المنشورات

لهذا اليوم بعد غدٍ أريج ... ونار في العدو لها أجيج

وهي في الوزن كالتي قبلها. الأريج مثل الأرج, وهو الرائحة الطيبة, وقد قالوا: أرجت النار والحرب؛ إذا أوقدتهما. والأجيج تهلب النار, وصوت وقودها. ويقال: أج الحر إذا اشتد, وأجت الشعرى؛ لأنها تطلع في شدة القيظ, فجعلت الأجة لها. قال الشاعر: [الطويل]
فظلت على العذب النقاخ لبونه ... رواءً إذا الشعرى على الهام أجت
وقالوا: أججت النار؛ إذا أعظمت وقودها, قال عبيدالله بن الحر الجعفي: [الطويل]
متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا ... تجد حطبًا جزلًا ونارًا تأججا
وقوله:
تبيت به الحواصن آمناتٍ ... وتسلم في مسالكها الحجيج
الحواصن: جمع حاصنٍ, وهي العفيفة, يقال: حج البيت حجا وحجا, ورجل حاج, ويستعملون الحاج للجماعة, فيقولون: جاء الحاج, وهم يعنون رفقًا كثيرةً؛ أي: جاء الجمع الحاج.
وقيل للسنة حجة؛ لأن العرب في قديم الزمن كانت تحج في كل سنة مرةً؛ فسميت السنة بذلك, وإذا قالوا: قوم حج احتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون جمع حاج مثل: راكبٍ وركبٍ.
والآخر أن يكون مصدرًا اتسع فيه, كما قالوا: قوم زور؛ أي: زائرون, وإذا قيل: حج, والمراد الناس, فهو مصدر وصف به. قال الراجز:
كأنما أصواتها في الوادي
أصوات حج من عمان غاد
وقال جرير: [الكامل]
وكأن عافية النسور عليهم ... حج بأسفل ذي المجاز نزول
وقولهم: الحجيج: اسم وضع للجميع, ويجوز أن يكونوا سموا باسم البيت؛ لأنه المحجوج والحجيج.
وأصل الحج القصد والزيارة, قال دكين الراجز في صفة الفرس:
ظل يحج وظللنا نحجبه
وظل يرمى بالحصى مشربه
والحج الذي هو من مداواة الجراح راجع إلى معنى القصد, يقال: حججت الجريح فهو محجوج وحجيج, قال أبو ذؤيبٍ: [الطويل]
وصب عليها المسك حتى كأنها ... أسي على أم الدماغ حجيج
وقوله:
عرفتك والصفوف معبآت ... وأنت بغير سيرك لا تعيج
يقال: عبأت الشيء وعبيته بالهمز وتركه.
وتعيج من قولهم: ما عجت بكذا؛ أي: ما انتفعت به, ولا التفت إليه, أي وأنت لا تحفل بغير السير.
وقوله:
ووجه البحر يعرف من بعيدٍ ... إذا يسجو فكيف إذا يموج
يقال: سجار البحر إذا سكنت أمواجه, وناقة سجواء إذا كانت تسكن للحلب. وليل ساجٍ؛ أي: ساكن, وطرف ساجٍ, أي: فاتر. قال الراعي: [البسيط]
ألا اسلمي اليوم ذات المرط والعاج ... والجيد والنظر المستأنس الساجي
ألا اسلمي اليوم ذات المرط والعاج ... والجيد والنظر المستأنس الساجي
والسجية: واحدة السجايا, من هذا مأخوذة؛ لأنهم إذا قالوا: سجية الرجل؛ فإنما يريدون حاله التي يثبت عليها. والمعنى أن هذا الممدوح يشبه بالبحر, والبحر معلوم عظمه في حال سجوه, فكيف إذا ماج؟ !
وقوله:
بأرض تهلك الأشواط فيها ... إذا ملئت من الركض الفروج
والأشواط جمع شوطٍ, يقال: عدا الفرس شوطًا؛ إذا عدا قدرًا معروفًا, ولا حد لذلك, ولكنه غاية بعيدة, ولا يستعملون منه الفعل؛ لا يقولون: شاط الفرس يشوط.
وأراد بقوله: تهلك الأشواط فيها: أنها واسعة, فهي تفتي الأشواط, وبعدها غير فانٍ.
والفروج: ما بين قوائم الدابة, وإذا تناهو في صفة العدو قالوا: عدا ملء فروجه, كأنه يملؤها بالعدو.
وقوله:
نحاول نفس ملك الروم منها ... فتفديه رعيته العلوج
(35/ب) يقال: حاولت الشيء إذا طلبته, وهو مأخوذ من الحول؛ أي القوة والحركة. والمعنى أني قاويته من القوة؛ لأنظر أهو يغلب أم أنا؟ والعلوجك جمع علجٍ, وهو الغليظ الشديد.
وفي حديث علي عليه السلام: «إنكما علجان, فعالجا عن دينكما». ويقال لحمار الوحش: علج؛ إذا وصف بالغلظ والشدة.
قال صخر الغي الهذلي:
ولا علجان تنتابان روضًا ... نضيرًا نبته عما تؤاما
وقوله:
أبالغمرات توعدنا النصارى ... ونحن نجومها وهي البروج
الغمرات: الشدائد, والمثل السائر: «الغمرات ثم ينجلين» , وهذا المثل في رجز الأغلب العجلي: [الرجز]
الغمرات ثم ينجلينا ... ثم يذهبن فلا يجينا
وبروح السماء هي هذه الاثنا عشر برجًا التي أولها الحمل, وآخرها الحوت, والنجوم السبعة السيارة مترددة فيها, فيقول: نحن في الغمرات مثل النجوم في هذه البروج؛ لأنها منازلنا, وهي لنا كالبيوت.
وقوله:
نعوذه من الأعيان بأسًا ... ويكثر بالدعاء له الضجيج
يقال في جمع عين: أعين, وهي اللغة التي جاء بها القرآن في قوله: {على أعين الناس لعلهم يشهدون}.
وقال بعض العرب: الأعيان: كأنهم فروا من ضمة الياء, وأنشد أبو زيد: [البسيط]
إما تري شمطًا في الرأس حل به ... من بعد أسود داجي اللون فينان
فقد أروع قلوب الغانيات به ... حتى يملن بأجيادً وأعيان
وقال آخر: [الطويل]
ولكنما أغدو علي مفاضة ... دلاص كأعيان الجراد المنظم
والضجيج: ارتفاع الأصوات في دعاءٍ أو تشك. قال الشاعر: [الوافر]
دعوتك والحجيج له ضجيج ... بمكة والقلوب لها وجيب
وقوله:
رضينا والدمستق غير راضٍ ... بما حكم القواضب والوشيج
الدمستق: كلمة رومية معربة ولا تعرف في شعرٍ فصيحٍ, وبناؤها على غير بناء العربية؛ لأن تاءها مضمومة, فليس في الخماسية لها نظير, ولو كانت التاء مكسورةً لكان نظيرها من الخماسي قذعملًا ونحوه. وإذا جمعتها الشعراء المحدثون قالوا: دماسق, فحذفوا التاء؛ لأنها من حروف الزوائد, وإن لم يثبت أنها زائدة.
وأصحاب التصريف لو جاء اسم على دمستق من العربية لحكموا على تائه بالزيادة, كما حكموا على نون كنهبل؛ إذ كان ليس في الأصول شيء على مثال فرزدقٍ, وقد قالوا في جمع فرزدقٍ: فرازق, حذفوا الدال, واحتجوا بأنها تشبه التاء, والتاء من حروف الزوائد, فإذا فعلوا ذلك فحذف التاء من دمشق أوجب.
والقواضب: جمع قاضبٍ؛ أي: قاطعٍ, وكثر ذلك في صفات السيوف حتى صار لها كالاسم. والوشيج: أصول الرماح.
وقوله:
فإن يقدم فقد زرنا سمندو ... وإن يحجم فموعده الخليج
جاء سمندو على اللفظ الذي تعرفه العامة فأقرها على ما يقال. وبعض الناس يلزمه في هذه الكلمة أن يقلب الواو ياءً؛ لأنها طرف وقبلها ضمة, فيقول سمندٍ في الرفع والخفض جميعًا, ويقول في النصب رأيت سمندي, وقلب الواو ليس باللازم هاهنا؛ لأنه حكى اللفظة على ما هي عليه. ولو سمي رجل «قاموا أو قعدوا» على أنه فعل متأخر قد استكن فيه الضمير لوجب أن تقر الواو على حالها, فيقال: هذا قاموا قد جاء, ورأيت قاموا, ومررت بقاموا. فإن كان الفعل متقدمًا, وقد لحقه علامة التثنية والجمع على مذهب من قال: ألفيتا عيناك, وأكلوني البراغيث, فالنحويون يلحقونه النون, فيقولون في الرفع: هذا قامون, وفي النصب والخفض: رأيت قامين, ومررت بقامين.
والخليج: كل ما خلج عن شيء؛ أي: جذب عنه, فيقال لما انقطع من البحر: خليج؛ لأنه كالمجذوب من معظمه, وقالوا للحبل: خليج؛ لأنه يجذب. قال ابن مقبل: [الطويل]
وظل يغني في الخليج كأنه ... حصان كميت أحمر اللون أقرح
ويقال: خلج بعينه؛ إذا أشار بها إلى غيره كأن جذبه إليه, قال الراجز:
جارية من رهط ذي رعين ... حياكة تمشي بعلطتين
حياكة: هي التي تحرك أعضاءها في مشيها. والعلطة: سواد تجعله المرأة على وجهها تتحسن به, وقيل: هي: قلادة.
قد خلجت بحاجبٍ وعين ... يا قوم خلو بينها وبيني
أشد ما خلي بين اثنين
ومن ذلك قولهم اختلج في صدره كذا, وتخالج؛ أي: تجاذب, ويقال للشك: خلاج؛ لأنه كالجذاب بين الأمرين لا يعلم أيهما الصواب.










مصادر و المراجع :

١- اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي

المؤلف: أبو العلاء أحمد بن عبد الله المعري (363 - 449 هـ)

المحقق: محمد سعيد المولوي

الناشر: مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية

الطبعة: الأولى، 1429 هـ - 2008 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید