المنشورات

أيدري ما أرابك من يريب ... وهل ترقى إلى الفلك الخطوب

وهي من الوافر على رأي الخليل, ومن ثاني السحل الرابع على رأي غيره, وقافيتها من المتواتر.
يقال: أرابه ورابه بمعنىً. قال الشاعر:
وقد رابني من صاحبي أن صاحبي ... يليح على قرصٍ ويبكي على جمل
وقال جميل: [الطويل]
بثينة قالت يا جميل أربتني ... فقلت كلانا يابثين مريب
وقال قوم: رابني إذا عرفت فيه الريبة, وأرابني إذا ظننتها به, وأنشدوا هذا البيت:
[الطويل]
أخوك الذي إن ربته قال إنما ... أربت وإن عاتبته لان جانبه
والخطوب: الأمر العظام.
وقوله:
يجمشك الزمان هوىً وحبًا ... وقد يؤذى من المقة الحبيب
زعم قوم أن التجميش كلمة مولدة, وإنما يراد به قرص غير مؤلم, وقال قوم: هو مأخوذ من الجمش, وهو الحلب بإصبعين, كأنهم أرادوا أنه مس برفقٍ. والمقة: محذوفة الواو, وهي من قولهم: ومقة مقةً, وأصلها: ومقة, ولو صغرتها لقلت: وميقة.
وقوله: (11/أ)
وأنت الملك تمرضه الحشايا ... لهمته وتشفيه الحروب
الحشايا: جمع حشيةٍ, وهي فراش محشو, وهي معدولة عن محشوة, قال عنترة:
[الكامل]
تمسي وتصبح فوق ظهر حشيةٍ ... وأبيت فوق سراة أدهم ملجم
وادعى لسيف الدولة أن الحشايا تمرضه, وأن الحروب تشفيه؛ وذلك من الكذب الذي اصطلح عليه أصحاب النظم, واستحسنوه في صناعة الشعر.
وقوله:
وما بك غير حبك أن تراها ... وعثيرها لأرجلها جنيب
الهاء في تراها عائدة على الخيل, أضمرها قبل الذكر لعلم السامع بما يريد, والعثير: الغبار, يقول: ما بك داء إلا حبك أن ترى الخيل والغبار طائر من تحت أرجلها, وهو يتبعها كأنه جنيب لها.
وقوله:
مجلحةً لها أرض الأعادي ... وللسمر المناحر والجنوب
المجلحة: الجريئة المقدمة يقال: جلح الذئب إذا لج في الطلب, وجلحت السنة إذا اشتدت على القوم. وقد استعملوا ذلك في الإنس, فقالوا: رجل مجلح إذا ألح في الحاجة. وقال امرؤ القيس: [الوافر]
أرانا موضعين لحتم غيب ... ونخدع بالطعام وبالشراب
عصافير وذبان ودود ... وأجرأ من مجلحة الذئاب
وقوله: لها أرض الأعادي يحتمل أن يريد أنها تركض فيها, وتشغلها بحوافرها, فكأنها لها, أو يريد أن فرسانها يملكونها, فكأنها هي المالكة على معنى السعة والمجاز, كما يقولون: الخيل تعلم, والخيل تشهد؛ أي فوارس الخيل. وللسمر المناحر والجنوب, أي: تطعن بها فكأنها لها دون غيرها.
وقوله: فقرطها الأعنة راجعاتٍ ... فإن بعيد ما طلبت قريب
يقال: قرط الفرس عنانه إذا أرسله من يده حتى يصل إلى أذنه التي هي موضع القرط, أو يمد يده بالعنان حتى تصل إلى ذلك الموضع, والقرط في أسفل الأذن, والشنف في أعلاها؛ فلذلك كان التقريط هاهنا أولى من التشنيف.
وقوله:
أذا داء هفا بقراط عنه ... فلم يوجد لصاحبه ضريب؟
الناس يختلفون في إنشاد هذا البيت, وأصح ما يقال: أذا داء؛ أي: أهذا داء؟ ؟ وتكون الألف للتقرير أو الاستفهام الخالص؛ كأنه لما ذكر داء سيف الدولة, وأنه حب الحرب وشوقه إليها, قال: أهذا الداء داء لم يعرفه بقراط. فأما من يروي: إذا داء فلا وجه لروايته, على أنه يؤدي معنى انفراد سيف الدولة بهذا الداء إذا جعلت الفاء جوابًا لإذا. والذين رووا أذى داءٍ أقرب إلى الإصابة؛ لأنه يحمل على أنه أراد هذا أذى, ويجوز أن يقول أصحاب هذه الرواية: إن الهمزة للنداء, والمعنى: ياذا اداءٍ؛ أي: أنت يا سيف الدولة صاحب هذا الداء.
وقوله:
بسيف الدولة الوضاء تمسي ... جفوني تحت شمسٍ ما تغيب
يقال: وضيء ووضاء, كما يقال: كريم وكرام, قال الشاعر: [الكامل]
والمرء تلحقه بأسباب العلى ... شيم الكريم وليس بالوضاء








مصادر و المراجع :

١- اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي

المؤلف: أبو العلاء أحمد بن عبد الله المعري (363 - 449 هـ)

المحقق: محمد سعيد المولوي

الناشر: مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية

الطبعة: الأولى، 1429 هـ - 2008 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید