المنشورات

ذو الرمة يمدح عمر بن هبيرة الفزاري:

1 - يا دار مية بالخلصاء غيرها ... سافي العجاج على ميثائها الكدرا
"العجاج": رياح تأتي بالغبار. و"سافي العجاج": الذي يسفي التراب. ويروى: "نسج العجاج". يقال: "سفت الريح التراب". ثم يقال: "تراب يسفي"، أيك يمر. و"الميثاء": المسيل الواسع مثل نصف الوادي أوم ثلثيه. و"الكدر": الغبار. فأراد: سافي العجاج الكدرا.
2 - قد هجت يوم اللوى شوقاً طرفت به ... عيني فلا تعجمي من دوني الخبرا
73 أ/ قوله: "طرفت به عيني"، أي: أصبت به عيني مثل الطرفة، فسالت. "فلا تعجمي من دوني الخبر"، يقول: أفصحي بما سألتك عنه، لا تكتميه.
3 - يقول بالزرق صحبي إذ وقفت بهم ... في دار مية أستسقي لها المطرا
4 - لو كان قلبك من صخر لصدعه ... هيج الديار لك الأحزان والذكرا
أراد: يقول صحبي: "لو كان قلبك من صخر لصدعه هيج الديار لك الأحزان .. "، أي: تهيج الدار لك الأحزان والذكر.
5 - وزفرة تعتريه كلما ذكرت ... مي له أو نحا من نحوها البصرا
"الزفرة": دخول النفس إلى داخل. "كلما ذكرت مي له"، يريد: لقلبه. "أو نحا": أو حرف وصرف بصره نحوها. ويروى: "وخطرة .. ".
6 - غراء آنسة تبدو بمعقلة ... إلى سويقة حتى تحضر الحفرا
قوله: "تبدو بمعقلة"، أي: حين ينفسخ الحر. "تبدو بمعقلة إلى سويقة"، أي: ما بين هذه إلى هذه. و"آنسة": لها أنس، ليست بنفور. أي: تظهر حين تحضر الحفر في الصيف. وهو حفر سعد وحفر الرباب. بينهما مسيرة ليلة.
7 - تشتو إلى عجمة الدهنا ومربعها ... روض يناصي أعالي ميثه العفرا
أي: تشتو إلى جانب "العجمة": وهي منعقد من الرمل. و"مربعها روض": مكان يستنقع فيه الماء ويستدير. وقوله: "يناصي"، أي: يواصل. 73 ب/ و"العفر" الواحدة "عفرة": وهي رملة فيها عفرة بياض إلى الحمرة. ويقال في معناها العفر أيضاً. وواد "الميث": "ميثاء": وهو مسيل واسع من مكان مشرف إلى الوادي. فيقول: أعالي ميثه تواصل الدهنا، وأسافله الدو. والدهناء حمراء.
8 - حتى إذا هزت البهمى ذوائبها ... في كل يوم يشهي البادي الحضرا
يقول: ألقت البهمى سفاها في استقبال الصيف. و"السفى شوك البهمى. ثم قال: "في كل يوم يشهي البادي": وهو الذي يبدو، يشتهي أن يكون في الحضر من شدة الحر، فالبادون الذين في البادية يشتهون أن يحضروا.
9 - وزفزفت للزبانى من بوارحها ... هيف أنشت بها الأصناع والخبرا
قوله: "زفرفت"، يعني: الريح الهيف. يقول: سمعت لها صوتاً، أي: زفيفاً. و"الهيف": الريح الحارة. و"أنشت"، أي: أيبست "الأصناع": وهي المصانع، الواحد: "صنع". و"الخبر" و"الخبراء": قاع ينبت السدر، فيه ماء. و"الزبانيان": قرنا العقرب.
10 - ردوا لأحداجهم بزلاً مخيسة ... قد هرمل الصيف عن أكتافها الوبرا
أي: حين هزت البهمى ذوائبها، وسقط شوكها، وأقبل الحر ردوا إلى أحداجهن بزلاً، أي: ردوها من المرعى ليرتحلوا. و"مخيسة"، أي: مذللة. "قد هرمل الصيف الوبر"، أي: أسقطه وقطعه.
11 - تقري العلابي مصفر العصيم إذا ... جفت أخاديده جوناً إذا انعصرا
74 أ/ يقول: هذه الإبل "تقري العلابي مصفر العصيم" وهو العرق، إذا يبس اصفر، وهو أسود [إذا سال]. فيقول:
توصل العرق إلى العلابي وتقريه كما تقري الضيف، وهو أن تأتي به منزلك. و"العلباوان": عصبتان تأخذان من القفا إلى الكاهل، وهما صفراوان. وقد بين ذلك في قوله: "مصفر العصيم". و"الأخاديد": مجرى العرق، كالأخاديد في الأرض. يقول: هذا العرق اصفر إذا جف، وأسود إذا سال. وهو قوله: "جوناً إذا انعصرا". و"العصيم": أثر العرق وبقيته وكذلك "عصيم الحناء": أثره. يقول: يأتي العرق كما يأتي الرجل بالضيف.
12 - كأنه فلفل جعد يدحرجه ... نضح الذفارى إذا جولانه انحدرا
يقول: العرق كأنه فلفل جعد. وقوله: "جعد"، يريد أن العرق قد لزم بعضه بعضاً. "يدحرجه نضح الذفارى"، أي: رشح الذفارى. و"الذفريان": ما عن يمين النقرة وشمالها. و"جولانه": ما جال منه.
13 - شافوا عليهن أنماطاً شامية ... على قناً ألجأت أظلاله البقرا 
"شافوا": زينوا على الإبل أنماطاً حين ارتحلوا. وقوله: "على قناً". و"القنا": ها هنا خشب الهودج. وقوله: "ألجأت أظلاله البقر"، يريد: أظلال القنا، أي: أظلال الهودج ألجأت البقر إليها. وأراد بالبقر ها هنا: النساء، فشبه النساء بهن.
14 - أشبهنه للنظرة الأولى وبهجته ... وهن أحسن منه بعد ما صورا
74 ب/ أي: هؤلاء النساء أشبهن البقر في النظرة الأولى ثم قال: وهن أحسن من البقر بعد صورا. و"ما": زائدة.
15 - من كل عجزاء في أحشائها هضم ... كأن حلي شواها ألبس العشرا
"عجزاء": ضخمه العجيزة. و"الهضم": انضمام وضمر. و"الشوى": اليدان والرجلان. فأراد: كأن الحلي ألبس العشر. و"العشر": شجر لين ناعم.
16 - لمياء في شفتيها حوة لعس ... كالشمس لما بدت أو تشبه القمرا
"حوة": سواد في الشفة. و"اللعس": شبيه به.
17 - حسانة الجيد تجلو كلما ابتسمت ... عن منطق لم يكن عياً ولا هذرا
"الجيد": العنق. و"الهذر": كثرة لاكلام. ومعنى: "عن منطق لم يكن عياً" كقولك في الكلام عن فضل: "لم يكن لؤماً ولا وضاعة". وأراد: تجلو شفتيها عن منطق إذا تبسمت. لم يكن المنطق عياً ولا هذراً.
18 - عن واضح ثغرة حم مراكزه ... كالأقحوان زهت أحقافه الزهرا
"زهت أحقافه"، أي: رفعت. و"الحقف" من الرمل: ما انعطف. و"الزهر": النور. ويروى: "لونه حم ... ".
19 - ثم استقلوا فبت البين واجتذبت ... حبل الجوار نوى عوجاء فانبترا
"استقلوا"، يعني: الحي، فبت البين وانقطع. و"النوى": 75 أ/ النية. و"عوجاء" يعني: النية أنها ليست على القصد. يقول: كانوا في مكان فتفرقوا. و"انبتر": انقطع.
20 - ما زلت أطرد في آثارهم بصري ... والشوق يقتاد من ذي الحاجة النظرا
يريد: كأني أسوق بصري في آثارهم. وقوله: "والشوق يقتاد من ذي الحاجة"، أي: يقود النظر من الرجل الذي له حاجة.
21 - حتى أتى فلك الخلصاء دونهم ... واعتم قور الصحى بالآل واختدرا
"الفلك": نجف من النجف مستدير لا يبلغ أن يكون جبلاً. و"القور": الجبال الصغار. و"اختدر القور": ستره الآل، أي: اتخذه خدراً. ويروى: "قوز".
22 - يبدون للعين أحياناً ويسترهم ... ريع السراب إذا ما خالطوا خمرا
"يبدون": يظهرون. "أحياناً": تارات. و"يسترهم ريع السراب": وهو ما يجيء ويذهب. ومنه يقال: "هل راع عليك القيء"، يريد: هل رجع. وقوله: "إذا ما خالطوا خمراً" يقول: يسترهم "الخمر": وهو ما واراك من الشجر.
23 - كأن أظعان مي إذا رفعن لنا ... بواسق النخل من يبرين أو هجرا
شبه الإبل عليه الهوادج بنخل يبرين أو نخل هجر. و"بواسق": طوال. و"يبرين": خلف اليمامة.
24 - يعارض الزرق حاديها وتعدله ... حتى إذا زاغ عن تلقائها اختصرا
75 ب/ يريد أن حادي الأظعان يعارض "الزرق": وهي أكثبة بالدهنا و"تعدل" أي: الزرق تعدل الحادي، لا يقدر أن يركبها، ترده. وقوله: "حتى إذا زاغ"، يعني: الحادي، أي: مال. وقوله: "عن تلقائها"، يريد: عن تلقاء الزرق، أي: ليست بإزائه، يعني: الزرق، أنها ليست بحذاء الحادي. "اختصر الرمل": وهو الزرق. وذلك أنه لا يستطيع أن يركب الزرق. وقوله: "يعارض الزرق حاديها"، أي: يسير معارضاً لها في أحد الشقين ويعدله عن معظم الرمل.
25 - إذا يعارضه وعث أقام له ... وجه الظعائن خل يعسف الضفرا
يقول: إذا عارض الحادي "وعث": وهو ما سهل ولان، "أقام له"، أي: للحادي وجه الظعائن على الطريق، على القصد. وقوله: "خل يعسف الضفرا"، يقول: الخل يمر في "الضفر": وهو رمل متعقد.
26 - حتى وردن عذاب الماء ذا برق ... عدا يواعدنه الأصرام والعكرا
"برق": حجارة ورمل. و"العد": الذي لا ينقطع ماؤه، إذا ذهب ماء جم ماء مكانه. وقوله: "يواعدنه الأصرام"، أي: الأظعان يواعدن العد. "الأصرام": القطيع من الناس. والواحد: "صرم". و"العكر" من الإبل: ما بين العشرين إلى الثلاثين إلى الأربعين. وهو كما تقول: "واعدتك المسجد".
27 - زار الخيال لمي بعد ما خنست ... عنا رحى جابر والصبح قد جشرا
"خنست" أي: توارت. و"الرحى": قطعة من الأرض نجفة قدر نصف ميل. 76 أ/ و"رحى جابر": موضع. ويقال:
"جشر الصبح"، إذا انفلق. ويروى: "حائر".
28 - بنفحة من خزامى فائج سهل ... وزورة من حبيب طالما هجرا
يريد: زار خيال مي بنفحة من خزامى. و"فائج": أمكنة مفتحة. و"الخزامى" نبت طيب الريح. وقيل: "فائج": بين رملتين، وهو أجود.
29 - هيهات مية من ركب على قلص ... قد اجرهد بها الإدلاج وانشمرا
قوله: "هيهات مية"، يقول: ما أبعدها. و"اجرهد"، إذا مضى وجد.
30 - راحت من الخرج تهجيراً فما وقعت ... حتى انفأى الفأو عن أعناقها سحرا
قوله: "فما وقعت"، يريد: ما نزلت واستراحت. يقال: "كان ذلك وقعة في وجه السحر" وقوله: "حتى انفأى الفأو"، أي: انشق. و"الفأو": مكان. أي: انشق فخرج منه. والمكان لا ينشق، إنما المعنى: وافقوا السحر بالفأو. وكأن السحر خرج من ذلك الموضع حين صاروا فيه. وقوله: "عن أعناقها"، أي: عن أعناق الإبل.
31 - تسمو إلى الشرف الأقصى كما نظرت ... أدم أحن لهن القانص الوترا
يريد أنها تشرف ببصرها إلى كل شخص. يقول: لا ينكسر طرفها ولا يفتر. و"الشرف": ما ارتفع: وقوله: "أحن لهن القانص الوتر"، أي: أنبض القانص وهو الصائد الوتر، فسمع للوتر كالحنين.
32 - ومنهل آجن قفر محاضره ... تذري الرياح على جماته البعرا
76 ب/ "منهل": موضع ماء. و"آجن": متغير. و"الجمات": الواحدة "جمة" و"جم": وهو مجتمع الماء ومستنقصه. و"تذري الرياح البعر" أي: تقلع البعر من موضعه قلعاً وتلقيه على جمته، وأما "تذروه الرياح": فتطيره.
33 - أوردته قلقات الضفر قد جعلت ... تبدي الأخشة في أعناقها صعراً
يريد: أوردت ذلك الماء "قلقات" يريد: إبلاً قد قلق "ضفرها"، أي: نسعها يجيء ويذهب من ضمر البطن. و"الخشاش": الحلقة في عظم أنف البعير. و"الصعر": ميل، يقول: هي تشتكي الأخشة فيبدو "الصعر"، يريد: الميل. يقول: رأسها في ناحية. ويروى: "في هاماتها".
34 - فاستكمش الليل عنها بعدما صدرت ... يهوي الحمام إلى أسارها زمرا
"استكمش الليل"، إذا ذهب. "بعدما صدرت": وهو أن تكون في الماء ثم تخرج عنه. و"الحمام يهوي إلى أسآر" هذه الإبل من الماء، الواحد. "سؤر". و"زمراً"، أي قطعاً.
35 - ترمي الفجاج بآذان مؤللة ... وأعين كتم لا تشتكي السدرا
"الفجاج": الطرق "مؤللة": محددة. و"أعين كتم": لا تدمع. لا تشتكي "الدرا": وهو ثقل العين.
36 - للركب بعد السرى مالت عمائمهم ... منيتهم نفحات الجود من عمرا
يريد: ترمي الفجاج للركب. "عمر": ابن هبيرة.
77 أ 37 - كم جبت دونك من تيهاء مظلمة ... تيه إذا ما مغني جنها سمرا
"جبت": قطعت. و"تيهاء": مفازة يتاه فيها و"تيه"، جمع: تيهاء". و"سمر"، يقول: لم ينم.
38 - ومزبد مثل عرض الليل لجته ... يهل شكراً على شطيه من عبرا
"مزبد"، يعني: الفرات. "مثل عرض الليل"، يعني: ناحيته وجانبه وقوله: "يهل شكراص"، أي: يكبر ويرفع صوته.
39 - أنت الربيع إذا ما لم يكن مطر ... والسائس الحازم المفعول ما أمرا
40 - ما زلت في درجات الأمر مرتقياً ... تسمو وينمي بك الفرعان من مضرا
قوله: "الفرعان"، يعني: الأعمام والأخوال.
41 - حتى بهرت فما تخفى على أحد ... إلا على أحد لا يعرف القمرا
42 - إنا وإياك أهل البيت يجمعنا ... حسان في باذخ فخر لمن فخرا
قوله: "يجمعنا حسان" .. أم هبيرة: امرأة من بني عدي ابن ملكان، يقال لها بسرة بنت حسان. وقوله: "باذخ" يريد: شرفاً مشرفاً.
43 - مجد العديين جداك اللذان هما ... كانا من العرب الأنفين والغررا
"العديان": عدي بن عبد مناة بن أد، رهط ذي الرمة، وعدي بن فزارة.
77 ب 44 - وأنت فرع إلى عيصين من كرم ... قد استطالا ذرى الأطواد والشجرا
"العيص": الشجر الملتف، وهو ذو شوك. و"السدر": من العيص. وأراد بقوله: "عيصين": حيين. وإنما يعني كثرة العدد والمنعة. و"الأطواد": الجبال. و"ذراها": أعلاها.
45 - حللت من مضر الحمراء ذروتها ... وباذخ العز من قيس إذا هدرا
46 - والحي قيس حماة الناس مكرمة ... إذا القنا بين فتقي فتنة خطرا
إذا شالوا القنا فقد "خطرت".
47 - بنو فزارة عن آبائهم ورثوا ... دعاثم الرشف العادية الكبرا
48 - المانعون فما يسطاع ما منعوا ... والمنبتون بجلد الهامة الشعرا
[يريد أن لهم على كل أحد نعمة، وهذا كما يقال: "فلان أنبت الشعر على رأس فلان"، إذا كان كثير الإنعام عليه]. [ويروى: "بجلد الراحة الشعرا"، وهي أبلغ في المدح].










مصادر و المراجع :

١- ديوان ذي الرمة شرح أبي نصر الباهلي رواية ثعلب

المؤلف: أبو نصر أحمد بن حاتم الباهلي (المتوفى: 231 هـ)

المحقق: عبد القدوس أبو صالح

الناشر: مؤسسة الإيمان جدة

الطبعة: الأولى، 1982 م - 1402 هـ

عدد الأجزاء: 3 (في ترقيم مسلسل واحد)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید