المنشورات
لأي صروف الدهر فيه نعاتب ... وأي رزاياه بوترٍ نطالب
وهي من الطويل الثاني في رأي الخليل, ومن أول السحل الأول في رأي غيره, وقافيتها من المتدارك. قال: فيه؛ فأضمر قبل الذكر لعلم السامع بما يريد, ومثل هذا كثير, قال النابغة: [الوافر]
فأقبلهن بطن الأتم شعثًا ... يصن المشي كالحدأ التؤام
فقوله: أقبلهن: يعني الخيل, ولم يتقدم لها ذكر. ومن العرب من يكسر واو الوتر, ومنهم من يفتحها لجعله مصدر وترت وترًا, مثل: وعدت وعدًا. والوتر الذي هو فرد يجوز فيه الوجهان أيضًا.
وقوله:
مصائب شتى جمعت في مصيبةٍ ... ولم تكفها حتى قضتها مصائب
شتى: لكمة مأخوذة من الشت, وهو في معنى الفرقة, ويمكن أن يكون اسمًا موضوعًا على فعلى, ويجوز أن يكون جمع شتيتٍ, مثل: جريحٍ وجرحى, قال الراجز: [الرجز]
القوم أخياف وشتى في الشيم ... وكلهم يجمعه بيت الأدم
وشتان: اشتقاقه مثل اشتقاق شتى, يقال: شتان فلان وفلان, وشتان ما هما. وأجاز الفراء كسر النون, فيجوز أن يكون كسرها بناءً, ويحتمل أن يكون تثنية شت, قال الأعشى: [السريع]
شتان ما يومي على كورها ... ويوم حيان أخي جابر
وأصحاب النقل يضعفون قول الناس: شتان ما بينهما, ويطعنون في قول الشاعر: [الطويل]
لشتان ما بين الزيدين في الندى ... يزيد سليمٍ والأغر بن حاتم
والبيت لربيعة بن ثابت الرقي, وهو حضري لا يستشهد بشعره.
وقوله:
أليس عجيبًا أن بين بني أبٍ ... لنجل يهودي تدب العقارب
النجل: الولد. واليهود: استعملت هذه الكلمة بالألف واللام في القرآن, فأما العرب فتستعملها مرة كذلك, ومرة على التعريف العلمي, فيقولون: زعمت يهود, قل الشاعر: [الكامل]
فرت يهود وخلفت أبناءها ... صمي لما لقيت يهود صمام
وقال قيس بن الخطيم: [المتقارب]
نمتها اليهود إلى قبةٍ ... دوين السماء بمحرابها
وإنما قيل لهم: اليهود؛ لأنهم منسوبون إلى يهوذا بن يعقوب, فعربوا, فجعلت الذال دالًا, ووافق ذلك أن العرب تقول: هاد الرجل: إذا تاب, وهود إذا مشى مشيًا رفيقًا, وهود في الغناء إذا خفض صوته. قال الراعي النميري: [الطويل]
وخودٍ من اللائي تسمعن بالضحى ... قريض الردافى بالغناء المهود
قريض الردافى: القريض هو غناء المتراسلين, والردافى: جمع رديف. وإنما أدخلت على اليهود الألف واللام؛ لأنهم نسبوا إليها فقالوا: يهودي, ثم جمعوه فقالوا: اليهود, كما قالوا رومي لواحد الروم, وزنجي لواحد الزنج, وفي الكتاب العزيز: {كونوا هودًا أو نصارى} , فهذا جمع هائدٍ.
وجاء في الشعر القديم اليهدان في جمع يهود؛ فهذا يدل على أن الياء أصلية, وأن اشتقاقه ليس من هاد يهود. ووزن يهود فعول. فإن ادعي أن ياءها زائدة فينبغي أن يكون على يفعلٍ في الأصل كأنها يهود, ثم سكنت الواو لثقل الضمة.
والعقارب يكنى بها عن النمائم والشرور؛ يقال: دبت عقاربه بين القوم, قال الشاعر:
فللموت خير للفتى من قعوده ... ذميمًا ومن مولى تدب عقاربه
قال النابغة: [الطويل]
علي لعمروٍ نعمة بعد نعمةٍ ... لوالده ليست بذات عقارب
أراد أنها خالية من الأذاة والشرور.
مصادر و المراجع :
١- اللامع العزيزي شرح
ديوان المتنبي
المؤلف: أبو
العلاء أحمد بن عبد الله المعري (363 - 449 هـ)
المحقق: محمد
سعيد المولوي
الناشر: مركز
الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية
الطبعة: الأولى،
1429 هـ - 2008 م
19 أبريل 2024
تعليقات (0)