المنشورات

من الجآذر فى زي الأعاريب ... حمر الحلى والمطايا والجلابيب

(23/ب) وهي من البسيط الثاني عند الخليل, وعند غيره من السحل الثاني, وقافيتها من المتواتر. الجآذر: أولاد بقر الوحش, واحدها جؤذر, وجؤذر, وكنت العرب بها عن النساء, وكذلك بالبقر والغزلان والظباء.
والأعاريب: جمع أعراب, وأعراب جمع عرب, وقد خصوا بالأعراب سكان البدو.
قال الشاعر: [الطويل]
يسموننا الأعراب والعرب إسمنا ... وأسماؤهم فينا رقابُ المزاود
وقال ذو الرمة: [الطويل]
أعاريب طوريون عن كل بلدةٍ ... يحيدون عنها من جحاف المقادر
وقوله:
إن كنت تسأل شكا في معارفها ... فمن بلاك بتسهيدٍ وتعذيب؟
هذا البيت فيه ضرب من الإكذاب؛ لأنه سأل عن الجآذر كأنه لا يعرفها, ثم قال هذه المقالة الثانية, فدل على أنه خبير بهن.
والمعارف تستعملها العرب في معنى الوجوه, واحدها معرف, سمي بذلك لأن الوجه يعرف به الإنسان. وروي عن الأصمعي أنه قال في واحد المعارف: أنا منه أوجر؛ أي: خائف, كأنه لا يدري ما حقيقة واحد المعارف, فأما القياس فيوجب أن يكون الواحد معرفًا بكسر الراء؛ لأنه موضع المعرفة, والمضارع على يفعل؛ فهو كالمجلس موضع الجلوس, والمهبط موضع الهبوط. قال أبو كبيرٍ الهذلي في أن المعارف الوجوه: [الكامل]
متكورين على المعارف بينهم ... ضرب كتعطاط المزاد الأنجل
ويجوز أن تكون المعارف جمع معرفةٍ, كأنه أراد: إن كنت تسأل شكا في معرفتها, ثم جمع لإقامة الوزن. وقوله:
لا تجزني بضنًى بي بعدها بقر ... تجزي دموعي مسكوبًا بمسكوب
كني بالبقر عن النساء. قال عبد الرحمن بن حسان: [الكامل]
صفراء من بقر الجواء كأنما ... أثر الحياء بها رداع سقيم
وقوله: لا تجزني, مجزوم بالدعاء؛ لأنه ينجزم كانجزام النهي, والمعنى أنه: بكى عند الفرقة وبكين فجزين دمعه بدم, فدعا لهن أن لا يجزينه بضناه ضنًى مثله, كما جزينه بالدمع؛ أي: لا أريدهن يضنين بعدي.
وقوله:
كم زورةٍ لك في الأعراب خافيةٍ ... أدهى وقد رقدوا من زورة الذيب
يريد أنه يزور بعض الناس, فيكون ذلك أشق على القوم من زوره الذئب؛ لأن الذئب إنما يأخذ شاةً أو نحوها, وهذا الزائر يقدم على أمرٍ عظيمٍ. والذئب يكنى به عن الرجل الخبيث المتلصص, قال الشاعر: [الطويل]
أتضرب ليلى أن ألم بأرضها ... وما ذنب ليلى أن طوى الأرض ذيبها
وقوله:
قد وافقوا الوحش في سكنى مراتعها ... وخالفوها بتقويضٍ وتطنيب
التقويض: من قولهم: قوضت الخباء؛ إذا هدمته, والتطنيب: من قولهم: طنبت البيت والخباء؛ إذا مددت أطنابه, ويقال لعروق الشجرة الضاربة في الأرض أطناب.
وقوله:
جيرانها وهم شر الجوار لها ... وصحبها وهم شر الأصاحيب
قوله: وهم شر الجوار لها؛ أي: شر أصحاب الجوار؛ لأنه لا يقال قوم جوار إلا على حذفٍ, أو يكون أراد: وجوارهم شر الجوار.
وأصاحيب: جمع جمعٍ, كأنهم قالوا: صاحب وصحب, مثل: راكبٍ وركبٍ, ثم جمعوا صحبًا على أصحاب, ثم جمعوا أصحابًا على أصاحيب, فهذا جمع ثالث, وقالوا: أصاحب في معنى أصاحيب, قال الشاعر: [الطويل]
فإني رأيت الموت أجمل بالفتى ... إذا ضن عنه بالنوال أصاحبه
وقوله:
فؤاد كل محب في بيوتهم ... ومال كل أخيذ المال محروب
يقول: في بيوت هذه البادية قلوب المحبين, وأموال من حرب من المسافرين؛ أي: أخذت حريبته. وحريبة الرجل: المال الذي إذا أخذ منه حرب, يقال: أحربت الرجل إذا دللته على مالٍ يأخذه فتصير له حريبة. أو يكون قولهم: أحربته؛ أي: دللته على حريبة غيره ليأخذها.
ويقال: رجل حريب, وقوم حربى, مثل: جريح وجرحى, قال الأعشى: [الخفيف]
وشيوخٍ حربى بشطي أريكٍ ... ونساءٍ كأنهن السعالي
وقوله:
ما أوجه الحضر المستحسنات به ... كأوجه البدويات الرعابيب
جعل الحضر هاهنا اسمًا للموضع الذي يحضر, وقد يجوز أن يقع الحضر على أهل الموضع.
والبدويات: جمع بدويةٍ, وكأنه على غير قياس؛ لأنهم يقولون: البدو, فكان يجب أن يقال: امرأة بدوية, ولكنه جاء على غير قياس. والنسب تجيء فيه أشياء على هذا النحو: من ذلك قولهم: قوس رضوية منسوبة إلى رضوى (24/أ) , والقياس رضوية, بسكون الضاد.
والرعابيب: جمع رعبوبةٍ, فقيل: هي البيضاء شبهت برعابيب السنام؛ أي: قطعه, يقال: رعبوا السنام ترعيبًا, والقطعة ترعيبة, وأنشد ابن الأعرابي: [البسيط]
كأن ليلى إذا ما جئت طارقها ... وأخمد الليل نار المدلج الساري
ترعيبة فى دمٍ أو بيضة وضعت ... في دبةٍ من دباب الرمل مهيار
وقيل: الرعبوبة: التي ترعبك إذا رأيتها بجمالها, وهذا نحو من قولهم للرجل: أروع, إذا راعك بجماله.
وقوله:
أين المعيز من الأرآم ناظرةً ... وغير ناظرةٍ في الحسن والطيب
جعل نساء الأمصار كالمعيز, ونساء البادية كالأرآم. والأيرام جمع ريمٍ, وهو الظبي الأبيض, والأنثى رئمة. وقد يجوز أن يقال في الأرآم: هو جمع رئمةٍ بالهاء.
وقد زعم سيبويه أن قولهم: أنعم في جمع نعمةٍ على حذف الهاء, وقال بعضهم: الأشد المذكور في القرآن جمع شدة, قال حميد بن ثور: [البسيط]
إن الحبالة ألهتني عبادتها ... كيما أسوق إليها ريمةً شخصا
وغيره ناظرةٍ منصوبة على الحال, والأجود أن يكون حالًا من الأرآم, ولا يمتنع أن يكون حالًا من المعيز, والمعنى واحد. وإنما الغرض تفضيل الظباء على المعز.
وقوله:
أفدي ظباء فلاةٍ ما عرفن بها ... مضغ الكلام ولا صبغ الحواجيب
أدخلوا الياء في الحواجب للزوم الجيم الكسرة, وقد أنشد الفراء: [الطويل]
سوابيغ زغف لا يخرقها النبل
فأدخل الياء في السوابغ, وليس لمضطر إلى ذلك؛ لأن حذف الياء لا يخل بالوزن, وكذلك حكي بواطيل في جمع باطلٍ. وهذا البيت يروى لعمرو بن أيهم التغلبي: [الخفيف]
وسواعيد يختلين اختلاءً ... كالمغالي يطرن كل مطير
يقال: صبغ الثوب صبغًا وصبغًا, وقالوا في المضارع: يصبغ ويصبغ, ومضغ الكلام: لجلجته في الفم, وإخراجه على غير ما يجب. شبهه بالشيء الذي يمضغ فيتغير عن حاله قبل المضغ.
وقوله:
ولا برزن من الحمام مائلةً ... أوراكهن صقيلات العراقيب
الحمام: مذكر؛ لأنه يراد به البيت الذي يحم فيه الماء؛ أي: يغلى, ويجوز أن يكون أخذ من الحميم؛ أي: العرق. وزعم قوم أن الماء البارد يقال له: حميم, وأنشدوا: [الوافر]
فساغ لي الشراب وكنت قبلًا ... أكاد أغص بالماء الحميم
فإن صحت هذه الرواية فإنما قيل للماء البارد حميم لأنه يعين الروح, فكأنه حميم لها, أخذ من قولهم: حميم الرجل؛ أي: نسيبه وصفيه, قال الهذلي: [الطويل]
أصبن أبا زيدٍ ولا حي مثله ... وكان أبو زيدٍ أخي وحميمي
ولم تكن العرب في الجاهلية تعرف الحمام؛ لأن أكثرهم كانوا أصحاب عمدٍ وأطنابٍ, وإنما يوجد في الشعر الإسلامي. قال الشاعر: [الطويل]
ألم تعلما حمامنا في بلادنا ... إذا جعل الحرباء بالجذل يخطر
وقال أبو النجم: [الرجز]
كأنه في الطرف وهو سام ... مشتمل جاء من الحمام
والعرقوب من الإنسان: ما فوق العقب, وهو من الدابة في الموضع المعروف.
وقوله:
ومن هوى كل من ليست مموهةً ... تركت لون مشيبي غير مخضوب
يقولون: موهت الشيء؛ إذا حسنته, وأصل هذه الكلمة أنهم يريدون بها: جعلت له ماء؛ لأن أصل الماء موه, ثم قالوا لمن يجمل نفسه بالكذب مموه, كأنه يحسنها بالباطل, وأصل التمويه التحسين مطلقًا, ثم نقل إلى معنى الذم والخديعة.
وقوله:
ومن هوى الصدق في قولي وعادته ... رغبت عن شعرٍ في الوجه مكذوب
لما كان تغيير الشعر جاريًا مجرى الكذب جعل الشعر نفسه مكذوبًا, ومكذوب هاهنا مفعول صحيح ليس هو موضوعًا موضع المصادر كما حكوا عن العرب: بنو فلان ليس عندهم مكذوبة, وكذلك قولهم: ليس له مجلود؛ أي: جلد, وسيبويه لا يجعل مجلودًا مصدرًا, بل يجعله كالمفعول.
وقوله:
حتى أصاب من الدنيا نهايتها ... وهمه في ابتداءاتٍ وتشبيب
كثر استعمالهم لفظ التشبيب في القصائد فألزموها إياه. وهو مأخوذ من الشباب أو من شببت النار. واستعاره هاهنا للابتداء بالشيء وترتيبه. والهم هاهنا الهمة.
وقوله:
يدبر الملك من مصرٍ إلى عدنٍ ... إلى العراق فأرض الروم فالنوب
مصر: يقال: إنها منسوبة إلى مصراييم بن سام بن نوح وليس اسمًا عربيًا, إلا أنها وافقت قولهم لضرب من التراب: مصر, وقالوا: ثوب ممصر؛ إذا صبغ بالمصر. والمصر أيضًا: الحاجز بين الشيئين.
(24/ب) وقال أمية, ويقال: هو لعدي بن زيد: [البسيط]
وجعل الشمس مصرًا لا خفاء به ... بين النهار وبين الليل قد فصلا
وإذا حملت مصر على أنها معربة فالأقيس أن لا تصرف. فأما قوله تعالى: {اهبطوا مصرًا فإن لكم ما سألتم} , فالأشبه أن يكون أراد مصرًا من الأمصار. وقد روى أن الأعمش سئل عن ذلك فقال: هي مصر التي عليها صالح بن علي. ويدل على أن القول هو الأول قوله جلت عظمته: {ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين} , فلم تصرف مصر.
وعدن: هذا الموضع المعروف. يقال: هو عدن أبين, وأبين نسبوه إلى أبين بن زهيرٍ, وهو رجل من حمير, وأخذ من: عدن بالمكان إذا أقام به. والنوب يراد به هذا الجيل من الحبشة, وهو اسم معرب قد وافق قولهم: ناب ينوب, وكثرت هذه الكلمة في العربية حتى زعم بعضهم أن النحل يسمى نوبًا لما فيها من السواد, وقيل: سميت نوبًا لأنها تنوب الموضع الذي تكون فيه؛ أي: تحله مرة بعد مرةٍ. وعلى هذين الوجهين فسروا قول الهذلي: [الطويل]
إذا لسعته النحل لم يرج لسعها ... وخالفها في بيت نوبٍ عوامل
وشبهوا الغربان بالنوب لأنها شبهت بهذا الجيل من الجبشة, قال الشاعر: [الطويل]
ومستشحجات بالفراق ... مثاكيل من صيابةٍ النوب نوح
وقوله:
إذا أتتها الرياح النكب من بلدٍ ... فما تهب بها إلا بترتيب
النكب: جمع نكباء, وهي كل ريحٍ تهب بين ريحين, وإذا رويت تهب بتاء فالفعل للرياح, وبعضهم ينشد: فما يهب بها كأنه يجعل الممدوح يهب بالرياح لما كانت تهب بإذنه وترتيبه.
وقوله:
يحط كل طويل الرمح حامله ... من سرج كل طويل الباع يعبوب
في قوله يحط ضمير يرجع على طين الخاتم, والهاء في حامله راجعة على الطين أيضًا.
والباع يستعمل في الناس وغيرهم, يقال: باع الرجل والدابة بوعًا إذا مد باعه, ومدحوا الرجل فقالوا: هو طويل الباع. وكثرت الكلمة حتى قالوا: هل من أهل الباع؛ أي: القوة, وإن كان باعه قصيرًا, قال المسيب بن علسٍ: [الكامل]
ولذاكم علمت معد أنه ... أهل الحفيظة والندى والباع
وقال أبو دؤاد في البوع يصف الفرس:
ويمطي بوعًا كما يتمطى ... حبشي بحربةٍ مظلوم
ومنه قولهم: انباع العرق ينباع؛ إذا جرى وامتد, وقالوا في المثل: «مخرنبق لينباع»؛ أي: متقبض ليمتد في وثبته, ومنه قول عنترة: [الكامل]
ينباع من ذفرى غضوبٍ جسرةٍ ... زيافةٍ مثل الفنيق المكدم
فأما من ذهب إلى أن ينباع في معنى ينبع فزاد الألف للضرورة فقوله كالهذيان, وإنما حمله على قول من يقول: ينبع, بفتح الباء.
واليعبوب: الفرس الكثير الجري, أخذ من قولهم: نهر يعبوب؛ أي: كثير الماء, واشتقاقه من قولهم: عب البحر إذا كثرت أمواجه.
وقوله:
أو حاربته فما تنجو بتقدمةٍ ... مما أراد ولا تنجو بتجبيب
تقدمة: مصدر قدم, مثل تقديمٍ, والأشبه أن يكون أراد: فما تنجو بتقديم هربٍ منه, وقد يحتمل أن تكون التقدمة من قولهم: قدموا إليه الجيوش. والتجبيب: من قولهم: جبب في الأرض؛ إذا ذهب فيها.
وقوله:
قالوا هجرت إليه الغيث قلت لهم ... إلى غيوث يديه والشآبيب
معنى قوله: هجرت إليه الغيث؛ أي فارقت البلاد التي تمطر, وسرت إلى مصر, وهي غير ممطورةٍ, ولو أنه في غير المنظوم لكان وجه الكلام أن يقول: قالوا هجرت إليه الغيث فقلت لهم. وحذف مثل هذه الفاء كثير, وكذلك حذف الواو العاطفة, ومنه قوله تعالى: {ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع}. ولو أنه في غير كتاب الله سبحانه لجاز دخول الفاء على قلت لهم. وتولوا جواب إذا, وقال الراجز: (25/أ)
لما رأيت نبطًا أنصارا ... شمرت عن ركبتي الإزارا
كنت لها من النصارى جارا
ولو كان في منثور حسن أن يقول: فكنت أو وكنت.
والشآبيب: جمع شؤيوبٍ, وهي سحابة دقيقة العرض, شديدة الوقع. ويجوز أن يكون اشتقاق الشوبوب من شببت النار, وتكون الهمزة زائدةً؛ لأنهم يريدون أنه حاد, وإذا وصفوا الشيء بالحدة والسرعة شبهوه بالنار.
ولا يمتنع أن يكون من شاب يشوب, كأنه شؤبوب, وهمزت الواو لجوارها الضمة, ويكون المعنى: أن أفقه مشوب بالصحو؛ لأنهم يصفوا الشؤبوب بدقة العرض, فوزنه في القول الأول فؤعول, وفي القول الثاني فعلول, ولو ادعي أنه مقلوب عن أشبت؛ أي: خلطت, لم يبعد ذلك كأنه أشبوب, ثم قبلوه, فقدموا الشين, واستعاروا الشؤبوب في الحرب وجريان الدم, وقال ابن هرمة: [المنسرح]
كم ناقةٍ قد وجأت منحرها ... بمستهل الشؤبوب أو جمل
أراد بالشؤبوب ما يخرج من الدم.
وقوله:
إلى الذي تهب الدولات راحته ... ولا يمن على آثار موهوب
العرب إذا جمعت ما كان على مثال دولةٍ وعورةٍ, وكلّ ما كان على فعلةٍ موضع العين منه واو أو ياء؛ مثل: بيضةٍ وعيبةٍ, فإنهم يسكنون العين, فيقولون: بيضات, ودولات, إلا هذيل بن مدركة, فإنهم يفتحون فيقولون: بيضات وعورات, وقد روي عن بعض القراء: {الذين لم يظهروا على عورات النساء} بفتح الواو, وقال الشاعر: [الطويل]
أبو بيضاتٍ رائح متأوب ... رفيق بمسح المنكبين سبوح
وقوله:
بلى يروع بذي جيشٍ يجدله ... ذا مثله في أحم النقع غربيب
بذي جيش؛ أي: بملكٍ صاحب جيشٍ, وذا مثله؛ أي: ملكًا صاحب جيشٍ مثل هذا الجيش, وذو في معنى صاحب ونحوه. يقال: هو ذو مالٍ وذو جاهٍ. ولا تضاف ذو إلا إلى اسم ظاهر مثل أن يقال: ذو عقلٍ وذو رئاسةٍ, ولا يحسن أن يقال: المال أنت ذوه؛ أي: أنت صاحبه, وقد أضافوه لما جمعوه, ومنه البيت المنسوب إلى كعب بن زهير: [الوافر]
صبحن الخزرجية مرهفاتٍ ... أبان ذوي أرومتها ذووها
كأن الاسم قوي بزيادة واو الجمع. وقولهم: الأذواء من حمير يعنون: ذا جدنٍ, وذا رعينٍ, وذا يزنٍ, وكل ذلك راجع إلى معنى الصاحب وما قرب منه, والمعروف في جمعهم الأذواء على التكسير, وجمعهم الكميات على ذوين, وهو جمع السلامة؛ وذلك قوله: [الوافر]
وما أعني بذلك أسفليكم ... ولكني عنيت به الذوينا
وقوله:
فتن المهالك حتى قال قائلها ... ماذا لقينا من الجرد السراحيب
السراحيب: جمع سرحوبٍ, وهو من صفات الخليل الإناث, يريدون به الطويلة على وجه الأرض, وربما استعملوه للمذكر شاذًا.
والجرد: جمع أجرد وجرداء؛ وذلك أن يكون الفرس قصير الشعر. ويقال: انجرد الرجل في سيره إذا امتد فيه, وقيل: الانجراد عدو ليس بشديدٍ.
وقوله:
أنت الحبيب ولكني أعوذ به ... من أن أكون محبا غير محبوب
أكثر ما يقولون في الماضي: أحببت فإذا صاروا إلى اسم المفعول قالوا: محبوب, وقد جاءت ألفاظ على هذا النحو, قالوا: أجنه الله فهو مجنون, وأكزه فهو مكزوز, وأقره فهو مقرور, فهذا كله على تقدير: حب وكز وقر, وقد حكوا حببته. وروي أن أبا رجاءٍ العطاردي قرأ {فاتبعوني يحبكم الله} , فهذا على (حب) , وأنشدوا بيتًا: [الوافر]
لعمرك إنني وطلاب سعدى ... لكالمزداد مما حب بعدا
وأنشد ابن الأعرابي: [الطويل]
وأقسم لولا تمره ما حببته ... ولا كان أدنى من عبيدٍ ومرشق
ومن شأنهم إذا عدوا المضاعف الثلاثي أن يجيئوا به في المضارع على يفعل فيقولوا: عد القوم يعدهم, ومد الحبل يمده, وقد شذت حروف, منها قولهم: شد الحبل يشده ويشده ونم الحديث ينمه وينمه, وعل القول والشرب يعله ويعله في حروف معدودة مثل: أضني يؤضني ويئضني إذا اضطرني, وكان القياس (25/ب) أن يقال: حببته أحبه ولكنهم لم يحكوه إلا بالكسر. وجاء بيت عنترة على أحببته فهو محب, وهو قوله: [الكامل]
ولقد نزلت فلا تظني غيره ... مني بمنزلة المحب المكرم
ويقال: إن أم عبد الله بن الحارث المعروف بببة قالت وهي ترقصه:
لأنكحن ببه ... جاريةٍ خدبه ... مكرمةً محبه ... تمشط رأس لعبه











مصادر و المراجع :

١- اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي

المؤلف: أبو العلاء أحمد بن عبد الله المعري (363 - 449 هـ)

المحقق: محمد سعيد المولوي

الناشر: مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية

الطبعة: الأولى، 1429 هـ - 2008 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید