المنشورات
لحا الله وردانًا وأما أتت به ... له كسب خنزيرٍ وخرطوم ثعلب
فهي من الطويل الثاني عند الخليل, ومن السحل الأول عند غيره.
الخنزير إذا جعلت النون فيه زائدةً فهو من الخزر في العين, وهو ضيق فيها, وأن ينظر الإنسان بالجانب الذي فيه المؤق. يقال: تخازر الرجل؛ إذا فعل ذلك. قال الراجز: [الرجز]
إذا تخازرت وما بي من خزر ... ثم كسرت الطرف من غير عور
وجدتني ألوى بعيد المستمر ... أبذى إذا بوذيت من كلبٍ ذكر
وإذا جعلت النون في الخنزير أصليةً فهو مأخوذ من الخنزرة, وهي فأس غليظة تكسر بها الحجارة, يراد أنه غليط الخلقة.
والخرطوم: يستعمل لغير الإنس في وضع الشفة والأنف. قال جران العود: [الطويل]
فصرنا إليها واللغام كأنه ... بألحي المهاري والخراطيم كرسف
واستعملوه في العقاب, قال جران العود أيضًا: [الطويل]
عقاب عقنباة كأن جناحها ... وخرطومها الأعلى بنارٍ ملوح
وقيل لأول ما يعتصر من الكرم: خرطوم؛ لأنه يتقدم كتقدم الشفة, وقد سمي الأنف خرطومًا, قال الفرزدق: [البسيطي
يا ظمي ويحك إني ذو محافظةٍ ... أنمي إلى النفر الشم الخراطيم
وقوله:
إذا كسب الإنسان من هن عرسه ... فيا لؤم إنسانٍ ويا لؤم مكسب
الهن يكنى به عن الفرج وكل ما يقبح من الأمور, ويدخلون فيه الهاء إذا وقفوا, ويحركون النون, فيقولون: هنه.
(29/أ) فإذا وصلوا سكنوا النون وجاؤوا بالتار فيقولون: خذ فيه الهاء إذا وقفوا,وهنت, كأنهم يريدون تأنيث هنٍ, وأنشد ابن الأعرابي: [الرجز]
فقلت مهلًا لا تلومي يا هنه ... أنا ابن ثنتين وسبعين سنه
والعرس أكثر ما يستعل للمرأة, وقد يقال للرجل: عرس, وهما عرسان, قال علقمة: [البسيط]
أدحي عرسين فيه البيض مركوم
وكذلك عروس يستعمل للأنثى والذكر, واشتقاقها من العرس, قال الشاعر في استعمال عروس للمذكر: [الطويل]
أترضى بأنا لا تجف دماؤنا ... وهذا عروسًا باليمامة خالد
ويروى: بالمدينة خالد.
فأما قولهم: «لا مخبأ لعطرٍ بعد عروسٍ» , فيجوز أن يحمل على المذكر والمؤنثب.
وقوله:
أهذا اللذيا بنت وردان بنته ... هما الطالبان الرزق من شر مطلب
اللذيا: تصغير الذي. والذي عند البصريين أصله لذٍ مثل عمٍ, ودخلت عليه لام التعريف. وقال قوم: بل هو مبني من لامٍ وذالٍ, وقال آخرون: ذاله مثل ذال هذا, واستدلوا على ذلك بقولهم في التصغير: اللذيا, كما قالوا في تصغير هذا: هاذيا, ويقال في تصغير التي: اللتيا, ويقال في المثل: «فعل ذلك بعد اللتيا والتي»؛ أي: بعد الأمر الشاق. وبعض الناس يقول: اللتيا والتي من أسماء الداهية, والمعنى متقارب. قال الراجز: [الرجز]
يا بنة هندٍ لا تسبن ابنتي
بعد اللتيا واللتيا والتي ... إذا علتها أنفس تردت
فجاء لقوله التي في آخر البيت بصلةٍ على أصل ما يجب في الأسماء الموصولات, ويجوز أن يكون قولهم: اللتيا والتي يريدون به ما صغر من الأمور وكبر, ومنه قول الضبي:
ولقد رأيت ثأى العشيرة كلها ... وكفيت جانيها اللتيا والتي
وإذا أرادوا الكناية عن الأمر الشديد جاؤوا بالكلمتين الأولى مصغرة والثانية غير مصغرة, لا يقتصرون على الواحدة منهما.
وقوله:
لقد كنت أنفي الغدر عن توس طيئٍ ... فلا تعذلاني رب صدق مكذب
يقال: فلان من توس صدقٍ, وسوس صدقٍ؛ أي: من أصله ومعدنه. وطيئ أكثر ما يستعمل بالهمز, وربما قالوا: طي بغير همزة. وحكي عن ابن الكلبي أنه قال: إنما سمي طيئًا لأنه أول من طوى المناهل, يعني طي البئر التي تعرفه العامة, ونسب هذا البيت إليه, وهو قوله: [الوافر]
فإن الماء ماء أبي وجدي ... وبئري ذو حفرت وذو طويت
وهذا البيت يوجد في الحماسة منسوبًا إلى رجل يقال له: سنان, وإذا صح هذا القول فالهمز في طيئٍ غير أصلي, وإنما يجري مجرى قولهم: حلأت السويق, والأصل من الحلاوة ونشئت الرائحة, وإنما هو من النشوة, وهي الرائحة الطيبة. وقال بعض الناس: طيئ مأخوذ من قولهم: طاء في الأرض إذا ذهب فيها. فإذا أخذ بهذا القول فالهمزة في طيئ أصلية. وقد زعموا أن سبأ بن يشجب إنما سمي سبأً لأنه أول من سبى الذرية, وسبي الذرية غير مهموزٍ, وقد جاء سبأ في القرآن والشعر الفصيح مهموزًا. قال الشاعر: [البسيط]
ظلت تطاردها الولدان من سبأٍ ... كأنهم تحت دفيها الدحاريج
وقال آخر, وهو يروى للجعدي ولأمية بن أبي الصلت: [المنسرح]
من سبأٍ الحاضرين مأرب إذ ... يبنون من دون سيله العرما
وهذا أمر لا يعلم كيف حقيقته؛ لأنه خطب متقادم. ويجوز أن يكون مأخوذًا من سبأت الخمر, أو سبأته النار؛ إذا أحرقت جلده.
مصادر و المراجع :
١- اللامع العزيزي شرح
ديوان المتنبي
المؤلف: أبو
العلاء أحمد بن عبد الله المعري (363 - 449 هـ)
المحقق: محمد
سعيد المولوي
الناشر: مركز
الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية
الطبعة: الأولى،
1429 هـ - 2008 م
19 أبريل 2024
تعليقات (0)