المنشورات

تجربة طرفة الحياتية

1- علاقته بالرفاق:
من المعروف أن طرفة أنفق ماله الموروث إنفاق غر جاهل، مقبل على الحياة مستنفد متع اليوم، هاربًا من التفكير بغد لا يضمن فيه لنفسه شيئًا. وظل كذلك: ينفق عن سعة والأصدقاء يتحلقون حوله، إلى أن افتقر ونفد ماله. تلفت حواليه فوجد الأصدقاء يبتعدون والرفاق يتخلون، والأهل الذين كانوا يلومون وينصحون باتوا ناقمين متجنبين. لقد غدا وحيدًا، وحيدًا، فتألم وندت عنه صيحة أسىً: "أفردت إفراد البعير المعبد". وكانت التجربة قاسية، تركت أثرًا عميقًا في نفسه، وتجلت في شعره.
2- علاقته بأخيه معبد:
إننا لا نعرف الكثير عن علاقة طرفة بوالده، لكن إذا صح افتراضنا أن العبد كان متزوجًا من امرأة أخرى بكرية هي أم معبد، غير وردة أم طرفة، وقبل زواجه من هذه، فإن تمييزًا في المعاملة، لا شك واقع بين طرفة وأخيه: فهذا بالنسبة إلى البكريين هو أصيل الجذرين، وبصفته الولد البكر يستقطب العناية ويكون له نوع من السلطة على الأخ الصغير.
والواقع أن طرفة، حين احتاج إلى مساعدة معبد أخيه لم يبادر هذا إلى تقديم مساعدة عفوية، بل عرض عليه عملًا عنده وهو عمل غير ذي شأن ولا بمستوى طموح الشاعر، بل إنه أقرب إلى عمل السوقة والخدم والخاملين، نقصد به رعي الإبل.
وحين أحس معبد من أخيه تقصيرًا في رعاية إبله، وانشغالًا عنها بالركض خلف القوافي الشاردة، قرعه وأنبه وهدده بأنه لن يتهاون معه إذا فقدت الإبل، وأن الشعر لن تكون له أدنى شفاعة عنده.
وحين فقدت الإبل، لم يتهاون معبد مع الشاعر، بل حقق فعلًا تهديده وتطلب إعادة إبله بأية وسيلة: لم يرق، ولم يسامح كما يفعل الأخ، ولم يقدم قط مساعدة بل بقي متفرجًا مع المتفرجين منتظرًا شأن الأغراب البعداء.
ووجد طرفة نفسه يدق الأبواب ويسعى إلى باب كل جواد كريم من عائلته طلبًا لعون، ولا عون. ليس إلا اللوم والتقريع والتهرب.
ويجد طرفة نفسه مرة أخرى فريسة للأسى والتخلي، ويأسف على أنه لم يكن من ذوي اليسار ولا من السادة الكثيري الخير، الكثيري الولد، ويتمنى لو أنه كان قيس بن خالد أو عمرو بن مرثد.
ويسمع السيدان الكريمان بالأمنية، فيعدانها مدحًا يتوجب عليهما إثابته فيثيبان.
هكذا ابتسم الحظ لطرفة إذ وجد من يقبض عملة الشعر ويقايضها بالإبل، فخامره الزهو بموهبته الشعرية إذ غدت رأسمالًا مؤكَّد الربح ... رد الإبل لمعبد وبقي له منها ما يغذي مرحلة جديدة من اللهو والإنفاق والتبذير، إلى أن يفتقر] .









مصادر و المراجع :

١- شرح المعلقات السبع

المؤلف: حسين بن أحمد بن حسين الزَّوْزَني، أبو عبد الله (المتوفى: 486هـ)

الناشر: دار احياء التراث العربي

الطبعة: الأولى 1423هـ - 2002 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید