المنشورات

فديناك من ربع وإن زدتنا كربا ... فإنك كنت الشرق للشمس والغربا

وهي من الطويل الأول, وقافيتها من المتواتر.
الربع: المنزل في كل الأحيان, والمربع: المنزل (9/أ) في الربيع خاصة.
وقوله:
نزلنا عن الأكوار نمشي كرامةً ... لمن بان عنه أن نلم ربه ركبا
الركب: جمع راكب, وهم أصحاب الإبل خاصة, كذلك يقول أصحاب النقل, فإذا جاؤوا بالفعل قالوا: ركب, [ثم] توسعوا في هذه الكلمة فقالوا: ركب الناقة والفرس والحمار وغير ذلك. فإذا قالوا: أركوب فقد اختلفوا فيه فقيل: الأركوب مثل الركب, وقيل: هو أكثر منه, وقيل بل الركب أكثر من الأركوب, وإذا صغروا الركب قالوا: ركيب, قال الشاعر: [الطويل]
وأين ركيب واضعون رحالهم ... إلى أهل نارٍ من أناسٍ بأسودا
وقوله:
نذم السحاب الغر في فعلها به ... ونعرض عنها كلما طلعت عتبا
السحاب: جمع سحابة, وكل جمع ليس بينة وبين واحده إلا الهاء يجوز أن يحمل على التوحيد فيقال: هذا تمر طيب, وإن قيل: هذا تمر طيبة فحسن.
وقوله: الغر قد جاء بالنعت مجموعًا, ولو قيل: السحاب الأغر لكان صوابًا, ومثل مجيء النعت مجموعًا قوله تعالى: {وينشئ السحاب الثقال} , ولو أنه في غير كتاب الله سبحانه لجاز أن يقال: السحاب الثقيل.
وقوله:
وكيف التذاذي بالأصائل والضحى ... إذا لم تعد ذاك النسيم الذي هبّا
قالوا: أصيل وأصائل, قال الهذلي: [الطويل]
لعمري لأنت البيت أكرم أهله ... وأقعد في أفيائه بالأصائل
ويقال: أصل, وزعم بعضهم أنه جمع أصيلٍ, مثل: رغيفٍ وزغفٍ, وقال بعضهم: بل هو واحدٌ والجمع آصال, وقالوا: أصيل وأصلان, كما قالوا: رغيف ورغفان, وقالوا في التصغير: أصيلان, وأبدلوا اللام من النون فقالوا: أصيلال.
وكان الفراء يقول: إن أصيلالاً تصغير آصال, وإنهم جعلوا زيادة اللام عوضًا مما حذفوه؛ لأنهم لو جاؤوا به على الأصل لقالوا: أو يصال, وكان يشبّهه بقولهم: دهر وأدهر ثم قالوا: دهارير, كأنه يذهب إلى أنهم أرادوا: أداهير.
والضحى: مؤنثة, وتصغيرها عندهم ضحي, وهذا خلاف ما أصلوه في مؤنث الثلاثي؛ لأنهم يرون زيادة الهاء, فيقولون: شمس وشميسة, وقدم وقديمة, واحتجوا في أنهم قالوا في تصغير ضحى ضحي, فلم يزيدوا الهاء بأنهم فعلوا ذلك ليفرقوا بين تصغيرها وبين تصغير ضحوة, وقالوا: فعل كذا ضحوًا في معنى ضحى, فيجوز أن يكون قولهم: ضحي تصغير ضحو. قال الشاعر: [الطويل]
طربت وهاجتك الحمام السواجع ... تميل بها ضحوًا غصون نوايع
والنسيم: أول الريح, ولا يكون إلا ضعيفًا.
وقوله:
فيا شوق ما أبقى ويا لي من النوى ... ويا دمع ما أجرى ويا قلب ما أصبا
حذف الياءات التي للإضافة وهي اللغة الجيدة, ويجوز في غير هذا الموضع: فيا شوقي بياء ساكنة ويا شوقي بياء مفتوحة, ويا شوقًا بياء منقلبة إلى الألف, وقوله: يا لي: يحتمل وجهين: أحدهما أن يكون أراد اللام المفتوحة التي للاستغاثة, كما يقال: يال فلان, ويال بكرٍ. والآخر أن يكون أراد اللام المكسورة التي تكون في المستغاث من أجله كأنه قال: يا قوم اعجبوا لي من النوى.
وقوله: ما أجرى, وما أصبى, وما أبقى: كله على إرادة الكاف, كأنه أراد ما أبقاك, وما أجراك, وما أصباك, وحذف لعلم السامع.
وقوله:
لقد لعب البين المشت بها وبي ... وزودني في السير ما زود الضبا
أشبه ما يقال في هذا البيت أنهم يزعمون أن الضب إذا خرج من بيته فبعد لم يهتد للرجوع فيقال: «هو أحير من ضب» , «وأبله من ضب». ويجوز أنه يعني أنه لم يزود شيئًا كما أن الضب لا يزود, وخص الضب؛ لأنه لا يحتاج إلى الماء, وكأنه يزود ماءً ولا غيره.
وقوله:
عليم بأسرار الديانات واللغى ... له خطرات تفضح الناس والكتبا
اللغى: جمع لغةٍ, ردت في الجمع إلى الأصل, كأنها لغوة, وربما قالوا في الجمع: لغين, كما قالوا: ثبة وثبين, وقالوا: لغات, وهو المعروف, وقال الشاعر في لغين: [الطويل]
وصهب اللحى شتى اللغين كأنهم ... ضفادع جياتٍ لهن نقيق
(9/ب) وقوله:
فبوركت من غيثٍ كأن جلودنا ... به تنبت الديباج والوشي والعصبا
الديباج: كلمة معربة, وقد استعملوها في الكلام القديم, وقالوا: دبجه الغيث؛ أي: أظهر فيه زهرًا وألوانًا مختلفةً. والوجه كسر الدال من ديباج, وقد حكي فتحها, وهي رديئةً, وقالوا في الجمع: ديابيج. قال ذو الرمة: [الطويل]
يلس الندى حتى كأنه سراته ... عليها دهان أو ديابيج تاجر
والوشي: كل ما كان فيه ألوان مختلفة. والعصب: صله الغزل, ثم قيل للثياب: عصب لأنها تنسج منه. والعصاب: الغزال, كذلك فسروا قول رؤبة: [السريع]
طي القسامي ثياب العصاب
والأشبه أن يكون العصاب هاهنا بائع الثياب التي تسمى عصبًا أو ناسجها. 
وقوله:
ومن واهبٍ جزلًا ومن زاجرٍ هلا ... ومن هاتكٍ درعًا ومن ناثرٍ قصبا
هلا: من زجر الخيل, فإن شئت نونت, وإن شئت لم تنون, وقد أخرجوه من زجر الخيل فاستعملوه للآدميين, قالت الأخيلية: [الطويل]
وأي حصانٍ لا يقال لها هلا
والجزل: أصله في الحطب, وهو ما غلظ منه. قال حاتم الطائي: [الطويل]
ولكن بهذاك اليفاع فأوقدي ... بجزلٍ إذا أوقدت لا بضرام
ثم قالوا: عطاء جزل؛ أي: كثير, والقصب: المعى, وربما قالوا: هو النصف الأسفل مما في البطن. قال الشاعر: [الطويل]
تمشي بها الدرماء تسحب قصبها ... كأن بطن حبلى ذات أونين متئم
وقوله:
وهل رد عنه باللقان وقوفه ... صدور العوالي والمطهمة القبا
المطهم: الحسن الخلق من الخيل والناس. وقالوا: مطهم. قال النمر بن تولب: [المتقارب]
فأحبلها رجل نابه ... فجاءت به جعظرًا مطهما
الجعظر: الكثير العظل واللحم, والقب: جمع أقب وقباء, وهو الذي لحق بطنهُ بخاصرته, وأكثر ما يقال: أقب, وربما قالوا: بطن مقبوب. قال الشاعر: [البسيط]
فاليد سابحة والرجل ضارحة ... والعين قادحة والبطن مقبوب
وقوله:
مضى بعدما التف الرماحان ساعةً ... كما يتلقى الهدب في الرقدة الهدبا
ثنى الرماح؛ لأنها من حيزين: حيز الروم وحيز المسلمين, وربما ثنوا هذا الجمع الذي له وزن في الآحاد, مثل: رماح وجمال؛ لأنهما على وزن حمار وعذار, ويقبح أن يقولوا في مساجد مثل ذلك؛ لأن مساجد جمع لا نظير له في الآحاد. قال أبو النجم: [الرجز]
تبقلت في أول التبقل ... بين رماحي مالكٍ ونهشل
وقال الآخر: [البسيط]
سعى عقالًا فلم يترك لنا سبدًا ... فكيف لو قد سعى عمرو عقالين
لأصبح الحى أوبادًا ولم يجدوا ... عند التحمل للهيجا جمالين
والهدب: ما نبت على شفر العين من الشعر.
وقوله:
ولكنه ولى وللطعن سورة ... إذا ذكرتهما نفسه لمس الجنبا
أصل السورة الوثبة والعلو, وفيه ساوره الأسد؛ أي: واثبه, وقالوا: سور المدينة لارتفاعه.
وقوله: إذا ذكرتها نفسه لمس الجنبا؛ أي: يظن أنه قد طعن فيلمس جنبه هل فيه طعنة أم لا, وهذا نحو من قول الحكمي: [المنسرح]
إذا تفكرت في هواي له ... مسست رأسي هل طار عن جسدي
وقوله:
وخلى العذارى والبطاريق والقرى ... وشعث النصارى والقرابين والصلبا
العذارى: جمع عذراء, وهي التي لم تقتض من النساء. وقالوا: درة عذراء, فزعم بعض أهل العلم أنهم وصفوها بذلك؛ لأنها إذا فتحت عنها الصدقة وجد معها ماء قيل, يذهب إلى أن ذلك الماء مثل الدم الذي يسيل من المقتضة, ويجوز أن يكون قولهم عذراء؛ لأن الذي ظفر بها لم يظفر بها أحد قبله. ويقال في الجمع: عذارٍ مثل صحارٍ, إلا أن عذارى أكثر. والبطاريق: جمع بطريق, وهو صاحب هذه الرتبة من الروم, وكانت العرب تسمع أن البطاريق من أجلاء الروم, فإذا وصفوا الرجل منهم بالفضل قالوا: بطريق؛ أي: هو جليل مثل بطريق (10/أ) الروم, قال أبو ذؤيب: [الطويل]
هم رجعوا بالحزم حزم نبايع ... هوازن يحدوها كماة بطارق
والقرى: جمع قرية, وهو جمع شاذ؛ لأن فعلة لا تجمع على فعلٍ إلا في شذوذ. قالوا: لأمة للدرع والجمع لؤم, ودولة والجمع دول في حروف قليلة, وإنما سميت القرية قرية؛ لأنها موضع يجتمع فيه أهله كأنها مأخوذة من قريت الماء في الحوض إذا جمعته. والنصارى: جمع نصران, كما قالوا: سكران وسكارى, وقالوا للأنثى: نصرانة, قال الشاعر: [الطويل]
فكلتاهما خرت قليلًا وأسجدت ... كما سجدت نصرانة لم تحنف
والقرابين: جمع قربان, والأشبه أن يكون من قرابين الملك؛ أي: جلسائه, وواحدهم قربان, قال الشاعر: [الوافر]
وما لي لا أحبهم ومنهم ... قرابين النبي بنو قصي
ويجوز أن يكون أرد بالقرابين جمع قربانٍ, وهو ما يتقرب به النّصارى في دينهم.
وقوله:
أرى كلنا يبغي الحياة لسعيه ... حريصًا عليها مستهامًا بها صبا
المستهام: الذي يغلب عليه الحب, فيذهب على وجهه في الأرض, يقال: هام يهيم واستهامه الحب.
والصب: أخو الصبابة, وهي رقة الهوى, وقيل: رقة الشوق, والمعنى متقارب. يقال: صب الرجل يصب فهو صب, ويجوز أن يكون صب على فعلٍ, وأصله: صبب, فادغم. قال الهلالي: [البسيط]
بانوا فلست, على أني أصب بهم ... أدري إلى أي صرفي نيةٍ عتكوا
وقوله:
فأضحت كأن السور, من فوق بدؤه ... إلى الأرض, قد شق الكواكب والتربا
فوق هاهنا: غاية, والمعنى أنه وصف بناء هذا الموضع بالعلو, وأنه قد تناهى بانيه, فكان أعلاه في السماء, وأسفله قد شق الأرض.
وقوله:
تصد الرياح الهوج عنها مخافةً ... وتفزع فيها الطير أن تلقط الحبا
يقال: ريح هوجاء, فقيل: هي الدائمة الهبوب, وقيل: هي التي تجريء من كل ناحيةٍ, والأشبه أن تكون ذات الهبوب الدائم؛ لأنها شبهت بالناقة الهوجاء, وهي التي تركب رأسها في السير. قال ابن أحمر في صفة الريح: [الكامل]
ولهت عليه كل معصفةٍ ... هوجاء ليس للبها زبر
وقوله:
وتردي الجياد الجرد فوق جبالها ... وقد ندف الصنبر في طرقها العطبا
ردى الفرس يردي, وهو عدو يرجم فيه الأرض بحوافره. وهذه الحكاية تردد عن الأصمعي كثيرًا, وهو أنه قال: سألت منتجع بن نبهان عن الرديان فقال: عدو الحمار بين آرية ومتمعكه ثم استعاروا الرديان في غير الخيل, وقالوا في أحجيّة لهم: أحاجيك؛ ماذو ثلاث: آذان يسبق الخيل بالرديان. يعنون السهم.
والصنبر هاهنا واحد الصنابر, وهي شدة البرد. قالت الأخيلية: [الطويل]
ولا تأخذ الكوام الجلاد سلاحها ... لتوبة في صر الشتاء الصنابر
وهذا أشبه من أن يكون الصنبر اليوم من أيام العجوز, الذي هو مذكور في البيت المعروف: [الكامل]
كسع الشتاء بسبعة غبر ... بالصن والصنبر والوبر
لأن هذا اليوم يجيء في آخر الشتاء, والبرد في وسطه أشد. والعطب, بسكون الطاء وضمها: القطن. يريد أن الثلج قد وقع على الجبال فكأنه ما ندف من القطن.
وقوله:
كفى عجبًا أن يعجب الناس أنه ... بنى مرعشًا تبًا لآرائهم تبا
تبا لآرائهم: أي: خسرانًا.
وقوله:
ولكن نفاها عنه غير كريمةٍ ... كريم النثا ما سب قط ولا سبا
النثا: ما يظهر من الحديث الحسن أو الشنيع. يقال: نثا الحديث ينثوه نثوًا.
وقوله:
وجيش يثني كل طودٍ كأنه ... خريق رياحٍ واجهت غصنًا رطبًا
الطود: الجبل, وادعى أن الجيش يثني الطود كما تثني الريح الخريق الغصن, وهذا من المبالغة التي يعدها الشعراء من بديع النظام, وهي كذب في الحقيقة. والريح الخريق: الدائمة الهبوب, وقيل: هي التي يسمع لها صوت, قال الشاعر: [الوافر]
كأن هوية خفقان ريحٍ ... خريقٍ بين أعلامٍ طوال









مصادر و المراجع :

١- اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي

المؤلف: أبو العلاء أحمد بن عبد الله المعري (363 - 449 هـ)

المحقق: محمد سعيد المولوي

الناشر: مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية

الطبعة: الأولى، 1429 هـ - 2008 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید