، ومن تميم قيس بن عاصم والأقرع بن حابس، فلما انتهوا إلى النعمان أكرمهم وحباهم، وكان يتخذ للوفود عند انصرافهم مجلساً: يطعمون فيه معه، ويشربون، وكان إذا وضع الشراب سقي النعمان، فمن بدأ به على أثره فهو أفضل الوفد، فلما شرب النعمان قامت القينة تنظر إلى النعمان من الذي يأمرها أن تسقيه وتفضله من الوفد، فنظر في وجهها ساعة ثم أطرق ثم رفع رأسه وهو يقول:
اسقي وفودك مما أنت ساقيتي ... فابدي بكأس ابن ذي الجدين بسطام
أغر ينميه من شيبان ذو أنف ... حامي الذمار وعن أعراضها رامي
قد كان قيس بن مسعود ووالده ... تبدا الملوك بهم أيام أيامي
فارضوا بما فعل النعمان في مضر ... وفي ربيعة من تعظيم أقوام
هم الجماجم والأذناب غيرهم ... فارضوا بذلك أو بوءوا بإرغام
فقال عامر بن الطفيل:
كان التبايع في دهر لهم سلف ... وابن المرار وأملاك على الشام
حتى انتهى من لخم إلى ملك ... بادي السنان لمن لم يرمه رامي
أنحى علينا بأظفار فطوقنا ... طوق الحمام بإتعاس وإرغام
إن يمكن الله من دهر نساء به ... نتركك وحدك تدعو رهط بسطام
فانظر إلى الصيد لم يحموك من مضر ... هل في ربيعة إن لم تدعنا حامي؟؟
فأجابه بسطام بن قيس فقال:
لعمري لئن ضجت تميم وعامر ... لقد كنت يوماً في حلوقهم شجى
أروني كمسعود وقيس وخالد ... وعمرو وعبد الله ذي الباع والندى
وكانوا على أفناء بكر بن وائل ... ربيعا إذا ما سال سائلهم جدى
فسرت على آثارهم غير تارك ... وصيتهم حتى انتهيت إلىمدى
قال: وافتخر رجلان بباب معاوية بن أبي سفيان: أحدهما من بني شيبان، والآخر من بني عامر بن صعصعة، فقال العامري: أنا أعد عليك عشرة من بني عامر، فعد علي عشرة من بني شيبان، فقال الشيباني: هات إذا شئت، فقال العامري: خذ عامر بن مالك ملاعب الأسنة، والطفيل بن مالك قائد هوازن وفارس قرزل، ومعاوية بن مالك معوذ الحكماء، وربيعة بن مالك فارس ذي علق، وعامر بن الطفيل، وعلقمة بن علاثة، وعتبة بن سنان، ويزيد بن الصعق، وأربد بن قيس، وهو أربد الحتوف، فقال الشيباني: خذ قيس بن مسعود رهينة بكر بن وائل، وبسطام بن قيس سيد فتيان ربيعة، والحوفزان ابن شريك فارس بكر بن وائل، وهانىء بن قبيصة أمين النعمان بن المنذر، وقبيصة بن مسعود وافد المنذر، ومفروق بن عمرو حاضن الأيتام، وسنان بن مفروق ضامن الدمن، والأصم عمرو بن قيس صاحب رءوس بني تميم، وعمران بن مرة الذي أسر يزيد بن الصعق مرتين، وعمرو بن النعمان، فتلاحيا، فخرج حاجب معاوية فصادفهما على تلك الحال، فدخل على معاوية فأخبره بالقضية، فدعا بهما، فلما دخلا عليه نسبهما، فانتسبا له، فقال معاوية: عامر أفخر هوازن، وشيبان أفخر بكر بن وائل، وقد كفاكما الله المؤنة، هذان رجلان من غير قومكما عندي يحكمان بينكما: عدي بن حاتم، وشريك بن الأعور الحارثي، احكما بينهما، ثم قال معاوية للشيباني: من يعبى لعامر بن مالك؟ قال الأصم بن أبي ربيعة الذي قتل من تميم مائة رجل على دم، فقال معاوية للرجلين: ما تقولان؟ قالا: رجح الأصم على عامر بن مالك، قال معاوية: فمن يعبى لعامر بن الطفيل؟ قال الشيباني: الحوفزان بن شريك، قال الحكمان: رجح الحوفزان، قال: فمن يعبى لعلقمة بن علاثة؟ قال الشيباني: بسطام بن قيس، فقالا: رجح بسطام، قال معاوية: فمن يعبى لعتبة بن سنان؟ قال الشيباني: مفروق بن عمرو، فقالا: رجح مفروق، قال نعاوية: فمن يعبى للطفيل بن مالك؟ فقال الشيباني: عمران بن مرة، فقالا: رجح عمران بن مرة، فقال معاوية: فمن يعبى لمعاوية بن مالك؟ قال الشيباني: عوف بن النعمان، فقالا: رجح عوف بن النعمان، قال معاوية:
فمن يعبى لعوف بن الأحوص؟ قال الشيباني: قبيصة بن مسعود، فقالا: رجح قبيصة، قال: فمن يعبى لربيعة بن مالك؟ قال: هانئ بن قبيصة، فقالا: رجح هانئ بن قبيصة، قال معاوية: فمن يعبى ليزيد بن الصعق؟ قال: سنان بن مفروق، فقالا: رجح سنان بن مفروق، قال: فمن يعبى لأربد بن قيس؟ قال: الأسود بن شريك، فقال معاوية للشيباني: فأين نسيت قيس بن مسعود؟ قال: أصلحك الله! قيس ليس من هذه الطائفة فاتهم قيس مجداً طويلاً، فقال العامري في ذلك:
أعد إذا عددت أبا براء ... فكان علا على الأقوام فضلا
وكان الجعفري أبو علي ... إذا هاجت الهيجاء علا
ووالده الذي حدثت عنه ... طفيل خيرنا يفعاً وطفلا
وكان معود الحكم المباري ... رياح الصيف أعلى القوم فعلا
وقد أوردت زناد أبي لبيد ... ربيعة يوم ذي علق فأبلى
وعلقمة بن أحوص كان كهفاً ... كلابياً رحيب الباع سهلا
وعتبة والأغر يزيد، إني ... رأيتهما لكل الفخر أهلا
وعوفاً ثم أربد ذا المعالي ... كفى بهما عليك ندى وبذلا
أولئك من كلاب في ذراها ... وخير قرومها حسباً ونبلا
فقال الشيباني مجيباً له:
أعد إذا عددت أبا خفاف ... وعمران بن مرة والأصما
وهانئاً الذي حدثت عنه ... وكان قبيصة الأنف والأشما
ومفروقاً وذا النجدات عوفاً ... وبسطاماً ووالده الخضما
وأسود كان خير بني شريك ... ولم يك قرنه كبشاً أجما
أولئك من عكابة خير بكر ... واكرم من يليك أباً وأماً
وأفضل من ينص إلى المعالي ... إذا ما حصلوا خالاً وعماً
وأكثر قومهم بالشر طوفاً ... وأبعد قومهم في الخير هما
فقال معاوية للحكمين: ما تقولان؟ قالا: شيبان أكرم الحيين، فقال معاوية: وذلك قولي، فأكرمهما وحباهما، وفضل الشيباني على العامري.
قال: وكان من حديث ذي الجدين أن الملك النعمان قال: لأعطين أفضل العرب مائة من الإبل، فلما أصبح الناس اجتمعوا لذلك، فلم يكن قيس بن مسعود فيهم، وأراده قومه على أن ينطلق، فقال: لئن كان يريد بها غيري لا أشهد ذلك وإن كان يريدني بها لأعطينها، فلما رأى النعمان اجتماع الناس قال لهم: ليس صاحبها شاهداً، فلما كان من الغداة قال له قومه: انطلق، فانطلق، فدفعها إليه الملك، فقال حاجب بن زرارة: أبيت اللعين، ما هو أحق بها مني، فقال قيس ابن مسعود: أنافره عن أكرمنا قعيدة، وأحسننا أدب ناقة، وأكرمنا لئيم قوم، فبعث معهما النعمان من ينظر ذلك، فلما انتهوا إلى بادية حاجب بن زرارة مروا على رجل من قومه، فقال حاجب: هذا ألأم قومي، وهو فلان بن فلان، والرجل عند حوضه ومورد إبله، فأقبلوا إليه، فقالوا: يا عبد الله؛ دعنا نستقي؛ فإنا قد هلكنا عطشاً وأهلكنا ظهورنا، فتجهم وأبى عليهم، فلما أعياهم قالوا لحاجب: أسفر، فسفر فقال: أنا حاجب بن زرارة، فدعنا فلنشرب، قال: أنت؟ فلا مرحباً بك ولا أهلا، فأتوا بيته، فقالوا لامرأته: هل من منزل يا أمة الله؟ قالت: والله ما رب المنزل شاهد، وما عندنا من منزل، وراودوها على ذلك فأبت، ثم أتوا رجلاً من بكر بن وائل على ماء يورد، قال قيس: هذا والله ألأم قومي، فلما وقفوا عليه قالوا له مثل ما قالوا للآخر فأبى عليهم، وهم أن يضربهم، فقال له قيس بن مسعود: ويلك أنا قيس بن مسعود، فقال له: مرحباً وأهلاً، أورد، ثم أتوا بيته، فوجدوا فيه امرأته وقدرها يئط، فلما رأت الركب من بعيد أنزلت القدر وبردت، فلما انتهوا إليها قالوا: هل عندك يا أمة الله من منزل؟ قالت: نعم أنزلوا في الرحب والسعة، فلما نزلوا طعموا وارتحلوا، فأخذوا ناقتيهما، فأناخوهما على قريتين للنمل؛ فأما ناقة قيس بن مسعود فتضورت وتقلبت ثم لم تنز، وأما ناقة حاجب فمكثت وثبتت، حتى إذا قالوا قد اطمأنت طفقت هاربة، فأتوا الملك فأخبروه بذلك، فقال له: قد كنت يا قيس ذا جد، فأنت اليوم ذو جدين فسمي بذلك ذا الجدين، وقيل:
إنما سمي بذلك لأسيرين أسرهما مرتين، وقيل: بل سبق سبقين، هكذا جاءت الرواية.
والذي أعرف أنا أن ذا الجدين إنما هو عبد الله بن عمرو بن الحارث بن همام سمي بذلك لأنه اشترى كعب بن مامة من أيدي قوم من عنزة أسروه، فكتم نفسه، وعرفه عبد الله وأظهر أنه لم يشتره عن معرفة، فوهبه كل ما لقي في طريقه من إبل أبيه بعبدانها، وكانت سوداً وحمراً وصهباً، وبلغ به إلى أبيه فأجاز له ذلك، وأعطاه قبته بما فيها، فلما أتى الحيرة قال بعض من رآه لصاحبه: إنه لذو جد، قال الآخر: بل هو ذو جدين، فسمي بذلك.








مصادر و المراجع :

١- العمدة في محاسن الشعر وآدابه

المؤلف: أبو على الحسن بن رشيق القيرواني الأزدي (المتوفى: 463 هـ)

المحقق: محمد محيي الدين عبد الحميد

الناشر: دار الجيل

الطبعة: الخامسة، 1401 هـ - 1981 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید