المنشورات

امرئ القيس و سبب ملك آبائه:

أما سبب ملك آبائه على بني وائل رواه أبو عبيدة قال:
لما تسافهت1 بكر بن وائل وقطع بعضها أرحام بعض اجتمع رؤساؤهم فقالوا: إن سفهاءنا قد غلبوا علينا حتى أكل القويُّ الضعيفَ ولا نستطيع دفع ذلك فنرى أن نملِّك علينا ملكًا نعطيه الشاء والبعير فيأخذ للضعيف من القوي ويرد على المظلوم من الظالم، ولا يمكن أن يكون من بعض قبائلنا فيأباه الآخرون فيفسد ذات بيننا ولكنا نأتي تبعًا1 فنملكه علينا. فأتوه وذكروا له أمرهم فملك عليهم حُجرًا ملك كندة. فلما ملك سدَّد أمورهم وساسهم أحسن سياسة وانتزع من اللخميين2 ما كان بأيديهم من أرض بكر بن وائل.
ولَمَّا مات ملك ابنه عمرو إلى سنة 524م ثم الحارث بن عمرو وهو جدّ امرئ القيس وأمه بنت عوف بن محلِّم بن ذهل بن شيبان ونزل الحيرة وكانت فيها النصرانية وبقي عليها.
ثم تفاسدت3 القبائل من نزار فأتاه أشرافهم فقالوا: إنّا في دينك، ونحن نخاف أن نتفانى فيما يحدث بيننا فوجِّه معنا بنيك ينزلون فينا فيكفون بعضنا عن بعض.
وكان للحارث خمسة بنين: حُجر ومعدي كرب الملقب بالغلفاء، لأنه كان يغلف رأسه بالطيب وشرحبيل، وسلمة، وعبد الله. فقرّقهم الحارث أبوهم في قبائل العرب: فملك ابنه حجرًا على بني أسد وغطفان، وملّك شرحبيل على بكر بن وائل وبني حنظلة؛ وملك معدي كرب على بني تغلب وطوائف بني دارم وبني رقية، وملَّك عبد الله على بني عبد القيس، وملَّك سلمة على قيس.
وبقي الحارث مدَّة في ملكه حتى طلبه أنوشروان وكان ينقم عليه لأمر صدر منه أيام والده قباذ. فبلغ ذلك الحارث وهو بالأنبار وكان بها منزله. فخرج هاربًا في هجائنه وماله وولده بالثويَّة. وتبعه المنذر بالخيل من تغلب وبهراء وإياد، فلحث بأرض كلب، فنجا، وانتهب ماله وهجائنه، وأخذت بنو تغلب ثمانية وأربعين نفسًا من بني آكل المرار4 فقتلوهم بجفر الأملاك في ديار بني مرينا العِباديين بين دير هند والكوفة، وفيهم يقول امرؤ القيس أبياته التي مطلعها:
ألا يا عين! بَكّي لي شنينا ... وبَكّي لي الملوك الذاهبينا
ومضى الحارث وأقام بأرض كلب، وكلبٌ يزعمون أنهم قتلوه، وعلماء كندة يزعمون أنه خرج إلى الصيد فألظَّ بتيس من الظباء، فأعجزه، فآلى بأليَّة1 ألا يأكل أولًا إلا من كبده فطلبته الخيل ثلاثًا، فأتى به بعد الثالثة وقد هلك جوعًا، فشوى له الكبد وتناول منه فلذة2 فأكلها حارَّة فمات.









مصادر و المراجع :

١- شرح المعلقات السبع

المؤلف: حسين بن أحمد بن حسين الزَّوْزَني، أبو عبد الله (المتوفى: 486هـ)

الناشر: دار احياء التراث العربي

الطبعة: الأولى 1423هـ - 2002 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید