المنشورات

لا يحزن الله الأمير فإنني ... لآخذ من حالاته بنصيب

هي من ثالث الطويل في قول الخليل, وعلى رأي غيره من السحل الأول وقافيتها من المتواتر.
يقال: حزنه الأمر وأحزنه, وأكثر القراء على فتح الياء {ليحزنني أن تذهبوا به} , وقرأ بعضهم: {ليحزنني} , قال يزيد بن الطثرية: [الطويل]
ألا طرقت ليلى فأحزن طيفها ... وقدما عدانا طيف ليلى فأحزنا
وفي هذا البيت خرم, ولم يخرم أبو الطيب إلا في موضعين: أحدهما هذا, والآخر: إن تك طيئ كانت لئامًا
وقوله:
سبقنا إلى الدنيا فلو عاش أهلها ... منعنا بها من جيئةٍ وذهوب
يريد أن أهل الأرض المتقدمين لو كانوا باقين لم يكن المتأخرون خلقوا, وهذا مأخوذ من قول بعض الحكماء لبعض الملوك لَّما قال: ما أطيب الملك لودام؛ فقال: لودام لم يصل إليك. وقوله:
ولا فضل فيها للشجاعة والندى ... وصبر الفتى لولا لقاء شعوب
شعوب: اسم للمنية معرفة لا تدخله الألف واللام, ولا ينصرف إلا في الضرورة, وقد صرفه أبو الطيب في هذا البيت, وأنشد ابن السكيت بعد ذكره أن شعوب لا تنصرف قول أبي الأسود الدؤلي: [المتقارب]
فقام إليها بها ذابح ... ومن تدع يومًا شعوب يجبها
الرواية الصحيحة: يجئها من جاء يجيء, وخففت الهمزة فدل كلامه على أن شعوب غير مصروفة في هذا البيت, وترك صرفها يؤدي إلى زحاف تنكره الغريزة, وإن صرفت ذهب الزحاف وهو م ثل قول عبد قيس بن خفاف البرجمي:
ووقع اللسان كحد السنان ... ورمحًا طويل القناة عسولا
وبعضهم ينشد طويل قناةٍ فيذهب الزحاف. وسميت المنية شعوب؛ لأنها تشعب؛ أي: تفرّق, والشعب يكون في معنى التفرق, وفي معنى الجمع والالتئام, ومن التفرقة قول الغنوي: [الكامل]
وإذا رأيت المرء يشعب أمره ... شعب العصا ويلج في العصيان
فاعمد لما تعلو فما لك بالذي ... لا تستطيع من الأمور يدان
ومن الالتئام والجمع قولهم: شعبت القدح؛ أي: جمعت ما افترق منه. وادعاء أبي الطيب أن الدنيا لا فضل فيها للشجاعة والندى وبذل اللهى, لولا الموت, غير صحيح؛ لأن الناس لو كانوا مخلدين لم تنقص فضيلة الجود وغيره من الأشياء المحمودة. 
وقوله:
وأوفى حياة الغابرين لصاحبٍ ... حياة امرئٍ خانته بعد مشيب
أي: الباقين. وزعم بعضهم أن غبر يكون في معنى مضى.
وقوله:
لأبقى يماك في حشاي صبابةً ... إلى كل تركي النجار جليب
قوله: لأبقى: فيه لام القسم, كأنه قدم يمينًا قبل ذلك, كأنه قال: فالله لأبقى, وأحلف لأبقى, والمعنى معنى قد, وهو مثل قول امرئ القيس: [الطويل]
حلفت لها بالله حلفة فاجرٍ ... لناموا فما إن من حديثٍ ولا صال
أي: لقد ناموا.
ويماك: اسم أعجمي, والأعجمية على ضربين: منها ما يوافق كلام العرب, وإن لم يكن مستقى منه, ومنها ما لا يوافق, فمما وافق قولهم: أسبار, وهو أعجمي لا محالة وهو موافق لأسبار إذا كان جمع سبر, وهو الهيئة والحال من قولهم: هو حسن السبر.
وأما الذي لا يوافق فمثل يماك, لم يذكر اليمك في شيء من كلام العرب, والنجار: الأصل, يقال: نجار ونجار ونجر.
وقوله:
لئن ظهرت فينا عليه كآبة ... لقد ظهرت في حد كل قضيبٍ
يقال: لكل سيف دق عرضه قضيب, فإذا عرض فهو الصفيحة. قال الشاعر: [الطويل]
ولم أر مغلوبين يفري فرينا ... ولا وقع ذاك السيف وقع قضيب
فإذا قيل: قاضب, فالمراد قاطع, والجمع قواضب, ويجوز أن يدعى لقولهم: قضيب, أنه في معنى قاضب, وقد نقل إلى فعيل للمبالغة, كما يقال: عالم وعليم, والأول أشبه.
وقوله:
وفي كل قوسٍ كل يوم تناضلٍ ... وفي كل طرفٍ كل يوم ركوب
القوس: مؤنثة, وقالوا في تصغيرها: قويس, فلم يدخلوا الهاء, والحكم في الثلاثي المؤنث إذا صغر أن تثبت فيه هاء التأنيث, كما قالوا: نار ونويرة, وشمس وشميسة, ولم يحكوا قويسة, وقالوا للرجل إذا حسنت حاله: صار خير قويسٍ سهمًا, وجمع قوس في أدنى العدد أقؤس بهمز الواو لأجل الضمة؛ وذلك اختيار المازني, وذهب غيره إلى أن إظهار الواو أحسن, وقالوا في الكثيرة: قياس كما قالوا: ثوب وثياب, وقلبوا فقالوا: قسي, فلزموا الكسرة في القاف ولم تضم, كما قالوا: دلي ودلي؛ لأنهم أرادوا أن يدلوا على كسرة قياس. وأن قسيا مقلوبة منها.
والتناضل يستعمل على وجهين: أحدهما أن يرمي القوم سهامهم لينظروا أيهم أحسن رميًا. والآخر أن يتناضلوا, وهم يريدون الحرب والشر, ثم نقلوا هذه اللفظة, فقالوا: ناضل فلان فلانًا إذا نازعه في أمر أو فاخره. ومن أبيات المعاني: [البسيط]
قد ناضلوك فأبدوا من كنائنهم ... مجدًا تليدًا ونبلًا غير أنكاس
ناضلوك هاهنا في معنى فاخروك, وكان الرجل منهم إذا جز ناصية أسيره جعلها في كنانته, فإذا فاخر يومًا نكب كنانته وقال: هذه ناصية فلان؛ فذلك عني القائل بقوله: مجدًا تليدًا.
وقوله:
كأن الردى عادٍ على كل ماجدٍ ... إذا لم يعوذ مجده بعيوب
يقول: كأن الردى يعدو على الماجدين إذا لم يكن لهم عيب, وكانت العرب في الجاهلية تعلق على أولادها ومن تشفق عليه عظام الميتة, ورؤوس الأرانب, والأنجاس, قال الشاعر: [الطويل]
لو كنت في نيقٍ على رأس هصبة ... وعلق أنجاسًا علي المنجس
إذًا لأتاني الموت يحدوه سائق ... إليَّ وهادٍ دون ذاك منقرس
وقال امرؤ القيس: [المتقارب]
يا هند لا تنكحي بوهةً ... عليه عقيقته أحسبا
مرسغةً بين أرساغه ... به عسم يبتغي أرنبا
قيل: إنه أدخل الهاء للمبالغة, وإنما هو مرسغ.
(7/ب) [المتقارب]
يعلق في ساقه رأسها ... حذار المنية أن يعطبا
والماجد: الكريم بن الكرماء, وقال قوم: بل يكون الماجد بنفسه دون آبائه, ويزعمون أنه أخذ من قولهم: مجدت الإبل, إذا امتلأت بطونها من الرعي, ويقال: استمجد من الشيء إذا استكثر منه, والمثل السائر: «في كل شجر نار, واستمجد المرخ والعفار»؛ أي: استكثر من النار.
والعيوب يجوز فيها كسر العين وضمها, وكذلك ما جمع على فعول من ذوات الياء, مثل: شيخ وشيوخ, وبيت وبيوت, وجيب وجيوب.
وقوله:
ولولا أيادي الدهر والجمع بيننا ... غفلنا فلم نشعر له بذنوب د
أيادي الدهر: أي: نعمه وإحسانه, وأصل ذلك في بني آدم, ولكنهم لما أخبروا عن الدهر كما يخبرون عمن يعقل, ونسبوا إليه الإساءة والإحسان جاز أن يجعلوا له أيادي.
وتروى حكاية عن أبي عمرو بن العلاء, وأبي الخطاب الأخفش معناها أن أبا الخطاب وأبا عمرو كانا في مجلس ومعهما جماعة, فذكر أبو عمرو أن الأيادي لا تستعمل إلا في النعم, وأنه لا يقال أيادي القوم في جمع يد, فسكت أبو الخطاب فلم انصرف قال لمن صحبه: والله إنها لفي علمه, ولكنه نسي, وهو أنشدنا هذا البيت: [الخفيف]
ساءها ما تأملت في أياديـ ... ـنا وإشناقها إلى الأعناق
ومعنى البيت: أن الدهر لو لم يحسن إلينا بالجمع بيننا لكنا غافلين في العدم لم نشعر له بذنوب.
وقوله:
وللترك للإحسان خير لمحسنٍ ... إذا جعل الإحسان غير ربيب
هذا البيت شرح للبيت الأول, وأقامه حجةً على الدهر, كأنه قال: أحسن إلينا الدهر في بيننا, وأساء فيما صنعه من التفرقة, وترك من أحسن إحسانه أجمل به من أن يحسن ثم يجيء بإساءة. يقال: رب الإحسان إذا زاده, ودام عليه, وهو من قولهم: رببت الصبي.
وقوله:
فتى الخيل قد بل النجيع نحورها ... تطاعن في ضنك المقام عصيب
قوله: فتى الخيل: كلام فيه حذف, وإنما يريد فتى الخيل الذي يفضل الفتيان؛ كما تقول: فلان ردل بني فلان, أي: هو أفضل رجلً فيهم, وقد يجوز أن يكون فيهم جماعة يقع عليهم هذا الاسم, ومنه قول الهذلي: [الطويل]
لعمرو أبي الطير المربة بالضحى ... على خالدٍ أن قد وقعن على لحم
أي لحم رجلً عظيم الشأن. ومنه حديثٌ يروى عن رجل من اليهود أنه رأى عليًا - رضي الله عنه - يشتري جهازًا لامرأة, فقال له: بمن تزوجت؟ فقال: بفاطمة ابنة محمد صلى الله عليهما, فقال اليهودي: لقد تزوجت با مرأةٍ! أي: ذات شرفٍ عظيمٍ, وقد علم أن هذا الاسم يقع على جميع النساء.
والخيل يراد بها هاهنا فرسان الخيل, ولكنهم يحذفون المضاف كثيرًا, والتطاعن إنما يكون من الفرسان لا من الخيل. ومن حذف المضاف قول الراجز: [الراجز]
كأن بزا تحته وقزّا ... أو فرشًا محشورةً إوزّا
أي: ريش إوز. وضنك المقام أي: ضيقه, والمعنى في مكان ضنكٍ مقامه, وعصيب: أي: شديد, كأنه يعصب القوم كما تعصب السلمة ليخبط ورقها, يقال: يوم عاصب وعصيب. وهذا البيت ينسب إلى تأبط شرًا [الكامل]
وإذا دعيت لشر يومٍ عاصبٍ ... فاصبر ليوم الشر حتى ينجلي
وقوله:
يعاف خيام الريط في غزواته ... فما خيمه إلا غبار حروب
الريط: جمع ريطة, وهي كل ثوبٍ لم يكن لفقين.
وقوله:
تسل بفكرٍ في أبيك فإنما ... بكيت وكان الضحك بعد قريب
ذكر ابن السكيت: الفكر, بالفتح, وكأنه عنده أفصح من الفكر, بكسر الفاء, ويقال في تثنية أبٍ: أبوان على الإتمام, وأبان على ترك الاسم منقوصًا. وفي النصب أبوين وأبين.
فأما قولهم في الجمع: أبون وأبين فيجوز أن يكون على الإتمام, وعلى النقص؛ لأنه إذا قال في التثنية أبوان وجب أن يقول في الجمع أبوين على القياس؛ وذلك لا يجوز. ولو سميت رجلًا بعصًا لقلت في التثنية: عصوان, وفي الجمع المنصوب عصين, والأصل: عصوين فاستثقلوا الكسرة على الواو فسكنوها فالتقى ساكنان, فحذفت الواو, وبقيت الصاد مفتوحة.
أو يكونوا جاؤوا بياء الجمع بعد ألف عصا (8/أ) فالتقى ساكنان فحذفت الألف.
والنحويون يقولون: قلبت الواو ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها؛ وذلك لا يحتاج إليه, بل يقال: إن الياء راموا دخولها بعد ألف عصا وهي ساكنة فأوجب ذلك لها السقوط, وهذا الشعر ينسب إلى الفرزدق: [مجزوء الكامل]
يا خليلي اسقياني ... أربعًا ثم اثنتين
من شرابٍ كدم الجو ... ف يحر الكليتين
واصرفا الكأس عن الجر ... هل يحيى بن حصين
لا يذوق اليوم كأسًا ... أو يفدى بالأبين
وقول الشاعر: [المتقارب]
فلما تسمعن أصواتنا ... بكين وفديننا بالأبينا
يجوز أن يكون جمع أبٍ على الإتمام, وهو جمع على النقص. وكذلك قولهم: أخون وأخين في جمع أخ. قال الشاعر: [الوافر]
وكان لنا فزارة عم سوءٍ ... وكنت له كشر بني الأخينا
وقوله:
وللواجد المكروب من زفراته ... سكون عزاءٍ أو سكون لغوب
الزفرات: جمع رفرة, وهو الزفير؛ وذلك صوت يخرج عن حبس النفس في الجوف, ومنه قولهم: طوى الفرس على زفرته؛ أي: أنه مجفر الجنبين, زفر, ثم خيط على ذلك, فثبت, ولم يزل عن تلك الحال, قال الجعدي: [المنسرح]
خيط على زفرةٍ فتم ولم ... يرجع إلى دقةٍ ولا هضم
واللغوب: الإعياء, وقد حكي بفتح اللام, وروي أن أبا عبد الرحمن السلمي قرأ: {وما مسنا من لغوب} , بفتح اللام.
وقوله:
وكم لك جدًا لم تر العين وجهه ... فلم تجر في آثاره بغروب
الغروب: جمع غرب, وأصل الغرب حدة الشيء, وأصحاب النقل يتجوزون في العبارة فيقولون: الغروب: الدمع, وقيل: الغرب أن لا ترقأ الدمعة, قال الراجز: [الرجز]
مالك لا تذكر أم عمرو ... إلا لعينيك غروب تجري
والمعنى أن الإنسان إنما يحزن لمن يعرف ويشاهد, فأما جدوده الذاهبون فلا يدركه عليهم البكاء, وهو معنى قول أبي خراش الهذليّ: [الطويل]
ولكنّها تعفو الكلوم وإنما ... نوكل بالأدنى وإن جل ما يمضي
وقوله:
وفي تعبٍ من يحسد الشمس نورها ... ويجهد أن يأتي لها بضريب
ضريب الإنسان مثله وشبهه, وأصل ذلك فيما يضرب من الدراهم والسيوف. يقال: هذا من ضرب هذا؛ أي: أنه قد ضرب معه فهو له مشابه, وكأن ضريبًا جاء على قولهم: هو يضاربه أي يكون من ضربه الذي ضرب معه, إما من السيوف, وإما من الدراهم, كما يقال: جالسه فهو جليسه, وصادقة فهو صديقه, ونحو ذلك.











مصادر و المراجع :

١- اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي

المؤلف: أبو العلاء أحمد بن عبد الله المعري (363 - 449 هـ)

المحقق: محمد سعيد المولوي

الناشر: مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية

الطبعة: الأولى، 1429 هـ - 2008 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید