المنشورات
بغيرك راعيًا عبث الذئاب ... وغيرك صارمًا ثلم الضراب
وهي في الوزن كالتي قبلها, وقافيتها من المتواتر. يجوز أن يكون نصب راعٍ وصارمٍ على التمييز, وعلى الحال. والصارم: القاطع, وكل صرمٍ قطع.
وقوله:
وتملك أنفس الثقلين طرًا ... فكيف تحوز أنفسها كلاب
الثقلان: يراد بهما الإنس والجنس, ولو تؤول أنهما العرب والعجم لكان ذلك وجهًا؛ لأن الجن لا يظهرون للإنس, فأما الثقلان اللذان في الحديث فتفسيرهما معهما, وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «أترك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي» , وإنما ذلك مأخوذ من ثقل الرجل الذي هو محتاج إلى حمله ومراعاته, فكأن كتاب الله وعترته ثقلا النبي صلى الله عليه وسلم اللذان يجريان مجرى متاعه, وقوله: طرا: يريدون بها معنى الجميع, يقولون: لقيتهم طرًا؛ أي: كلهم, وهو من قولهم: طررت الإبل إذا جمعتها من أطرارها؛ أي: نواحيها, ونصب طر في قول قوم على المصدر, وفي قول قومٍ على أنه حال.
وقوله:
وتسأل عنهم الفلوات حتى ... أجابك بعضها وهم الجواب
(11/ب) الفلوات: جمع فلاةٍ, وهي الأرض المقفرة, وهي مأخوذة من: فلوته بالسيف إذا قطعته, ويحتمل ثلاثة أوجه:
أحدها: أن تكون سميت فلاة لانقطاعها عن الناس.
والثاني: أن تكون سميت بذلك لأنها تفلى؛ أي: تقطع بالسير.
والثالث: أنها تقطع من سار فيها لبعدها.
وقوله:
وقاتل عن حريمهم وفروا ... ندى كفيك والنسب القراب
حريم الرجل: ما يجب عليه أن يحميه من النساء وغيرهن, كأنه الشيء الذي يتحرم به, أي يكون له إليه حرمة, والقراب: مثل القريب إلا أنه أشد مبالغة, قال الحارث بن ظالم: [الوافر]
وكنت إذا رأيت بني لؤي ... عرفت الود والنسب القرابا
والمعنى أن هؤلاء القوم فروا, وتركوا حريمهم, فرحمت من خلفوه لما بينك وبينهم من النسب؛ إذ كنت أنت وهؤلاء القوم يجمعكم في النسب نزار بن معد بن عدنان.
وقوله:
وحفظك فيهم سلفي معد ... وأنهم العشائر والنصاب
عنى بالسلفين ربيعة ومضر؛ لأن سيف الدولة من ربيعة, وبنو كلابٍ مضريون. والمعنى أنك حفظت السلفين المنتسبين إلى معد؛ لأنه لو لم يعن ذلك لاحتمل المعنى أن يحمل على أنه أراد السلفين اللذين قبل معد؛ مثل: عدنان, وأدد.
والعشائر: جمع عشيرة, وهذا اللفظ يقع على البعيد في النسب والقريب, وهو مأخوذ من المعاشرة, وقد قالوا لامرأة الرجل: عشيرته, وكذلك يقولون للجارة, قال أوس بن حجرٍ: [الوافر]
ولست بأطلس الثوبين يصبي ... عشيرته إذا ما الناس ناموا
وأصل المعاشرة - والله أعلم - أن تكون مأخوذةً من أعشار الجزور, فكأن المعاشر - في الأصل - الذي يأخذ مع أصحابه عشر جزورهم, ثم كثر ذلك حتى أصلت المعاشرة الموافقة والمنادمة. والنصاب: الأصل.
وقوله:
تكفكف عنهم صم العوالي ... وقد شرقت بظعنهم الشعاب
تكفكف: في معنى تكف وتصرف, وهو مأخوذ من الكف. ووزن تكفكف على مذهب سيبويه تفعلل, وعلى ما وضع في كتاب العين تفعفع, وعلى مذهب الفراء تفعفل, وإليه ذهب الزجاج. والأشبه أن تكون صم العوالي هاهنا معرفةً, وتكون الإضافة على معنى من, كأنه أراد صما من العوالي, وهذا أحسن من أن تكون نكرةً. ويكون المعنى تكفكف عنهم صمًا عواليها.
وأصل الظعن: الرحيل, وقيل للقوم المتحملين, ظعن وظعن. والشعاب: جمع شعبٍ, وهو الطريق في الجبل. يقول: ترد عنهم الرماح وهو فارّون, قد شرقت الشعاب بظعنهم؛ أي: ضاقت كما يضيق حلق الشرق بما فيه. والشرق هاهنا كقول الآخر: [الوافر]
وما أنا والتلدد حول نجدٍ ... وأجهضت الحوائل والسقاب
الأجنة: جمع جنينٍ, وهو الولد ما دام في بطن أمه؛ لأنه يجن به؛ أي: يستر, والولايا: جمع وليةٍ, وهو شيء يكون على ظهر البعير يجري مجرى البردعة لذوات الحافر. وسمي وليةً لأنه يلي الظهر, أو لأنه يلي ما فوقه.
والمعنى أنهم أعجلوا فركبوا على الولايا, ولم يجعلوا فوقها شيئًا, فإذا فعل الرجال ذلك فالنساء أسوأ حالًا منهم.
وأجهضت الحوائل والسقاب: أي أسقطت من قبل أن تتم. يقال: أجهضت الناقة ولدها إذا ألقته لسنة أشهر أو نحو ذلك, قال الشاعر: [الكامل]
أجهضن معجلةً لستة أشهر ... وحذين بعد نعالهن نعالًا
يريد أن النوق حملت على السير الشديد, وألقت أولادها. والحوائل: جمع حائلٍ, وهي الأنثى من أولاد النوق, يقال: لا أفعل ذلك ما أرزمت أم حائلٍ, قال أبو ذؤيب:
[الطويل]
فتلك التي لا يبرح القلب حبها ... ولا ذكرها ما أرزمت أم حائل
وجمع حائلٍ حول, قال الراجز:
تسمع بين السجر والتحوب ... من أمهات حولها والأسقب
مثل حنين القصب المثقب
والسقاب: جمع سقب, وهو الذكر من أولاد النوق.
وقوله:
وعمرو في ميامنهم عمور ... وكعب في مياسرهم كعاب
أراد أنهم قد افترقوا فصارت عمرو فرقًا كثيرة, يقال لكل واحد منها: عمرو, وكذلك كعب قصد صارت كعابًا لأجل الفرقة, وهذا مثل قول الرجل إذا أخذ نصيبه ثم قسمه على جماعةٍ صار نصيبي أنصبا, ونحو بيت أبي الطيب قول معود الحكماء الكلابي: [الوافر]
رأيت الصدع من كعبٍ وكانوا ... من الشنآن قد صاروا كعابا
أي: افترقوا في الرأي والمنازل.
وقوله:
فعدن كما أخذن مكرماتٍ ... عليهن القلائد والملاب
الملاب: طيب من طيب البادية, وقيل: هو الزعفران, وزعموا أنه معرب, قال الهذلي: [الوافر]
(12/أ) أبيت على معاري فاخراتٍ ... بهن ملوب كدم العباط
فهذا يدل على أن ألف ملابٍ منقلبة من واو.
وقوله:
يثبنك بالذي أوليت شكرًا ... وأين من الذي تولي الثواب
يثبنك: أي: يعطينك على جهة الجزاء, وكأن الثواب عطاء لمستحق بالسابقة, ومن ذلك ثواب الله سبحانه لعباده؛ لأنهم يعملون فيستحقون العطاء.
وقوله:
وليس مصيرهن إليك سببًا ... ولا في صونهن لديك عاب
يقال: سبيت النساء والذرية, وزعم قوم أن السبي لا يقع إلا على النساء. فأما الشعر القديم فبدل على أنه واقع على الرجال. قال امرؤ القيس: [الطويل]
فقالت سباك الله إنك فاضحي ... ألست ترى السماء السمار والناس أحوالي
فقد وقع السبي على الرجل. وقد يجوز أن يكون قوله: سباك: أي: سلط عليك من يسبي أهلك. ويقولون في جمع سبي: سبي, كما يقال: ثدي وثدي, وينشد للكميت بن معروف الأسدي في أن السبي للنساء خاصة:
وقائد دهمٍ قد حوته رماحنا ... أسيرًا ولم يحوينه وهو طائع
فللقوم من أطرافهن مصارع ... وللسبي في أظلالهن مضاجع
وقوله:
وعين المخطئين هم وليسوا ... بأول معشرٍ خطئوا فتابوا
يقول قوم: إن أخطأ وخطئ بمعنىً واحدٍ, وقيل: بل أخطأ إذا تعمد الخطأ, وخطئ إذا لم يتعمد.
وقوله:
وجرمٍ جره سفهاء قومٍ ... وحل بغير جارمه العذاب
يقال: جرم وأجرم إذا فعل ذنبًا وهو الجرم, وأصل الجرم الكسب, فكأن المجرم يكسب الذنوب, وجريمة القوم: كاسبهم, وقيل للعقاب: حريمة ناهضٍ, لأنها تكسب لفرخها, قال الهذلي: [الوافر]
كأني إذ غدوا ضمنت بزي ... من العقبان خائتةً طلوبا
جريمة ناهضٍ في رأس نيقٍ ... ترى لعظام ما جمعت صليبا
خائتة: التي تنقض.
وقوله:
وتحت ربابه نبتوا وأثوا ... وفي أيامه كثروا وطابوا
لما استعار الرباب للإحسان جعل القوم الذين نعشوا به كالنبت. وأصل الرباب سحاب دون السحاب المرتفع. وأثوا: أي: كثروا,] قال: نبت أثيث, وشعر أثيث. قال النابغة:
[الكامل]
وبفاحم رجلٍ أثيثٍ نبته ... كالكرم مال على الدعام المسند
ويقال: أث لحم المرأة إذا كثر, وهي أثيثة.
وقوله:
ولو غير الأمير غزا كلابًا ... ثناه عن شموسهم ضباب
لما كانت المرأة تشبه بالشمس جعل نساء القوم شموسًا, وجعل دونها من حمايتهم ضبابًا. وأصل ذلك أن المرأة يقال لها: كأنها الشمس, ثم يحذف حرف التشبيه, قال قيس ابن الخطيم: [الكامل]
فرأيت مثل الشمس عند ذروها ... في الحسن أو كدنوها لغروب
وقال آخر فحذف حرف التشبيه: [الوافر]
من الشمسين شمس بني عقيلٍ ... إذا حضرت وشمس بني هلال
وقوله:
ولاقى دون ثأيهم طعانًا ... يلاقي عند الذئب الغراب
الثأي: جمع ثأية, وهو مراح الإبل إذا كانت عازبة, ويقال: إنه يتخذ من الشجر, وقوله: يلاقي عنده الذائب الغراب: أي: يجتمعان على أكل القتلى, وبعض الناس يذهب إلى أن الذئب لا يأكل إلا ما افترسه, وأنه لا يجري مجرى الضباع والكلاب, وعلى ذلك فسروا قول الشاعر: [الكامل]
ولكل سيد معشرٍ من قومه ... دعر يدنس مجده ويعيب
لولا سواه لجررت أوصاله ... عرج الضباع وصد عنه الذيب
وقوله:
وخيلًا تغتذي ريح الموامي ... ويكفيها من الماء السراب
تغتذي من الغذاء؛ أي: تقوم لها الريح مقام العليق والمرعى. والموامي: جمع موماةٍ, وهي الأرض المقفرة, وجعل هذه الخيل تكتفي من الماء بالسراب على معنى المبالغة. والسراب عند أكثر الناس هو الذي يكون نصف النهار, والآل الذي يكون في أوله وآخره. ومنهم من يجعلهما سواءً.
وقوله:
بنو قتلى أبيك بأرض نجدٍ ... ومن أبقى وأبقته الحراب
(12/ب) كان أبو الهيجاء بن حمدان قد حج بالناس في بعض السنين فلقيته العرب, وكان لهم معه خطب طويل, وكان معه أخوه داود بن حمدان. والحراب: جمع حربةٍ, وكان الظفر في ذلك اليوم للعرب فادعى أبو الطيب أن الظفر كان لأبي سيف الدولة.
وقوله:
عفا عنهم وأعتقهم صغارًا ... وفي أعناق أكثرهم سخاب
السخاب: قلادة من قرنفلٍ, وربما كان من غيره, وينشد لامرأة: [الطويل]
ويوم السخاب من تعاجيب ربنا ... على أنه من ظلمة الشك نجاني
ويروى: ويوم الحقاب.
وقوله:
كذا فليسر من طلب المعالي ... ومثل سراك فليكن الطلاب
موضع قوله كذا نصب بقوله: يسر. وقوله: مثل سراك منصوب؛ لأنه خبر يكن, وهذا من عجيب كلامهم؛ لأن الفاء إنما تعطف أو تكون في الجواب, فإذا تقدم المفعول أو الخبر جاؤوا بها ليعلموا أن الخبر وضع في غير موضعه. وكان بعض الكوفيين إذا قال: أخاك فاضرب, ينصب الأخ بفعلٍ مضمرٍ, كأنه قال: اقصد أخاك واعمد أو نحو ذلك. فإما في الخبر فيبعد هذا التأويل.
مصادر و المراجع :
١- اللامع العزيزي شرح
ديوان المتنبي
المؤلف: أبو
العلاء أحمد بن عبد الله المعري (363 - 449 هـ)
المحقق: محمد
سعيد المولوي
الناشر: مركز
الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية
الطبعة: الأولى،
1429 هـ - 2008 م
19 أبريل 2024
تعليقات (0)