المنشورات

فهمت الكتاب أبر الكتب ... فسمعًا لأمر أمير العرب

أصل الكتاب الجمع, وقيل للكتاب كتاب لأن حروفه يجمع بعضها إلى بعض ولذلك (14/ب) قيل للجماعة الكثيرة من الفرسان كتيبة, وقيل لخرزة المزادة كتبه؛ لأنها تجمع بين الأديمين أو بين جانبي الأديم.
وقوله:
وتكثير قوم وتقليلهم ... وتقريبهم بيننا والخبب
استعار التقريب والخبب للوشاة؛ لأنهم يوصفون بالمشي والسعي, ومنه قوله تعالى: {مشاء بنميم} , والتقريب جنسان: التقريب الأعلى, والتقريب الأدنى هو الخبب, ولعل التقريب والخبب لما يستعارا قبل أبي الطيب للوشاة.
وقوله:
وما قلت للبدر أنت اللجين ... ولا قلت للشمس أنت الذهب
يقول: إني تناهيت في مدحك لم أجعلك, وأنت البدر, فضةً, ولم أقل: إنك, وأنت الشمس, ذهب؛ لأن الذهب والفضة يستهلكان, والشمس والقمر ليسا كذلك.
وقوله:
وما لاقني بلد بعدكم ... ولا اعتضت من رب نعماي رب
يقال: ما لاقني البلد, وما ألاقني, أي لم أقم فيه. ولم يمسكني, ويقال: كف فلانٍ لا تليق درهمًا؛ أي: هو جواد. قال الراجز: [الرجز]
كفاك كف لا تليق درهما ... جودًا وأخرى تبد في الحرب دما
ويروى: يجر.
وقوله:
ومن ركب الثور بعد الجوا ... د أنكر أظلافه والغبب
يقال: غبب الثور وغبغبه. والأظلاف تستعمل للبقر والغنم. وقد جاءت مستعملة للإنس قال الشاعر: [الطويل]
سأمنعها وسوف أجعل أمرها ... إلى ملك أظلافه لم تشقق
وقوله:
مبارك الاسم أغر اللقب ... كريم الجرشى شريف النسب
يعني بالجرشى النفس. قال الأسدي: [الطويل]
بكى جزعًا من أن يموت وأجهشت ... إليه الجرشى وارمعل خنينها
ارمعل: أي: سال, والخنين: الأنف هاهنا, وسمي خنينًا؛ لأن الخنين صوت يخرج منه, فيه خنة, وجعله أغر اللقب؛ لأن لقبه سيف الدولة, والسيف يوصف بالبياض.
وقوله:
وإني لأتبع تذكاره ... صلاة الإله وسقي السحب
يريد أني إذا ذكرته قلت: صلى الله عليه, وسقاه الله السحاب, والناس يقصرون الصلاة على الأنبياء عليهم السلام تمييزًا لهم بذلك, فأما الشعراء فيعطون الممدوح غاية ما يقدرون عليه, قال عدي بن الرقاع: [الكامل]
صلى الإله على امرئ ودعته ... وأتم نعمته عليه وزادها
وقال الراعي النميري: [البسيط]
صلى على عزة الرحمن وابنتها ... ليلى وصلى على جاراتها الأخر
وقوله:
وأثني عليه بآلائه ... وأقرب منه نأى أو قرب
الآلاء: النعم يقال لواحدها: إلى وألى وإلي, وبيت الأعشى يحمل على وجهين, وهو قوله:
أبيض لا يرهب الهزال ولا ... يقطع رحمًا ولا يخون ألى
فقيل: إنه أراد النعمة, وهي واحدة الآلاء, وقيل: أراد إلا؛ أي: عهدًا فخفف اللام, وتخفيف مثلها قليل.
وقوله:
وإن فارقتني أمطاره ... فأكثر غدرانها ما نضب
الغدران: جمع غديرٍ, يقال: غدير وغدر, وهو ما أغدره السيل في الأرض من ماءٍ مجتمعٍ, فهذا هو الوجه في اشتقاقه, وقيل: إنما سمي غديرًا؛ لأنه يغدر بالنازل به. قال الكميت: [المتقارب]
ومن غدره نبز الأولون ... بأن لقبوه الغدير الغديرا
وقوله:
أيا سيف ربك لا خلقه ... وياذا المكارم لا ذا الشطب
الشطب والشطب والشطب: طرائق في السيف. فأما الشطب فيجوز أن يكون جمعًا وواحدًا, فإذا كانت واحدًا فهي مثل صردٍ ونغرٍ, وإذا كان جمعًا فهو مثل ظلمٍ وغرفٍ, وواحدة شطبة, وإذا قيل: شطب, بالضم, احتمل أن يكون جمع شطيبةٍ, وهي طريقة مستطيلة, ومنه شطائب السنام, وهي قطع منه تستطيل. ويجوز أن يكون واحدًا مثل: شغلٍ وعتقٍ. وتسكين الطاء جائز على أي الوجهين حمل.
وقوله:
ونجى الدمستق قول العدا ... ة إن عليا ثقيل وصب
(15/أ) الدمستق كلمة رومية وما علمت أنها جاءت في شيء من الشعر الفصيح وبناؤها ليس من أبنية العرب؛ لأن الخماسية من الأصول ليس فيها مثل فعلل, هذا موضوع سيبويه؛ لأنه ذكر الخماسية الأصلية على أربعة أبنية: فعلل, مثل: فرزدقٍ, وفعللٍ, مثل: جحمرشٍ, وفعلل, مثل: قرطعبٍ, وفعللٍ, مثل: قذعملٍ. وقد ذكر غيره فعللًا في الأصول, وهو من قولهم: ليس له من نسب قرعطبة: يعنون الشيء القليل, إلا أنهم لم يحكوها إلا بالهاء, فأما فعلل من غير الأصول فقد جاء من قولهم للحساء الرقيق: ثرعطط. وقالوا: صفرق, واختلفوا فيه فقيل: هو الشيء الأصفر, وقيل: الذهب, وقيل: الزعفران, وزعم بعضهم أنه الفالوذ.
والوصب من الوصب, وهو دوام المرض, ومنه قوله: عذاب واصب, أي: دائم.
وقوله:
أتاهم بأوسع من أرضهم ... طوال السبيب قصار العسب
السبيب: شعر الذنب, وإنما قيل له سبيب؛ لأنه ربما سب؛ أي: قطع, وقد يقال للناصية: سبيب.
قال عبيد بن الأبرص: [مخلع البسيط]
مضبر خلقها تضبيرًا ... ينشق عن وجهها السبيب
ووحد السبيب هاهنا ضرورة؛ لأنه كان ينبغي أن يقول طوال السبائب, قصار العسب.
والعسيب: أصل الذنب, وهو يستعمل في الإبل, وربما استعمل في الإنس, قال الشاعر:
[الطويل]
فطار بكفي ذو حراشٍ مشذب ... قليل هماليل العسيب قصير
يعني ذنب بعيرٍ.
وقوله:
تغيب الشواهق في جيشه ... وتبدو صغارًا إذا لم تغب
يقال للجبال الطوال: شواهق, مأخوذة من شهق الإنسان إذا أخرج نفسه متعاليًا, كأن الجبل شهق في الهواء.
وقوله:
فغرق مدنهم بالجيوش ... وأخفت أصواتهم باللجب
المدن: جمع مدينةٍ, وجمعهم إياها على فعلٍ يدل على أن الميم أصلية, وقيل: إنها من قولهم مدن بالمكان إذا أقام به. وزعم قوم أن المدينة مأخوذة من قولهم: دان الملك القوم إذا ملكهم, فكأنها على هذا في الأصل مديونة, وهذا القول ينتقض على رأي النحويين؛ لأن القراء كالمجمعين على همز المدائن, ولو كانت من دنت لتعذر فيها الهمز إلا على رأي أبي الحسن سعيد بن مسعدة. واللجب: كثرة الأصوات واختلاطها.
وقوله:
وقد زعموا أنه إن يعد ... يعد معه الملك المعتصب
المعتصب يحمل وجهين: أحدهما, وهو الأجود, أن يكون من الاعتصاب بالتاج, والآخر أن يكون مفتعلًا من العصبية, وفي هذه القصيدة سناد على بعض المذاهب, وهو مجيء الفتحة مع الضمة والكسرة كقوله: الخشب والكتب وصلب. والكسرة والضمة عندهم ليستا سنادًا, فإذا جاءت الفتحة جعلوا ذاك من السناد, وكان سعيد بن مسعدة لا يرى بذلك بأسًا؛ لأنه قد كثر في أشعار الفصحاء, وهذا سناد التوجيه وهو الحركة التي قبل الروي في الشعر المقيد.











مصادر و المراجع :

١- اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي

المؤلف: أبو العلاء أحمد بن عبد الله المعري (363 - 449 هـ)

المحقق: محمد سعيد المولوي

الناشر: مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية

الطبعة: الأولى، 1429 هـ - 2008 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید