المنشورات

في معرفة ملوك العرب

وأنا أذكر في هذا الباب من ملوك النواحي من أخذه حفظي، وبلغته روايتي، على شريطة الاختصار والتخليص، بحسب الطاقة والاجتهاد، إن شاء الله تعالى.
ملوك اليمن: قال ابن قتيبة وغيره: أول من حيي بتحية الملوك أبيت اللعن وأنعم صباحاً يعرب بن قحطان، فولد له يشجب، وولد ليشجب سبأ، وقيل: إنه أول من سبى السبي من ولد قحطان، واسمه عبد الشمس، وقيل: عامر، وأول الملوك المتوجين من ولده حمير بن سبأ ملك حتى مات هرماً، ولم يزل الملك في ولد حمير لا يعدوا ملكهم اليمن، حتى مضت قرون، وصار الملك إلى الحارث الرائش، وبينه وبين حمير خمسة عشر أباً، فخرج من اليمن، وغزا وجلب الأموال، فراش الناس، وبذلك سمي الرائش، وفي عصره مات لقمان صاحب النسور، وهو لقمان الذي بعثته عاد ليستسقي لها بمكة، وكان ملك الرائش مائة وخمسة وعشرين سنة، وذكر نبينا صلى الله عليه وسلم، وأنشد ابن قتيبة:
وأحمد إسمه، يا ليت أني ... أعمر بعد مبعثه بعام
ثم أبرهة ذو المنار بن الرائش، وكان ملكه مائة وثلاثاً وثمانين سنة، ثم أفريقس بن أبرهة، وهو الذي بنى أفريقية، وبه سميت وكان ملكه مائة وستين سنة؛ ثم العبد بن أبرهة، وهو ذو الأذعار، سمي بذلك لقوم سباهم منكري الوجوه تزعم العرب أنهم النسناس، وكان ملكه خمساً وعشرين سنة، ثم هدهاد بن شرحبيل بن عمرو بن الرائش، وهو أبو بلقيس، ملك سنة واحدة ثم بلقيس إلى أن أسلمت على يدي سليمان صلى الله عليه وسلم، ثم ناشر بن عمرو بن يعفر بن شرحبيل، وكان ملكه خمساً وثمانين سنة، ثم شمر بن أفريقس، وهو الذي أخرب مدينة سمرقند، وبه سميت سمركند، ومعنى كند أخربها، وهو الذي يسمى شمر يرعش؛ لارتعاش كان به، وكان ملكه مائة وسبعاً وثلاثين سنة، ثم ابنه الأقرن بن شمر يرعش، وكان ملكه ثلاثاً وخمسين سنة، ثم تبع الأكبر بن الأقرن، وكان ملكه مائة وثلاثاً وستين سنة، ثم ابنه كليكرب؛ ولم يغز حتى مات، وكان ملكه خمساً وثلاثين سنة، ثم تبع بن كليكيرب وهو أبو كرب تبع الأوسط، كان يغزو بالنجوم ويعمل أعماله كلها بأحكامها، ويقال: إنه آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو القائل فيه:
شهدت على أحمد أنه ... رسول من الله باري النسم
فلو مد عمري إلى عمره ... لكنت وزيراً له وابن عم
ثم حسان بن تبع الأوسط، وهو الذي غزا جديسا وقتل اليمامة التي سميت بها جو اليمامة، ثم عمرو بن تبع أخو حسان، وكان ملكه ثلاثاً وستين سنة، ثم عبد كلال بن مثوب، وكان على دين عيسى يستر إيمانه، وكان ملكه أربعاً وسبعين سنة؛ ثم تبع بن حسان وهو الأصغر، وكان الحارث بن عمرو بن حجر جد امرئ القيس ابن أخيه، وتبع هو الذي عقد الحلف بين ربيعة واليمن، وهو الذي أدخل في اليمن دين اليهود ثمانية وسبعين سنة، ثم أخوه لأمه مرثد بن عبد كلال، وقيل:
مزيد، وكان ملكه إحدى وأربعين سنة، ثم ابنه ربيعة بن مرثد، ملك سبعاً وثلاثين سنة، ثم أبرهة بن الصباح، ملك ثلاثاً وسبعين سنة، وكان يكرم معداً ويعلم أن الملك كائن في بني النضر بن كنانة، ثم حسان بن عمرو بن تبع بن كليكرب، ملك سبعاً وثلاثين سنة، ومدحه خالد بن جعفر بن كلاب لما شفعه في أسارى من قومه، ثم ذو الشناتر، واسمه نجيعة ينوف، ولم يكن من أهل بيت الملكة، لكنه من أبناء المقاول، قتله ذو نواس وكان غلاماً من أبناء الملوك حسن الوجه له ذؤابتان، أراده ذو الشناتر على نفسه فوجأه بخنجر كان قد أعده له فقتله، ورضيته حمير لنفسها لما أراحها من ذي الشناتر، وذو نواس صاحب الأخدود الذي ذكره الله عز وجل، وكان يهودياً، فخد الأخدود لقوم من أهل نجران تنصروا على يد قيل آل جفنة، وعلى أيام ذي نواس دخلت الحبشة اليمن، واقتحم البحر منهزماً فغرق، وكان ملكه ثمانيا وستين سنة، وقام بعده ذو جدن فهزمته الحبشة، فاقتحم البحر فهلك، وملك اليمن أبرهة الأشرم، وهو الذي زحف إلى مكة بالفيل فهلك جيشه، وابتلي بالأكلة، فحمل إلى اليمن فهلك بها، وملك بعده ابنه يكسوم فساءت سيرته باليمن، فاستجاش سيف بن ذي يزن كسرى، فجيش له جيشاً عظيماً، وقد مات يكسوم، وولي بعده مسروق أخوه، وهو أيضاً أخو سيف لأمه، فقتلته الحبشة، وسبيت نساؤهم، فقام سيف ملكاً من قبل كسرى حتى غدره خدامة من الحبشة ولم يجتمع ملك اليمن لأحد بعده، ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فانكشفت به الظلمة، واهتدت بهديه الأمة، واستقر الملك في نصابه، بعد الخلفاء الأربعة من أصحابه، ممن وجبت طاعته، وصحت بيعته، وأنا واقف عند الشبهة، قائل في هذا بما قالت به الجماعة، فقد تنازع اسم أمير المؤمنين من لا يصلح له، ولا يسلم إليه؛ فلذلك أعرضت عن ذكر من لم أذكره، ولولا ذلك لذكرت كل واحد وزمانه، ومنتهى عمره، إلى وقتنا هذا، وما توفيقي إلا بالله. 
ملوك الشام: كانت بالشام سليح وهم من غسان، ويقال: من قضاعة وأول ملوكهم النعمان بن عمرو بن مالك، ثم من بعده ابنه مالك، ثم من بعد مالك ابنه عمرو؛ إلى خروج مزيقيا وهو عمرو بن عامر من اليمن في قومه من الأزد، وسمي مزيقيا لأنه كان يمزق كل يوم حلة لا يعود إلى لباسها ثم يهبها، ويسمى عامر ماء السماء؛ لأنه كان يجيء في المحل فينوب عن الغيث بالرفد والعطاء وهو ابن حارثة الغطريف، ابن امرئ القيس البطريق، بن ثعلبة البهلول، بن مازن قاتل الجوع، بن الأزد، ومعه رجل يقال له جذع بن سنان، فنزلوا بلاد عك، فقتل جذع ملك بلاد عك، فافترقت الأزد والملك فيهم حينئذ ثعلبة بن عمرو بن عامر، فانصرف عامله فحارب جرهم فأجلاهم عن مكة، واستولوا عليها زماناً ثم أحدثوا الأحداث، وجاء قصي بن كلاب فجمع معداً وبذلك سمى مجمعاً واستعان ملك الروم فأعانه، وحارب الأزد فغلبهم، واستولى على مكة دونهم، فلما رأت الأزد ضيق العيش بمكة ارتحلت، وانخزعت خزاعة لولاية البيت وبذلك سميت فصار بعض الأزد إلى السواد فملكوا عليهم مالك بن فهم أبا جذيمة الأبرش، وصار قوم إلى يثرب، وهم الأوس والخزرج، وصار قوم إلى عمان، وصار قوم إلى الشام، وفيهم جذع بن سنان، فأتاه عامل الملك في خرج وجب عليه فدفع إليه سيفه رهناً، فقال الرومي: أدخله في كذا من أم الآخر، فغضب جذع وقنعه فقتله، فقيل: خذ من جذع ما أعطاك، وسارت مثلاً، وولوا الشأم، فكان أولهم الحارث بن عمرو محرق، سمي بذلك لأنه أول من حرق العرب في ديارها، وهو الحارث الأكبر، ويكنى أبا شمر، ثم ابنه الحارث بن أبي شمر الغساني، وهو الحارث الأعرج، وأمه مارية ذات القرطين، وهي مارية بنت ظالم بن وهب بن الحارث بن معاوية الكندي، وأختها هند الهنود امرأة حجر آكل المرار الكندي، وإلى الحارث الأعرج زحف المنذر الأكبر فانهزم جيشه، وقتل، ثم الحارث الأصغر بن الحارث الأكبر، وهو ولد الحارث الأعرج ثم عمرو بن الحارث، وكان يقال له: أبو شمر الأصغر، وله يقول نابغة بني ذبيان:
علي لعمرو نعمة بعد نعمة ... لوالده ليست بذات عقارب
والنعمان بن الحارث هو أخو الحارث الأصغر، وله يقول النابغة:
هذا غلام حسن وجهه ... مستقبل الخير سريع التمام
وللنعمان هذا ثلاثة بنين: عمرو، وحجر، والنعمان، ومن ولد الأعرج أيضاً المنذر، والأيهم أبو جبلة، وجبلة آخر ملوك غسان، كان طوله اثني عشر شبراً، وهو الذي تنصر في أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
ملوك الحيرة: أولهم مالك بن فهم بن عمرو بن دوس بن الأزد، ملك العرب بالعراق عشرين سنة، ثم ابنه جذيمة بن مالك، وهو الأبرش، وهو الوضاح، كان ملكه ستين سنة، ثم عمرو بن عدي بن نصر بن ربيعة اللخمي، ويقال: إن نصراً هو الساطرون صاحب الحضر، وهو جرمقاني من أهل الموصل، وقيل: بل هو من أشلاء قنص بن معد بن عدنان، وعمرو هذا هو ابن أخت جذيمة الأبرش وفيه قيل: " شب عمرو عن الطوق " ثم امرؤ القيس بن عمرو بن عدي، ويقال: بل الحارث بن عمرو، وإنه الذي يدعى محرقاً، ثم النعمان بن امرئ القيس، وهو النعمان الأكبر الذي بني الخورنق، ثم المنذر بن امرئ القيس، وهو المنذر الأكبر بن ماء السماء أخو النعمان الأكبر، ثم المنذر بن المنذر، وهو الأصغر، ثم أخوه عمرو بن المنذر، وهو عمرو بن هند، ويسمى محرقاً؛ لأنه حرق بني تميم، وقيل: بل حرق نخل اليمامة، ثم النعمان بن المنذر صاحب النابغة الذبياني، وهو أخو ملوك لخم، ثم ولى بعده إياس بن قبيصة الطائي، ثم ابنه أشهر، واضطرب ملك فارس وضعفوا، وكانت ملوك الحيرة من تحت أيديهم، وأتى الله عز وجل بالإسلام فعز أهله بالنبي صلى اله عليه وسلم.









مصادر و المراجع :

١- العمدة في محاسن الشعر وآدابه

المؤلف: أبو على الحسن بن رشيق القيرواني الأزدي (المتوفى: 463 هـ)

المحقق: محمد محيي الدين عبد الحميد

الناشر: دار الجيل

الطبعة: الخامسة، 1401 هـ - 1981 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید